مقال رئيس التحرير
سامي سرحان
استدعى قتل الفتى محمد أبو خضير إبن الـ 16 عاماً، حرقاً وهو حي على أيدي مستوطنين في شعفاط، يقال إن من بينهم رجل دين يهودياً (حاخام)، وفق ما أعلنت عنه دوائر التحقيق والطب الشرعي، إستدعى ذكرى المحرقة اليهودية على أيدي النازي في ألمانيا وبولندا في أربعينيات القرن الماضي. وكتب عدد من الصحفيين الإسرائيليين والفلسطينيين عن محرقة اليهود آنذاك وعن الجريمة التي ارتكبت على أيدي ضحايا النازية والناجين من المحرقة أو أبنائهم أو أحفادهم الذين تقمصوا دور جلّاديهم وحارقيهم اليوم. وتجد إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة نفسها اليوم في ورطة أمام بشاعة الجريمة وثبوتها رغم محاولتها حرف سير التحقيق، والقول إنها تمت على خلفية جنائية وليس على خلفية قومية عرقية عنصرية مقيتة.
لا نريد مشاركة اليهود خصوصية محرقتهم ومأساتهم كجريمة إنسانية، ولكننا لا نريد أن يحرقنا يهود أيّاً كان تصنيفهم أو درجة تطرفهم أو جنونهم على خلفية عنصرية فاشية بل نازية، ومن اليوم فصاعداً يجب على إسرائيل كلما أحيت ذكرى المحرقة التي راح ضحيتها ستة ملايين يهودي في أوروبا، أن تستذكر ذكرى محرقة محمد أبو خضير على أيدي مستوطنين أسلمتهم الدولة الإسرائيلية زمام أمرها. ولم يعد ينفع القول إن مرتكبي الجريمة البشعة معتوهون او مختلّون عقلياً أو متطرفون دينيّاً.
كارثة حرق الفتى محمد أبو خضير حياّ، وسحله بعد حرقه نكأت جروحاً كثيرة وفتحت العيون مجدداً على ما ترتكبه قوات الإحتلال الإسرائيلي المتمثلة بالجيش والشرطة والمخابرات والإستخبارات، وظهيرهم من المستوطنين ومنظمات “تدفيع الثمن” للعرب في داخل الخط الأخضر وفي خارجه ما ترتكبه من جرائم، فهي تقتل ما معدله فلسطينياً واحداً كل ثلاثة أيام وتعتقل العشرات كل أسبوع وتهدم منازل الفلسطينيين وتبني على أنقاضها مستوطنات، وتقوم بتوسيع وتسمين المستوطنات القائمة على أراضي الفلسطينيين، وتصادر الأرض، ويَقتُل طيرانها الحربي ويُدَمِر ما يشاء في قطاع غزة المكتظ بالسكان، وتفرض طوقاً أمنياً على المدن والقرى الفلسطينية في الضفة، وحصاراً مميتاً على قطاع غزة، وتعمل ليلاً ونهاراً على تهويد مدينة القدس الشرقية، ومنع المسلمين والمسيحيين من أداء شعائرهم الدينية في مقدساتهم.
لقد تجرد الإسرائيليون في ظل حكومة نتنياهو الذي بات أسير المستوطنين من كل مشاعر الإنسانية، وظهر للعالم أن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية إحتلال لا أخلاقي يجب أن ينتهي، وإلى أن ينتهي لا بد من البحث عن مظلة دولية لحماية الشعب الفلسطيني من بطش الإحتلال ومستوطنيه، فالشعب الفلسطيني بات مكشوفاً أمام جرائم إسرائيل وغطرسة حكومة نتنياهو وهو بحاجة ملحّة وسريعة لحماية دولية.
ولا نستغرب اليوم أن يشارك حاخام في محرقة الفتى محمد أبو خضير، فقد سبقه حاخام آخر أصدر فتوى بقتل مئة فلسطيني كل شهر بمن فيهم الأطفال، لأن هؤلاء الأطفال يكبرون ويصبحون إرهابيين هكذا. ويعيد هذا التحريض البغيض على العرب الذي تسكت عليه (حكومة نتنياهو)، إلى الأذهان تصريحات أحد أكبر حاخامات إسرائيل “عوفاديا يوسف” الذي وصف العرب تارة بالصراصير وتارة ثانية بالجرذان، وثالثة بأولاد الأفاعي الذين يجب سحقهم.
لقد انزلقت إسرائيل إلى مستوى متدنٍ من العنصرية والفاشية ولم يعد فيها من العقلاء من يُسمع لهم، وهي اليوم تتجرد من أخلاقية مزعومة إدعتها منذ أن قامت وهي ترتدّ إلى الوراء تحت حكم نتنياهو، الذي يحكم بطريقة تجعله محرضاً عنصرياً يسعى إلى تطهير فلسطين التاريخية من أصحابها الفلسطينيين، ونجده يهوّد فلسطينيي الداخل بأن لا مكان لمن يتظاهر منهم في إسرائيل. يريد منهم أن يستسلموا لمجموعات ما يسمى “تدفيع الثمن” الإرهابية التي تتحرك ضد الوجود العربي الفلسطيني في بلادهم، وتدنّس دور العبادة، وتحرق السيارات وتثقب الإطارات، وتعتدي على العربي في الشارع لمجرد شكله أو لباسه أو لغته، تحت سمع وبصر ورعاية نتنياهو وشرطته.
لم يبقِ رئيس الحكومة الإسرائيلية طريقاً يؤدي الى السلام بين الشعبين إلّا وأغلقه، فأفشل اتفاق أوسلو، وجهود الولايات المتحدة، وإستخف برغبة الشعب الفلسطيني وقيادته بالسلام العادل وحل الدولتين، ودفع بالأمور إلى حافة الهاوية والحل الصفري، وهذا هو سر الهجمة الإسرائيلية الحالية على الشعب الفلسطيني، لكن لن تسير الأمور وفق رغبات نتنياهو، وائتلاف حكومته اليمنية، فالشعب الفلسطيني لديه من مقومات الصمود والكفاح ما تمكنه من البقاء رغم المحرقة التي تنتظره على أكثر من مستوى.