الحدث - محمد مصطفى
مع إطلالة كل صباح، يمتشق عشرات الرعاة ما تيسر من طعام وشراب، ويحملون عصيهم، ويغادرون بيوتهم، ليسيروا خلف قطعان تضم مئات الأغنام، يبحثون عن المراعي الخضراء وما أقلها، ويواجهون المصاعب والمخاطر وما أكثرها.
معظمهم ينتشرون في المراعي الواقعة شرق محافظتي خان يونس ورفح، جنوب قطاع غزة، رغم تيقنهم بخطورة تلك المناطق، لكنها من وجهة نظرهم هي الأفضل والأكثر عشباً، خاصة بعد أن زحف العمران، وأغلقت الأراضي المفتوحة، وتحولت إلى مزارع للخضار والأشجار، وباتت مهنتهم مهددة.
مهنة على وشك الاندثار
ويقول الراعي محمد موسى، حيث توقف وسط أرض مفتوحة، بدت حشائشها متآكلة من كثرة ما غزاها الرعاة بقطعانهم، "مهنتي التي ورثتها عن أبي وجدي من قبله، لم تعد كما كانت في السابق، وهناك عوامل كثيرة تساعد على سرعة اندثارها".
وأضاف موسى أن أبرز تلك العوامل التزايد السكاني الكبير، والغزو الحضري للمناطق المفتوحة، التي كانت في السابق أفضل مراعي، إضافة إلى اعتداءات الاحتلال، حيث يواجه الرعاة مخاطر كبيرة في حال وصلوا لمناطق محاذية لخط التحديد، رغم أنها من أفضل المراعي.
وتابع: "عام بعد عام تتناقص كميات الأمطار، وهذا يؤثر سلباً على المراعي"، مستذكراً حين كان يصاحب والده قبل أكثر من عقدين من الزمن في رعي قطيع الأغنام الذي يمتلكونه، وكيف كانت الحشائش تصل إلى أضعاف ما تصل إليه حالياً.
وبين أنه ورغم كل الصعوبات والمخاطر، فإنه ومن تبقى من رعاة، يحاولون جاهدين الحفاظ على مهنتهم، التي لا يمتلكون غيرها، ويجوبون الأراضي طولاً وعرضاً بقطعانهم، خاصة في موسم الربيع الزاهي بالخضرة والحشائش.
أما الراعي أحمد شلالفة وكان يستعين بشقيقه للسيطرة على قطيعهم، ويبحثون عن المراعي الأكثر خضرة، والأقل زيارة من قبل الرعاة، قال "نقيم في منطقة ريفية نائية، والرعي والزراعة هما الحرفتان الرئيسيتان في تلك المنطقة، وعائلتنا امتهنت الرعي منذ عقود طويلة، لذلك نحاول الحفاظ على تلك المهنة رغم الصعاب".
وأضاف شلالفة، أنهم باتوا يضطرون للسير بقطعانهم كيلومترات عديدة، بحثاً عن العشب اليافع، حتى تعود الأغنام في نهاية اليوم ممتلئة البطون، ولا يضطرون لإطعامها من العشب المخزن، أو أعلاف مرتفعة الثمن.
وبين أن ندرة العشب وموسميته، جعلتهم يبحثون عن بدائل، فهم يقسمون أنفسهم لفريقين، الأول يصطحب الأغنام ويجول بها في كل مكان، والفريق الثاني يبحث عن مزارع خضار، تم حصادها، ويرغب ملاكها بتنظيفها، ليقوموا بجمع الأشتال سواء طماطم أو بطاطا، أو غيرها، وينقلونها إلى حظائرهم، ليقوموا بتجفيفها وتخزينها، بهدف إطعام أغنامهم بها.
وأكد شلالفة، أنهم سيضطرون لبيع جزء من القطيع مطلع الصيف الحالي، كما يفعلون في كل عام، من أجل توفير المال اللازم لمصروفاتهم السنوية من جانب، ولتخفيف عدد من جانب آخر، خاصة بعد أن ولدت معظم النعاج والماعز، وزاد عدد القطيع.
ويعتبر الرعاة والمزارعون هدفاً لنيران جنود الاحتلال، اللذين يتمركزون داخل الدبابات وفي أبراج المراقبة، المنتشرة على طول خط التحديد، ويعمدون لإطلاق النار بصورية يومية تجاه المزارع والبساتين شرق محافظتي رفح وخان يونس.
وتعرض قطاع المواشي في قطاع غزة لضربات قوية خلال العدوان الأخير، حيث تسببت مئات القذائف والصواريخ الإسرائيلية التي استهدفت مناطق زراعية ومزارع أغنام، في نفوق آلاف رؤوس الأغنام، دون أن يجد مالكوها من يعوضهم.