تتأرجح نتائج الانتخابات الإسرائيلية للكنيست الرابع والعشرين حول 59 مقعدا إلى 61 مقعدا بين مؤيدي بنيامين نتنياهو ومعارضي توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وللمرة الرابعة في غضون عامين لم يحسم الناخب الإسرائيلي موقفه من بنيامين نتنياهو الذي بات مشكلة إسرائيل وعدم استقرار الحكومات الإسرائيلية.
لقد أفزع نتنياهو الحياة السياسية في إسرائيل من أي بعد سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي وتمحورت الحياة السياسية في الكيان حول شخص نتنياهو، من معه ومن ضده، رغم انه شخص فاسد وملاحق قضائيا في قضايا رشوة وخيانة الأمانة، واليوم تتركز كل التحليلات والتكهنات حول هل سيشكل نتنياهو حكومته السادسة أم يذهب الإسرائيليون إلى انتخابات خامسة لا يرغب أحد في إسرائيل بالذهاب إليها، في حين لا مانع لدى نتنياهو أن يذهب إلى انتخابات خامسة أو سادسة إذا لم يشكل هو الحكومة، ذلك أن مصيره بات معلقا في أن يكون رئيسا للحكومة أو في السجن. لقد أظهر نتنياهو براعة منقطعة النظر خلال 13 سنة من رئاسته للحكومة في تفكيك وتركيب الأحزاب السياسية الإسرائيلية بما يضمن له أغلبية في الكنيست ولو بصوت واحد، ولجأ إلى أربع جولات متتالية من الانتخابات وربما الخامسة قريبا ليبقى على رأس حكومة تصريف أعمال ودولة بلا موازنة وشعب منهك من الكورونا التي استخدمها هي الأخرى باقتدار لإغلاق وفتح الكيان وفق أجندة مواعيد محاكمته، كانت نتيجة انتخابات الكنيست الثالثة والعشرين مفاجأة لنتنياهو عندما حصلت القائمة العربية المشتركة على 15 مقعدا في الكنيست بمكوناتها الأربعة، وشكلت سدا أمام نتنياهو للاستمرار في حكومته لولا خيانة الجنرال بني غانتس لناخبيه وذهابه إلى تحالف مع نتنياهو، وقد دفع غانس ثمن خيانته فانقض من حوله جنرالاته وتلاشت قوته من 31 عضو كنيست إلى 7 أعضاء في الكنيست الجديد، بعد أن أجمعت كل استطلاعات الرأي أنه لن يجتاز نسبة الحسم وهو اليوم فرح بتجاوزه نسبة الحسم وبعثه من بين الأموات إلى الحياة، ويعود الفضل في ذلك إلى لبيد الذي أدار المعركة الانتخابية الأخيرة بحكمة وحرص على أن تجتاز أحزاب اليسار الصغيرة نسبة الحسم، ووفق عينه التلفزيون فقد اجتاز حزب أزرق أبيض وحزب العمل وحزب ميرتس نسبة الحسم وحاز كل حزب ما بين 6-7 أعضاء .
سعى بنيامين نتنياهو كعادته مع الأحزاب اليهودية إلى تفكيك القائمة العربية المشتركة التي باتت حجر عثرة أمام تشكيل الحكومة في إسرائيل وهي تتمثل بخمسة عشر عضوا في الكنيست وقد نجح في مسعاه عندما وجد مكونا من مكونات القائمة العربية المشتركة مستعدا للتجاوب معه وتمثل في منصور عباس الذي التقاه عدة مرات وفق مصادر صحفية وأغراه بدعمه مقابل خدمات للمجتمع العربي الفلسطيني داخل الخط الأخضر إلى حد صدور تصريحات عن منصور عباس قال فيها إنه سئم من السياسيين العرب المشغولين بالقضية الفلسطينية وإنه يرغب بالانضمام لنتنياهو، وكانت النتيجة أن خرج منصور عباس وحزبه القائمة العربية الموحدة من القائمة العربية المشتركة. وفتح الطريق أمام نتنياهو ليصول ويجول في البلدات والقرى العربية ويشرب القهوة السادة ويداعب الأطفال العرب ويكنى أبو يائير. ولما ضمن أبو يائير أن لعبته انطلت على منصور عباس تخلى عنه وقال لا أريده في الحكومة ولا أريد دعمه من الخارج ولا امتناعه عن التصويت. لقد وجه نتنياهو سهامه إلى الصوت العربي الفلسطيني فأصاب مقتلا وكانت نسبة التصويت العربي الفلسطيني هي الأقل منذ العام 2009 ولم تجتز قائمة منصور عباس حتى صباح الأربعاء نسبة الحسم كما وعد عباس الذي أحس بالخازوق الذي أجلسه عليه أبو يائير فهذه هي المرة الأولى التي تجد القائمة العربية الموحدة نفسها خارج الكنيست منذ العام 1996 وإذا كانت القائمة العربية المشتركة قد اجتازت نسبة الحسم وحصلت على 8-10 أعضاء كنيست وفق العينة التلفزيونية فإن التمثيل العربي في الكنيست انخفض بواقع 5-7 أعضاء إذا لم تجتز القائمة العربية الموحدة نسبة الحسم، وتحصل على أربعة أعضاء تعيد التأثير العربي الفلسطيني في الحياة السياسية الإسرائيلية إلى ما يقترب من سابق عهدها وهو ما لم يتحقق صباح الأربعاء عندما تدنت حصة القائمة المشتركة إلى 6-7 أعضاء وأيا كانت النتيجة النهائية لانتخابات الكنيست الرابعة والعشرين فإن إعادة ترتيب الواقع العربي وتفعيل مؤسساته يجب أن يكون المهمة الأولى لتعويض الخسارة الفادحة التي أحدثها الانشقاق في القائمة العربية المشتركة وانسلاخ القائمة العربية الموحدة عنها ويتمثل أولا في إعادة بناء لجنة المتابعة العربية وتنظيم حركة الجماهير العربية في الشارع والعودة إلى القائمة العربية المشتركة وتوسيع المشاركة فيها ووضع ضوابط للاختلاف في إطار الوحدة في إطار المشتركة.
لقد عاقبت جماهير الشعب العربي الفلسطيني في الداخل ممثليها فورا عندما تخلوا عن وحدتهم واختلفوا حول قضايا بعيدة عن اهتمامات المواطن العربي الفلسطيني وانساقوا وراء أوهام نتنياهو الذي سن قانون القومية وعبث بأمن المجتمع العربي وهدم منازلهم ويعيشون في ضائقة سكنية ويلاحقون في النقب ولا يعترف بقراهم ووصل الأمر بنتنياهو أن يقترح على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ترحيل مئات آلاف الفلسطينيين من داخل الخط الأخضر وفق ما سمي صفقة القرن.
لا بد أن تهدأ النفوس بعد التراشق الإعلامي أثناء الحملة الانتخابية بين مكونات القوائم العربية، فالهم الفلسطيني أكبر من أن تختلف واليمين الإسرائيلي من نتنياهو إلى بينيت إلى سموترتش إلى بن غفير، ولم تعد القضية الفلسطينية تشغله وهو يرى أنه حسم أمر التسوية السياسية والاستيطان والقدس والأغوار وعليه أن يحسم أمر النقب والجليل، ووفق كثير من المحللين فإن الصراع على السلطة في إسرائيل بات صراعا شخصيا بين بنيامين نتنياهو وقادة الأحزاب اليمينية الأخرى بعد أن تم حسم كثير من القضايا السياسية التي أشرنا إليها كالاستيطان والقدس... الخ، وباتت الأيديولوجية اليمينية من المسلمات في الحياة السياسية الإسرائيلية فليس لبيد أو ليبرمان أو ساعر يساريين إنما هم من صلب اليمين ولكنهم منافسون لنتنياهو وضاقوا به ذرعا ويريدون التخلص من فساده وسطوته على الحياة السياسية وتلاعبه بمصائرهم وعدم اكتراثه بالمواطن أو الاقتصاد أو مستقبل إسرائيل وإذا كانت النتيجة النهائية للانتخابات لم تعلن بشكل رسمي فإن التحالفات المتوقعة بين الأحزاب وإعلان المواقف من هذه التحالفات سوف تتأخر وتتأثر بالمساومات بين نتنياهو وشركائه في اليمين خاصة مع نفتالي بينيت الذي بات بيضة القبان التي توفر 61 صوتا لبنيامين نتنياهو ولكنه يطمح أن يكون رئيسا للحكومة ولا ينسى ما فعله نتنياهو به في الانتخابات السابقة.
كما أن بيني غانتس الذي يعود الفضل في تجاوز نسبة الحسم إلى لبيد لا يؤمن جانبه، وقد يعود للتحالف مع نتنياهو تحت حجة أمن إسرائيل وراجت تكهنات أن ساعر المنشق عن الليكود والذي منى بنكسة غير متوقعة في الانتخابات الحالية قد يعود إلى الليكود إلا أن ساعر حسم أمره ليلة الأربعاء وأعلن أنه لن يكون في حكومة واحدة مع نتنياهو وجرى الاتصال بينه وبين لبيد وقد يشكلان نواة تستقطب المعارضين لتولي نتنياهو رئاسة الحكومة الجديدة . وعلينا أن ننتظر إن كان نتنياهو سيجمع حواله 61 عضو كنيست ويعلن انتصاره أو يفشل في ذلك ويعلق تشكيل الحكومة عدة شهور بدأ خلالها حكومة إسرائيل بلا موازنة ولا برلمان ولا رقيب أو حسيب .