الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المونديال..والدراما..بنكهةٍ دموية

2014-07-08 03:05:46 PM
المونديال..والدراما..بنكهةٍ دموية
صورة ارشيفية

الحدث: ديمة الحاج يوسف

الكرة المستديرة ما زالت تحتفظ ببريقها الخلاب، لتسلب عقول العديد من المشاهدين، ولمزيد من الإثارة والتشويق إحتدم التنافس بين كأس العالم الذي يقام مرة كل أربع سنوات، وصادف أن التقى وشهر رمضان هذا العام، والدراما العربية التي تزدحم في نفس الشهر الفضيل، ليزداد وطيس الحرب بينهما، مع دخول الأحداث السياسية جراء مقتل المستوطنين الثلاثة في الخليل وتداعياتها على كافة المحافظات، على خط السباق معهما، ليتنافسا ثلاثتهما لإنتزاع القاعدة الجماهيرية من بعضهم البعض، فمن سيخرج أولا بـ “بطاقة حمراء” من هذه الساحه؟ ومن سيتربع على عرش الإهتمام؟ ومن سيتوسط بينهما!.

كأس العالم، المناسبة الرياضية الضخمة التي تضم 32 منتخبا من كافة قارات العالم، حيث خرج حتى الآن من المونديال 28 منتخبا وتبقى فقط 4 منتخبات هم البرازيل، المانيا، الارجنتين، وهولندا، فجاءت عضة خروج عمالقة كرة القدم اسبانيا، إيطاليا، وانجلترا، أقسى وأصلب من عضة سواريز لاعب منتخب الاوروغواي لكتف المدافع الايطالي جيورجيو كيلي.

هو كأس العالم المشتعل منذ دوره الأول وتأهب الجماهير لمشاهدته، فأينما يممت وجهك، ترى الناس تتجمهر حول المقاهي، المطاعم، المنتزهات، الأندية...لمشاهدة هذا الحدث الرياضي العالمي، وستسمع أصوات إنفجار غضبهم جراء ضربة ترجيحية، أو هدف أخطأ مساره فضرب بالعارضة! تارة أخرى ستسمعهم يهللون فرحا لفوز فريقهم، وفي هذه الأيام رأينا الأسواق وهي مليئة بأعلام أشهر المنتخبات في كأس العالم، ولن يندم الكثيرون ممن اشترى جهازا بسعر مكلف ليستقبل القنوات الرياضية، ذلك لكثرة الأحاديث التي تداولها الشارع حول الحدث، وكذا مواقع التواصل الاجتماعي.

ومع دخول شهر رمضان، الذي يرافقه جميع أدوات الإبهار التلفزيوني بفيضان الشاشات العربية بشتى أنواع الدراما العربية، لنشهد بطولات عربية مشتركة بين سورية، مصر، ولبنان، بمشاركة عدد كبير من نجوم الصف الأول، بأعمال متنوعة بين الرومانسية والأكشن، حافلة بما هو تاريخي واجتماعي، لاحظ المشاهد تراجع الأعمال السورية بسبب الأوضاع الأمنيه وتأثيراتها الإقتصادية لصالح كثافة في الإنتاج المصري، ناهيك عن الأجور المرتفعه للفنانين المصريين، ما جعلنا نشهد ما يشبه حالة اللجوء الدرامي والسينمائي من الفنانين السوريين باتجاه مصر، فضلا عن الهجرة الداخلية لفناني السينما إلى الدراما التلفزيونية (الشاشة الصغيرة) نتيجة تراجع الإنتاج السينمائي بشكل كبير، وغياب شركات الإنتاج التي لم تجازف خوفا من إنتاج أعمال قد لا تحقق إيرادات عالية، في ظل حالة الإنفلات الأمني الذي تشهده الساحة المصرية، وحظر التجوال الذي استمر لشهور طوال، ما أدى إلى انخفاض إقبال الجمهور على دور العرض السينمائية.

ولأن الوعي الجمعي الذي نضج مع الثورة المصرية، ساهم في رفع ذائقة الجماهير، اصبحت الدراما بحاجة لتجديد الكتاب والمخرجين أنفسهم، لطرح قضايا لم تعالج من قبل بشكل جريء وغير خجول، مثل القضايا التي تتعلق بالفساد، الظلم والديكتاتورية، لترتقي الدراما المصرية وترضخ لواقعية الحياة التي يعيشها المواطن المصري العادي في الوقت ذاته.

وكالعادة تسابقت الفضائيات في الحصول على حق عرض الأعمال الرمضانية على شاشتها فمنهم من استطاع الحصول على العرض الحصري، ومنهم من نال حق العرض مع قنوات أخرى.

الساحر والمسحور..

 حين تصبح شاشة التلفاز هي المصدر الوحيد للمعلومة، يصبح لها مفعول السحر على المشاهد ليكون الأخير متواطئاً معها، سواء بثت شيئاً من الدراما أو الكثير من العنف، وهو ما تؤكده مقولة عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو “إن التلفزيون يمارس نوعاً من العنف الرمزي، وهو عنف يمارس بتواطؤ ضمني من قبل هؤلاء الذين يخضعون له وأولئك الذين يمارسونه بالقدر الذي يكون فيه أولئك كما هؤلاء غير واعين بممارسة هذا العنف أو الخضوع له».

حيث يكمن أثر الدراما في تأثيرها التراكمي الذي يؤدي بمرور الوقت إلى تغيير ذهن المشاهد، فالدراما ذات دور شديد الخطورة فى عملية التغيير الإجتماعى، وتغيير إتجاهات وسلوك الجمهور، ولا تكتفي بنقل الأحداث، بل تعالجها، وقد تحاربها بتسليط الضوء عليها، بل وتقوم بدور الإقناع والإيهام والخداع والتوجيه تجاه قضايا بعينها، فتصبح هذه القضايا محور إهتمام الجماهير، كما يقول المفكر الفرنسي ريجيس دوبراي «فإن سيد الصورة هو سيد البلاد».

ولأن سيد الصورة، كان سيداً بامتياز في بلادنا فلسطين، جاءت الأحدث السياسية الملطخة بالدماء لتنافس هذا العام كلا من كأس العالم والدراما الرمضانية على حد سواء. حيث ارتفع منسوب المتابعة مع ازدياد وتيرة الأحداث جراء “إختفاء..خطف..قتل المستوطنين الثلاث” وما رافقه من تبعات جاءت في صورة هدم للبيوت، وارتقاء شهداء، واعتقال أكثر من 658 مواطن بحسب نادي الأسير، منذ الحملة العسكرية التي شنها الاحتلال، بالإضافة إلى القصف،الإقتحام، الإختطاف وعربدة المستوطنين، وإغلاق الطرق والمناطق، ليسود الشعور بفقدان الأمن والآمان، ليصبح التوتر والتوجس هو سيد الحدث في فلسطين، كما هي الصورة تماما

آراء وتحليلات

المواطن وليد ضميري يتحدث عن متابعته لخليط الدراما الرمضانية السوداء، فيقول: إنه أكثر من متابعته لكأس العالم والأخبار، بسبب شعوره بالملل من الأحداث السياسية المحبطة، وإعتياده على سيناريو الأحداث السياسية، وذلك لحاجة الفرد لتجديد حسب قوله.

فيما أكدت هيلدا جمال أنها لا تحبذ متابعة الثلاثي المسيطر هذه الفترة، من رياضة، ودراما وأحداث، ولكن لكونها نشطة على موقع التواصل الإجتماعي «الفيس بوك» ترى بأن الأحداث السياسية هي البارزة بشكل أكبر عن بقية المواضيع، وبالرغم فهي تتجنبها لكونها تشعر معها بالإحباط، لأن الشعوب في حالة ركود وتبلد، لعدم حدوث ردة فعل جراء الأحداث السياسية التي تقع عندنا.

بدوره يرى دكتور الإعلام في جامعة بيرزيت نشأت الأقطش، بأن لكل مجتمع وفرد أولويات مختلفه، فوجود المونديال من عدمه ليس سببا لقلة متابعة الناس للأحداث، مضيفاً دائما وعبر التاريخ هناك فئة من الناس لا يكون لها أي علاقة بالمشاكل الداخلية، وبالرغم من ذلك فإن الشعوب ليست ساذجة أو سلبية، ولذا فإهتمامات الناس مختلفة مهما كان الحدث رئيسيا، لكونه هناك دائما عامل لإشغالهم، سواء كانت مشاغل يوميه أو غيرها.

ويضيف الأقطش لـ «الحدث» بأن الشعور بالإحباط، من الأخبار السياسية تشعر الأفراد بالإنزعاج والقرف، وتجعل الفرد غير قادر على استيعاب جميع الأحداث التي تقع، لأن الجو السائد محبط، من فقر وإقتصاد وحروب وغيرها من الأمور التي تدفع الفرد إلى حالة من الهروب للبحث عن التسلية والترفيه.

ويشدد دكتور الإعلام في جامعة بيرزيت بأن طبيعة الإنسان تتكيف وتتأقلم بسرعة في كل زمان ومكان، حتى يصل الإنسان لمرحلة التصالح مع الذات، سواء كان من متابعين الدراما، أو كأس العالم، أو الأخبار السياسية، التي يشاهدها الفرد وهو متصالح مع ذاته حسب الظروف الواقعة عليه، ليشعر بالرضى دون أي تناقض أو صراع ذاتي.

في الختام ما زالت نظرية الغرب  «الخبر السيء هو الخبر الجيد» تطبق في كل مكان، وما زالت الأحداث تتصاعد وتهبط بالتواتر كدقات القلب، وطبيعة المجتمعات ستبقى نفسها في كل زمان ومكان، مهما كانت الأحداث السياسية أو الترفيهية هي من تفرض نفسها، لأن الإنسان نفسه هو من يخلق الحدث ويجعله ضمن اولوياته أو خارجها.