رام الله- ليندا جبيل
انتشرت ظاهرة الخيم الرمضانية في فلسطين في فترة من الفترات، حتى أصبحت تتطور بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة لتملأ المطاعم والفنادق، حتى أنه أصبح هناك خيم مستقلة، تضم فئات مختلفة من الناس لتجمعهم مائدة إفطار واحدة، كما امتدت أهميتها عند البعض في المجتمع الفلسطيني لتصبح عادة أساسية من عادات شهر رمضان الكريم.
وتعتمد الخيم الرمضانية الفلسطينية بشكل عام على فعاليات متعددة، يتخللها، بالإضافة إلى الإفطار الجماعي الذي تقدمه على شكل بوفيه مفتوح مقابل مبلغ من المال يختلف في قيمته من مكان لآخر، احتفالات ذات طابع خاص بوجود عدد من الفنانين لإحياء الليالي الرمضانية بأغانيهم،كما تعرض مسابقات رمضانية تطرح العديد من الأسئلة للجمهور الحاضر، وتقدم جوائز قيمة مقابل الإجابات الصحيحة.
يقول مدير عام فندق الجراند بارك محمد زملط: «إن الخيمة الرمضانية التي يقيمها الفندق منذ 4 سنوات لقيت رواجاً واسعاً، وتصل أعداد الوافدين إليها قرابة 500 شخص بشكل يومي، وتتضمن الخيمة العديد من الفعاليات الرمضانية، فبالإضافة إلى الإفطار تعرض «مسابقات فوانيس» التي تقدم من خلالها جوائز قيمة مثل أجهزة تلفزيون وأجهزة محمول، وتقدم فنانين فلسطينيين من الداخل والخارج، كما يخصص جزء منها للتخت الشرقي، وفقرة «دانس رمضاني”.
ضيف الخيم الرمضانية لهذا العام
بالإضافة إلى ما تقدمه الخيم الرمضانية من فعاليات متعددة، إلا أن ضيفها المميز لهذا العام هو المونديال، حيث له الحصة الأكبر في جميع الخيم الرمضانية، والذي تتناسب أوقاته مع ابتداء فعاليات الخيم، واستطاعت من خلاله استقطاب أعداد هائلة من الناس.
يقول الشاب عيسى محمد: «إن العائلة ترتاد الخيم الرمضانية منذ أكثر من سنتين، ولم أكن أكترث بالذهاب معهم، ولكن، بما أن للمونديال حصة داخل هذه الخيم، تشجعت للذهاب معهم، حيث أن المونديال فرصة ثمينة أمام الخيم الرمضانية لكي تثبت نفسها».
الخيم الرمضانية كظاهرة مؤثرة على المجتمع الفلسطيني
على الرغم من أن ظاهرة الخيم الرمضانية لقت رواجاً كبيراً في السنوات الأخيرة، وتشهد توافد أعداد هائلة إليها، إلا أن وجودها كظاهرة جديدة لا تتعدى الـ 5 سنوات في فلسطين أثار جدلاً بين شرائح المجتمع الفلسطيني، وذلك بوصف البعض لها بأنها منافية للعادات والتقاليد التي اعتدنا عليها في الشهر الكريم.
يقول المواطن محمد فاروق: «إن الخيم الرمضانية ليست سوى وسيلة لإضاعة ما بقي من معاني رمضان، فبعد أن كان رمضان شهر الصيام والعبادة، أصبح الآن شهر الفن والأرجيلة!»
وأضاف فاروق أن المفهوم الحقيقي لشهر رمضان هو التعبد والزهد والتقرب إلى الله، وأن لا علاقة لهذه الخيم بشهر رمضان الكريم، حتى أنه من الخاطئ تسميتها بالرمضانية، لأنها لا تتضمن حتى مجرد أدعية، وكل ما تعرضه من «تفاهات» تؤثر بالشكل السلبي على الناس».
ويقول خالد عثمان، وهو فلسطيني مغترب: «في بعض المدن في كاليفورنيا هناك عدد من المطاعم التي تنصب خيماً في رمضان. قد تكون الفكرة مقبولة هنا لأننا في غربة و بلا أهل، والذهاب إلى مثل هذه الخيم هدفه أن يشعر الناس مع غيرهم كأنهم أهل وعائلة. أما بالنسبة لوجودها داخل فلسطين فأعتبر أنه بلا داعٍ، وذلك لوجود الأقارب والأهل بيننا، وهذا كله بعيد عن الدين وشئ مؤلم. الله يهدينا ويغير أحوالنا».
وما بين هذا الرأي وذاك، هناك فئات تعتبر وجودها في فلسطين لا ضرر فيه، وأن اعتقاد المجتمع حول هذه الظاهرة هو اعتقاد خاطئ، إلا أن وجودها في الوضع الحالي للبلد هو الخاطئ.
تقول ليلى شقير: «إن هذه الخيم ليست كما تأخذه أغلبية الناس بمفهومها الخاطئ، فهي لا تختلف بمحتواها عن المطاعم العادية، إلا أن الوضع الساسي الحالي للبلد يحتم علينا اعتبار وجودها خاطئاً، وفي النهاية الحياة يجب أن تستمر».
كما قالت آلاء الناطور: «إن وجود مثل هذه الخيم يعتبر نوعاً من التغيير، أشجع وجودها كنوع من التنفيس عن الشعب الفلسطييني وخروجه من حالة الضغط السياسي التي يعيشها بشكل شبه يومي، على ألا تصبح ظاهرة زائدة عن حدها».
من جانب آخر اعتبرت شريحة أخرى من المجتمع أن وجود الخيم الرمضانية في فلسطين أمر ضروري كوسيلة للتسلية والمرح، بعد قضاء يوم متعب من الصوم والعمل.
المواطن لؤي خليلية، من جهته، رفض تقديم الخيم الرمضانية بالصورة السلبية كما يعتقد الآخرون، قائلاً: «إن المجتمع العربي بشكل عام، والفلسطيني بشكل خاص، بحاجة إلى مثل هذه الخيم التي توفر قسطاً من التسلية، خاصة في شهر رمضان، ووجودها فكرة جيدة».
وشجع هاني خليل على استقبال ما هو جديد وممتع للناس في فلسطين، وعبّر عن فرحته بوجود خيم رمضانية يتم تنظيمها بشكل ممتاز، وبالمقابل أبدى استياءه حيال بعض الخيم التي تقام بشكل عشوائي دون تنظيم».
أكد دكتور علم الاجتماع في جامعة بيت لحم، محمد نعيم فرحات، أن ظاهرة الخيم الرمضانية، بالشكل الذي تأخذه اليوم، ليست سوى شكل من أشكال التسويق التجاري، وأن قيام مثل هذه الخيم هو اغتنام لشهر رمضان الكريم لهدف مادي بحت”.
كما قال فرحات: “إن الخيم الرمضانية قديمًا كانت تعتبر جزءاً من أعمال الخير، حيث كانت تقدم إفطارات جماعية مجانية دون أي مقابل مادي، ومبرّأة من أي توظيف شخصي أو سياسي، على العكس تماماً من الخيم الرمضانية اليوم، التي لا تسعى إلى أي عمل خير سوى الكسب المادي”.
وأضاف فرحات: “من المفترض أن القضية الفلسطينية أكبر بكثير من الخيم الرمضانية، ومع ذلك لا أنفي حق الناس بالانشغال بها على أرضية أنها موضوع اجتماعي، وانطلاقاً من كونها موضوعاً اجتماعياً، فهذا يأخذنا إلى مربع الحريات الشخصية لمن يتعاطى أو يرفض التعاطي مع هذه العادة الرمضانية المنتشرة، ليسى فقط في بلادنا، وإنما في العديد من البلاد العربية والإسلامية”.