السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بين انتخاباتنا ونتائج انتخاباتهم/ بقلم: جمال زقوت

​ متطلبات التغيير لمواجهة مخططات اليمين العنصري

2021-03-28 09:48:07 AM
بين انتخاباتنا ونتائج انتخاباتهم/ بقلم: جمال زقوت
جمال زقوت

 أصبحت الشكوك تساورنا منذ مدة فيما إذا كانت المعركة مع الاحتلال قد حسمت لصالحه بشكلٍ نهائيّ، وذلك بالنظر إلى واقع الحركة الفلسطينية، بما في ذلك داخل الأرض المحتلة منذ عام 1948، لكنّ أزمة الحكم في إسرائيل تتعمق لدرجة اضطرتهم لإعادة الانتخابات للمرة الرابعة، وقد يذهبون للخامسة. فمن وجهة نظر عتاة اليمين الذي يتزعمه نتنياهو، أن أي نصر انتخابي سيظل ناقصاً، ويدور في فلك الأزمة السياسية لمؤسسات الحكم ما لم تتمكن من حسم معركتها مع الوجود الفلسطيني بهزيمة ماحقة ونهائية لحقوق شعبنا وفي مقدمتها حقه الطبيعي ليس فقط في البقاء، على أهمية ذلك، بل وحقه في تقرير المصير على أرض الآباء والأجداد.

انتهت الانتخابات الاسرائيلية لتكشف مرة أخرى طبيعة الأزمات المركبة والمترابطة على ضفتي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فلا يمكننا أن نقرأ ضربة نتنياهو للقائمة العربية المشتركة من خلال نجاحه في سلخ الحركة الإسلامية عنها، بعيداً عن نجاحه المتزامن لإعادة توليد اليمين الصهيوني الفاشيّ والمتطرف متمثلاً بورثة حركة كاخ الكهانية، في حين يؤسس تعزيز خطاب الفاشية داخل إسرائيل لممارسة سياسية مبنية على قيم إجرامية عنصرية منفلتة من عقالها، والذي بالضرورة يلغي أو يضيِّق إلى حد بعيد فرص الحوار بين النظام السياسي الإسرائيليّ مع المكون العربي الفلسطيني سواء في الداخل أو في الضفة والقطاع. لكنه في المقابل يوسّع الفراغ الذي يمهد الطريق نحو التغيير الحقيقي الذي نحتاجه كشعب، والذي يتمثل أساساً في الحاجة الماسة لبلورة قيادة جادة للحركة الوطنية تعيد بناء علاقتها مع الشعب الفلسطيني واحتياجه المُلِّح لاستراتيجية الصمود المقاوم، وفي قلبها الوحدة في مواجهة الاحتلال، والتنافس في داخلها على قدرة كل من مكونات هذه الحركة على ابتكار (وسائل الصمود) و(بناء الإنسان الفلسطيني القادر والمنافس) تحضيراً لمعركة قاسية ربما تأخذ سنوات طويلة لهزيمة الأبارتايد الفاشي الذي يطل برأسه في إسرائيل ويشكل جوهر الصهيونية ومقتلها الاستراتيجي في نفس الوقت.

من البديهي أن هذه الكراهية العنصرية التي يزرعها نتنياهو باستحضاره حركة كاخ الكاهانية، تولد تلقائياً انزياحاً عنصرياً في النظام الإسرائيليّ وخطابه السياسيّ الفاشيّ الذي يتقن نتنياهو لعبة السيرك على حباله، وهو الخطاب الذي لن تقبل بتشكيل أي حكومة يمينية بالاستناد لأي صوت عربي حتى لو كان بجوهره انسلاخاً عن مصالح الجماهير العربية. فالعربي الفلسطيني بالنسبة له مرفوضٌ حتى لو كان مجرد خادم صغير أو عميل مأجور!

لقد نجح نتنياهو مستفيداً من خبرته في حالة الانقسام الفلسطيني، بشق القائمة العربية المشتركة وإخراج الجناح الإسلامي منها، في خطوة فارقة بدلالاتها لإضعاف الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل، والقضاء على أي تجربة لنموذج وحدوي في الحالة الفلسطينية، باعتبار أن هذا التفكيك يشكل مكوناً استراتيجياً لمرتكزات الحركة الصهيونية، والتي ترى أنه بتحقيق هذا التهشيم على جانبي الخط الأخضر فهي تتقدم خطوة نحو مخططاتها المستمرة لتفكيك القضية الفلسطينة والإطاحة بحقوق شعبنا، لاستكمال ما لم تتمكن من تحقيقه في نكبة 48.

من الناحية الثانية فإن المشهد العام يشير إلى أن مجرد البقاء على الأرض في معركة المواجهة تلك يظهر مدى المأزق التاريخي للفكرة الصهيونية القائمة على "توطين ما يسمونه شعب بلا أرض على أرض بلا شعب". فكيف لنا كشعب إذا تمكنا من الصمود المقاوم والبقاء المنافس باستعادة زمام المبادرة في هذه المعركة طويلة الأمد، ونجحنا في الإطاحة بالفكر الانقسامي ومحاصرة مخاطره المباشرة إزاء إمكانية تبديد الحقوق الوطنية رغم الادعاءات التضليلية لطرفي الانقسام وأهدافهما الحقيقية في إبقاء الوضع الراهن كما هو دون مراجعة أو تغيير جديين ما لم تنهض قوى اجتماعية وسياسية جادة في الحياة السياسية الفلسطينية، بعد أن اتضح، بل ثبت وبما لا يقبل الشك، ليس فقط فشل استراتيجية كل من هذين الطرفين، بل وبمدى الأذى التاريخي الذي ألحقه كل منهما بالقضية الفلسطينية، وبمعركة الصمود التي يخوضها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من مئة عام.

هذا الواقع ودلالاته الأكثر وضوحاً من أي وقت مضى يظهر طبيعة الجريمة السياسية التاريخية التي ارتكبتها القوى الانقسامية المهيمنة على المشهد الفلسطيني الداخلي والتي كانت ضحيتها الأولى الإنسان الفلسطيني والمس بقدرته على استمرار التسلح بالأمل الذي مكنه من مواصلة معركة الصمود والبقاء، وهي الاستراتيجية الأساسية المضادة لجوهر الاستراتيجية الصهيونية التي لم تتغير بمضمونها المعادي لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحق لاجئيه بالعودة إلى ديارهم التي هجروا منها بقوة السلاح.

إن فشل الحركة الوطنية المعاصرة وزرع بذور الخلاف بينها على أساس ما يمكن أن تقبله إسرائيل لشروط تسوية سياسية هي في الواقع غير مطروحة على جدول أعمال المؤسسة الإسرائيلية، قد أضر بصورة عميقة بقضية شعبنا، وشجع الحركة الصهيونية على المضي بمشروعها الاستيطاني على أرضنا المهددة يومياً بالمصادرة والتهويد، وربما، إن استمر هذا الحال عما هو عليه، أن تنجح في تفكيك الحركة الوطنية الفلسطينية، ومعها محاولة تفكيك عناصر القضية الفلسطينية.

ومع ذلك فإن إسرائيل تدرك تماماً أنها ما لم تنجح في استثمار هذا التفكيك في استكمال حرب النكبة بتفكيك الوجود المادي للشعب الفلسطيني ليس فقط داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948، بل وفي كل فلسطين التاريخية برمتها، وهو ما تواصل العمل عليه منذ أوسلو وتواصل تنفيذه بصورة منهجية منذ انقلاب حماس في غزة، واعتقاد إسرائيل بأنها حسمت معركة القدس لتواصل سياسة التطهير العرقي فيها تدريجياً ونهب باقي الأرض والتي تشكل بمجموعها جوهر ما يسمى بصفقة القرن. فهذا هو عنوان ومغزى استحضار وعودة الكهانية الفاشية للبرلمان الإسرائيلي، بعد أن كان قد حَظر حركة كاخ عام 1994 باعتبارها حركة إرهابية، وهي التي تمثل اليوم عبر تحالف سليل الفكر الكاهاني بن غبير وسموتريتش وآخرين فيما يسمى بحزب "الصهيونية الدينية" كامتداد لعصارة الفكر الفاشي الإجرامي الذي أسس له كهانا عام 1971.

رغم قتامة المشهد الذي تظهره تلك اللوحة، إلا أنها و في نفس الوقت تشير إلى أن الحال وصل كما يبدو إلى نهاية القاع، وربما هي اللحظة التاريخية لقلب الطاولة، ليتمكن الشعب بفطرته الذكية ومخزون تجربته في الصمود المقاوم  لاستثمار محطة الانتخابات لاستعادة زمام المبادرة، وخاصة من قبل الأجيال الشابة لإحداث تغيير ملموس في بنية الحركة الوطنية وطابعها وأدواتها وبنية النظام السياسي، وبما يضع استراتيجية الوحدة والصمود المقاوم، ومعادلة الربط بين الحقوق المدنية والوطنية على رأس سلم أولويات الفعل والكفاح الوطني وأدواته الجديدة نحو انتزاع حقوق شعبنا وفي مقدمتها حقه في العودة والحق في تقرير المصير.