نجحت هيئة قناة السويس في تعويم سفينة الحاويات العملاقة (إيفرغرين ) الجانحة منذ أسبوع في مجرى قناة السويس باستخدام أربع عشرة قاطرة تعاونت من كل الاتجاهات وفق علم مدروس ساعده اشتداد قوة التيار ليلة الثلاثاء – الأربعاء فانفرجت أزمة اقتصادية عالمية قدر الاختصاصيون قيمتها بأربعمائة مليون دولار كل ساعة.
جنوح السفينة البنمية التي يبلغ طولها أربعمائة متر وحمولتها 20 ألف حاوية كبيرة وزنها 250 ألف طن والتي انغرزت مقدمتها في الرحال بنجو 17 مترا وشكلت أزمة عالمية، بدت ساعة جنوح السفينة وتصدرت الأنباء والتقارير الصحفية وساسة العالم الذين هبوا جميعا عارضين على مصر المساعدة والإمكانيات المتوفرة لدى دولهم لتعويم السفينة فهي تغلق أهم مجرى مائي للتجارة العالمية المهم في جنوح السفينة إيفرغرين أنه أعاد التذكير بأن مصر العربية تمتلك أهم مجرى مائي عالمي يصل بين آسيا وأوروبا وهي سلاح استراتيجي بيد مصر لا تضاهيه الأسلحة الاستراتيجية النووية أو الصواريخ البالستية، سلاح للسلم والتنمية لا يجب إغفاله في أي لحظة في تاريخ مصر الحالي والقادم، ذلك ما إن جنحت السفينة وأغلقت القناة حتى بدأ المحللون بإخراج مشاريع الطرق البديلة لقناة السويس ولعل أهمها مشروع شق قناة تربط البحر الأحمر بميناء أسدود على البحر الأبيض المتوسط عبر صحراء النقب تتحكم بها إسرائيل وتخضعها لاستراتيجيتها وهو هدف ومشروع في إدراج الحركة الصهيونية وإسرائيل منذ أكثر من مئة عام، وعلى المراقب أن يتصور ماذا يمكن أن يكون عليه الحال إذا ما تحملت إسرائيل في موارد الطاقة وطرق التجارة بين أوروبا وآسيا.
والأمر الآخر الذي يذكر به جنوح أيفرغرين أن مصر تمتلك من الخبرة والإرادة والثقة بالنفس ما مكنها من نجاح عملية تعويم السفينة العملاقة بقدراتها الذاتية وخبراتها ووضعت في اللحظات الأولى سيناريوهات للتعامل مع الحادثة التي تكاد تكون الأولى في حجمها، وكان السيناريو الأول: تكريك (شفط الرمال حول مقدم السفينة والمؤخرة) فتم تكريك نحو 30 ألف متر مكعب من الرمال المحيطة بالمقدمة والمؤخرة للمساعدة في تعويم السفينة وتحرير محركاتها التي انغرزت في الرمال وتلا عملية التكريك عملية شد السفينة بمشاركة 14 قاطرة عملاقة بكفاءة عالية وملحمة من الجهد والبطولة في عمل فريد قام به مهندسو القناة والكفاءات العلمية المصرية، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن طول السفينة الجانحة يبلغ 400 م في حين يبلغ عرض المنطقة التي يجري تعويم السفينة فيها 215 م وكان السيناريو الثالث الذي أعد في حال عدم نجاح عملية التكريك والشد يتمثل في تفريغ حمولة السفينة أو تخفيف هذه الحمولة من الحاويات وما قد يستغرق هذا الأمر من وقت.
العالم انتظر الجهود المصرية بقلق بالغ انعكس على الأسواق العالمية وخاصة أسعار النفط والبضائع إذ أن 381 سفينة تقف على جانبي القناة تنتظر الإذن لها بالعبور ووفق تقديرات الخبراء فإن هذا العدد الكبير من السفن سيتمكن من عبور القناة خلال أربعة أيام.
استدعت حادثة جنوح السفينة البنمية في القناة البحث في أسباب جنوح السفينة، وطرحت ثلاثة أسباب أولا خلل فني وثانيا خطأ بشري وثالثا العوامل الجوية التي رافقت عبور السفينة، ولم تقطع الهيئة المشرفة على التحقيق بأي من الأسباب حتى الآن بانتظار الوقوف على نتائج التحقيق وإن أثير في بعض الأوساط أن يكون الحادث متعمدا لإثارة الرأي العام العالمي ضد مصر وإدارتها لقناة السويس ولا ننسى أن القناة والسيطرة عليها كانت أحد الأسباب التي دفعت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في شن عدوانها على القناة عام 1756 بعد تأميم القناة واضطرت إلى الانسحاب إثر الضغوط الدولية والمقاومة الباسلة لشعب مصر وقواتها المسلحة كما لا يمكن لسياق إغلاق قناة السويس إثر حرب حزيران 1967 وبقائها مغلقة حتى توقيع اتفاقيات كامب ديفيد وانسحاب إسرائيل من سيناء إثر حرب 1973 وما عاناه الاقتصاد العالمي نتيجة دوران السفن التجارية وناقلات النفط حول رأس الرجاء الصالح الطريق القديم للملاحة الدولية قبل حفر قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل وقف العالم على قدم واحدة ينتظر خبر تعويم السفينة (إيفرغرين ) وعلى العالم أن يرفع القبعة تحية لخبراء ومهندسي وعلماء مصر وإدارة هيئة قناة السويس التي تعاملت بكل كفاءة مع الحادثة الكارثة على الاقتصاد العالمي ، وعلى مصر أن تدرك أهمية الجوهرة التي تملكها وهي قناة السويس وتصونها وتبالغ في صيانتها وتوسيعها بحيث لا تتكرر مثل هذه الحادثة.
وعلينا وعلى كل مصري أن يذكر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي أمم قناة السويس وأعادها إلى سيادة مصر وعلى مصر اليوم أن تنتبه إلى المخططات الشريرة التي تستهدف القناة وإيجاد بدائل لها فأمن مصر من أمن القناة وأمن القناة من أمن البحر الأحمر وأمن البحر الأحمر من أمن مضيق باب المندب امتدادا إلى بحر العرب وبحر عمان والخليج العربي ومضيق هرمز ولا يجب أن تترك لإسرائيل ثغرة تنفذ منها في هذه المنطقة تضر بقناة السويس أو بالأمن القومي العربي والممرات المائية العربية شريان التجارة العالمية وطريق ناقلات النفط والرابط بين آسيا وأوروبا وشرق وشمال أفريقيا فحلم إسرائيل بقناة منافسة لقناة السويس لم يتوقف وهو بانتظار فرصة مواتية ليخرج إلى النور.
إن معركة السيطرة والنفوذ بين القوى العظمى وتحديدا بين الولايات المتحدة وشركائها والصين وحلفائها تدور اليوم في البحار والممرات المائية وما جرى من تطبيع بين إسرائيل وأربع دول عربية بحرية يقع في هذا السياق وخط سكة الحديد الرابط بين ميناء حيفا ودبي المتوقع غير بعيد عن كل ذلك فمتى نستيقظ وندرك ما يخطط حولنا وليس لصالحنا.