الحدث - سوار عبد ربه
في حي البستان في مدينة القدس المحتلة، نضال فلسطيني يومي للدفاع عن حق الوجود والبقاء في هذه المنطقة المهددة بالهدم بين ليلة وضحاها، نضال استمر لأكثر من عشرة أعوام، بهدف مواجهة الهجمة الاستيطانية الشرسة على الحي، وعلى الوجود الفلسطيني في القدس، الذي تسعى مخططات الاحتلال وسلطاته إلى دحضه والتقليل منه، تماشيا مع أهدافه التهويدية الواضحة.
وفي الوقت الذي يرفع فيه أهالي الحي صوتهم، عسى أن يلقى صدى واستجابة دولية، ويقيمون خيام الاعتصام، ويؤدون صلوات جماعية في الحي، ويمشون في الإجراءات المطلوبة منهم إلزاميا للحفاظ على وجودهم، باتفاق مع بلدية الاحتلال، تعمل الأخيرة على التنصل والهروب من الاتفاقات التي تحفظ للمقدسيين حق بقائهم في أرضهم، وتزيد توغلا واستيطانا وتضييقا في القدس.
منذ أعوام قالت جمعية "عير عاميم" في تقرير لها إن بلدية الاحتلال تعمل على إعداد خطة لهدم حي البستان الذي يعد جزءا من حي سلوان في القدس المحتلة وتحويله إلى حديقة أثرية، وأكدت الجمعية أن الحي سيخصص للبناء اليهودي فقط.
وقالت الجمعية: "إن سلطات الاحتلال قامت بنقل ملكية 14 عقارا في سلوان تبلغ مساحتها الإجمالية 28 دونما إلى جهات يهودية دون الحصول على موافقة المستشار القانوني للحكومة".
حول هذا يوضح عضو لجنة الدفاع عن أراضي سلوان فخري أبو ذياب: "الجمعية والبلدية أعطت أوامر بهدم كل البستان وتحويله إلى حديقة توراتية ضمن الحدائق في محيط البلدة القديمة لمحصارتها والمسجد الأقصى بهذا السوار من الحدائق، مدعيين أنه هذا الموقع يمثل إرثا تاريخيا وحضاريا للشعب اليهودي ولذلك هناك 100 منزل مبنية على هذه المنطقة بعضها قبل عام 1948 وبعدها بعد عام 1967".
ويعتبر حي البستان من الأحياء الملاصقة للمسجد الأقصى والبلدة القديمة من الناحية الجنوبية، ويعيش فيه 1150 نسمة، كما يعد قلب سلوان ويمتد على حوالي 70 دونما.
يقول أبو ذياب في لقاء مع صحيفة الحدث إنه بعد إعطاء هذه الأوامر للمنازل بدأ التحرك الجماهيري، والسير نحو مسار قضائي وضغط من المجتمع الدولي والإعلام، حتى توصل الأمر إلى تجميد الهدم لفترة ما على أساس أن يقوم السكان بعمل ترخيص 5% من المنازل وعمل خرائط هيكلية بديلة يراعى فيها أن يكون جزء من البستان حدائق".
ويؤكد عضو لجنة الدفاع عن أراضي سلوان: "هذا العمل استغرق وقتا وجهدا كبيرين، وتم عمل أكثر من مخطط هيكلي وخرائط للموقع.
ورفضت بلدية الاحتلال بعضها في البداية فيما عملت على تصليح وتحسين البعض الآخر، على المهندسين والبلدية، التابعين للمؤسسة الإسرائيلية وهذه الإجراءات كلفت نصف مليون دولار ومن حوالي عام 2011 حتى العام الحالي، بحسب أبو ذياب.
وأشار أبو ذياب إلى أن البلدية اشترطت شروطا كبيرة، لكن أهل حي البستان نتيجة دعم مهني من المحامين والمهندسين استطاعوا أو يلبوها جميعا.
وفي بداية العام الحالي تنصلت البلدية من كل الاتفاقيات والضغوطات الدولية والجماهيرية لظروف معلومة، وأيضا نتيجة تراخي الدعم العربي للقدس والقضية الفلسطينية بشكل عام، وفقا لعضو لجنة الدفاع عن أراضي سلوان.
وحينها أوقفت المحاكم تجميد أوامر الهدم، حيث قال أبو ذياب وهو أحد سكان الحي: "إنهم أصبحوا دون غطاء قانوني أي تستطيع الجرافات هدم الحي، بمعدل منزل أو اثنين أو جميع المنازل دفعة واحدة حسب الإمكانيات اللوجستية للبلدية والاحتلال".
وبدأت قضية حي البستان تظهر للعلن عام 2005 حيث ظهرت مخططات لهدم الحي بأكمله إلا أنها لم تنفذ، وفي حينها ورغم الاتفاق، هدم الاحتلال منزلين أولهما منزل عائلة أبو اسنينة.
وصدر أول قرار وأمر هدم للحي بعد أن وقع عليه مدير مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي آنذاك شارون عام 2005.
وبات الحي اليوم الذي تشكل نسبة الأطفال فيه 63% اليوم، معرضا لنكبة جديدة وطرد وتهجير، رغم مخالفة هذه الإجراءات للقانون الدولي، لكن الاحتلال يصر على فرض وقائع جديدة على القدس وإحلال المستوطنين.
ويوضح أبو ذياب أن الاحتلال يعمل على ترسيخ وجوده وتصفية الوجود الفلسطيني في القدس، ولذلك يجري هجمة على حي الشيخ جراح وعلى بطن الهوى وحي البستان والكثير من الأحياء المقدسية، لأن الاحتلال يريد تغيير الخارطة في المدينة المقدسة، كي تلبي طموحات وحلم الإسرائيليين في هذه الأحياء المحيطة بالبلدة القديمة وخاصة ما يسمى في "الحوض المقدس" الذي يمتد من الشيخ جراح حتى نهاية سلوان وبداية جبل المكبر.
في هذا الجانب يشير أبو ذياب إلى أن حي البستان صمد في وجه الهدم، حيث أقام الأهالي خيمة اعتصام بالإضافة إلى الضغوط الجماهيرية والدولية التي أدت إلى تجميد قرار الهدم.
لكن إذا هدم البستان ستهدم الكثير من الأحياء وسيصبح هؤلاء الناس مشردين ولاجئين في مدينتهم ما يؤدي إلى عواقب اجتماعية وأضرار نفسية على العائلات وفقا لابن الحي أبو ذياب.
وهدم المنازل سيؤدي إلى هدم العائلات ومستقبلها وحياتها، ولذلك ستكون له أضرار فادحة على المجتمع المقدسي، وتحديدا على أهالي حي البستان الذين سيصبحون بلا مأوى وفي العراء وسيؤدي هذا الأمر إلى ردات فعل ربما تكون غير طبيعية نتيجة الاضطهاد والظلم الذي يراه المقدسي في أرضه.
يشير أبو ذياب إلى أن الإجراءات التي قام بها أهالي الحي كانت بهدف بقائهم في منازلهم، وإبعاد شبح الهدم عنهم. مؤكدا أن العائلات تعيش حالة خوف وتوتر شديدين من الهدم، لكنها لا تفكر بالخروج أبدا، حتى لو هدمت المنازل".
وكانت بلدية الاحتلال قد عرضت في وقت سابق على العائلات أن يعطوا أراض بديلة في منطقة بيت حنينا وأن يتم السماح لهم بالبناء في تلك المنطقة، لكن العائلات لم تقبل بذلك، لأنها بالأساس ترفض مبدأ الترحيل والتهجير، فهذه أرضنا وحقنا وما يقوله الاحتلال مخالف للقانون الدولي.
وضمن مساعي الاحتلال المستمرة في تهويد القدس وإحلال المستوطنين، تتعمد سلطاته بألا تعطي التراخيص للمقدسيين، رغم أنها تسمح للمستوطنين بالبناء حتى دون تراخيص.
وفيما يتعلق بموضوع التضامن مع قضية حي البستان وأهله، يرى أبو ذياب أنه عندما أثير موضوع الحي وجدنا تضامنا محليا دوليا، وأقمنا صلاة الجمعة في الحي ورغم وجود جائحة كورونا التي تعيق الحركة، ورغم اشتداد الهجمة على كل أحياء القدس لتشتيت التضامن وصرف الناس عن موقع معين.
وتلقى أهالي الحي دعما ورسائل وكتابات وتضامنا وزيارات من أهالي القدس، بالإضافة إلى التضامن الدولي والوفود من الأمم المتحدة والقناصل والسفراء.
ويؤكد أبو ذياب أن أهل البستان يعتمدون على أنفسهم بالدرجة الأولى، فهم مجتمعون على رأي واحد، وإن لم يستطيعوا إلغاء قرارات الاحتلال القاضية بالهدم سيحاولون على الأقل تقليل أضرارها.
ويتبع الاحتلال في حي البستان سياسة الهدم الجماعي، إلى جانب الهدم الفردي الموجود بشكل شبه يومي في أحياء القدس والذي وصل بعضها إلى الهدم الذاتي.
ويخشى سكان الحي من خطوة صهيونية غير مسبوقة حسب وصفهم، بالإقدام على الهدم الجماعي، وهي سابقة خطيرة في تاريخ القدس، والقيام بترحيل أحياء بأكملها بهدف تفريغ المدينة من سكانها الأصليين.
وفي هذا الشأن يقول مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري إن الهدم الجماعي والتهديد فيه ليس سياسية جديدة ينتهجها الاحتلال، فقبل حوالي عامين تم هدم حوالي 87 بيتا في منطقة صور باهر في يوم واحد، وفي قلنديا أيضا هُدم حوالي 30 بيتا دفعة واحدة.
ويؤكد حموري أن سياسة الهدم بشكل عام موجودة في كل أحياء القدس، حيث يوجد حوالي 24 ألف أمر هدم، بقرارات من المحاكم الإسرائيلية، والتي يتخوف المقدسيون من تنفيذها.
ويرى حموري أن الاحتلال يستخدم سياسات الهدم والإخلاء وغيرها، من أجل حسم الموضوع الديموغرافي في القدس، وتبعات هذه السياسات ستكون التشريد، إذا أن الاحتلال يسعى لفرض وجود أقلية فلسطينية في القدس، ولذلك يدعون أننا كفلسطينيين نبني دون تراخيص وبشكل غير قانوني.
لكن بحسب حموري ليس من المنطق أن يجتمع 20 ألف (مجرم) بمفهومهم، وأن يتفقوا على البناء بشكل مخالف للقانون إلا لأنهم مضطرين لذلك بهدف البقاء في أرضهم، ومن الأساس قرارت الاحتلال مخالفة للقوانين الدولية وهي قرارات تعسفية.
ويعتقد حموري أنه لم يتبق من عملية التهويد التهويد إلا القليل، تحت مسميات مختلفة مثل تغيير المعالم وإنشاء الحدائق التلمودية وغيرها وهي قضايا ستصبغ شيئا لا يمت لتاريخنا وتراثنا وعاداتنا في القدس.
ويصف حموري حال المقدسيين كأنهم في جزر فلسطينية محاطة بالاستيطان، والمؤسسات الإسرائيلية، حتى أنه بات من الصعب أن تتصل المناطق الفلسطينية مع بعضها البعض، بسبب قواطع المؤسسات الإسرائيلية، التي تمنع التواصل.
ويشير حموري إلى أن المستقبل في القدس معتم ويحتاج إلى تدخل دولي حقيقي، مؤكدا أنه لا يعول عليه كثيرا، والتعويل يكون على الناس وعلى المقدسيين أنفسهم فهم يدافعون بأسنانهم عن وجودهم.