الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التَهَافُتُ عَلَى مَقَاعِد التَشْرِيعِيّ.. هَلْ لِخِدْمَةِ المُواطِن أَم مَشْرُوع اسْتِثْمَارِيّ!/ بقلم: مؤيد عفانة

2021-04-01 10:45:25 AM
التَهَافُتُ عَلَى مَقَاعِد التَشْرِيعِيّ.. هَلْ لِخِدْمَةِ المُواطِن أَم مَشْرُوع اسْتِثْمَارِيّ!/ بقلم: مؤيد عفانة
مؤيد عفانة

 

 مع أفول اليوم الأخير من شهر أذار/مارس 2021، وانسدال ستائر فترة الترشح للانتخابات التشريعية، أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية أن (36) قائمة انتخابية قد قدمت أوراق اعتمادها للانتخابات، وتبعا لقانون الانتخابات رقم 1 لعام 2007، فإن الحد الأدنى لتلك القوائم (16) مرشحا، في حين أن الحد الأعلى هو (132) مرشحا، وتبعا لما رشح من معلومات فإن معظم تلك القوائم كان عدد مرشحيها يفوق ال (60) مرشحا، وقسم منها بلغ (132) مرشحا، وبمعادلة رياضية بسيطة، فإن عدد المرشحين سيفوق الـ (2000) مرشح على أقل تقدير، وعلى الرغم من كون التعددية مظهرا حضاريا في المشهد الانتخابي، ومؤشرا للديمقراطية، ولكن يطفو السؤال الهام في خضم "ثورة القوائم الانتخابية": هل هذا "التهافت" للترشح للانتخابات التشريعية هو حقا لخدمة الوطن والمواطن؟ أم هو فرصة لمشروع استثماري مضمون للبعض؟

وللإجابة العلمية على هذا السؤال، والمبنية على أرقام وبيانات موثقة، لا بد من قراءة سريعة لقانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم (11) لسنة 2004م، وتحديدا المادة رقم (3)، والتي تنص على أنّ عضو المجلس التشريعي يتقاضى مكافأة شهرية قدرها (3000) ثلاثة آلاف دولار أمريكي أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونا، أما المادة رقم (4) فقد ضمنت لعضو المجلس التشريعي وورثته راتبا مدى الحياة بحد أقصى لا يتجاوز (80%) من المبلغ الإجمالي المحدد للمكافأة الشهرية مربوطا بجدول غلاء المعيشة، كما أن المادة (14) نصت على منح عضو المجلس التشريعي الذي يمارس المهمة لأول مرة: مبلغ بدل تحسين أوضاع بقيمة (15,000) دولار أمريكي أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونا، أما قانون واجبات وحقوق أعضاء المجلس التشريعي رقم (10) لسنة 2004م، فقد نص في مادته رقم (16) على: يستحق العضو: مكافأة شهرية وبدل مهمات عن جلسات المجلس ولجانه تحدد بقرار من المجلس، إعفاء جمركي لسيارة واحدة عن عضويته في كل مجلس تشريعي منتخب جديد، ويتولى المجلس تأمينها وترخيصها وصيانتها طيلة مدة العضوية، وجواز سفر دبلوماسي دائم له ولزوجه.

كل ما سبق لا يشمل النفقات التشغيلية التي تُمنح لعضو التشريعي لافتتاح مكتب له، والنثريات الأخرى وبدلات السفر وغيرها، أو الفوائد والعوائد غير المباشرة تبعا لمركزه الوظيفي، ومن الجدير ذكره أن راتب "مكافأة" عضو المجلس التشريعي، لا يعتبر ضمن نفقات الرواتب والأجور، بمصطلحات الموازنة العامة، بل ضمن النفقات التحويلية، الأمر الذي يعني أنه لا توجد اشتراكات لأعضاء المجلس التشريعي تخصم لصالح صندوق التقاعد والمعاشات، كباقي موظفي الدولة، وبالتالي فإن الراتب التقاعدي لعضو المجلس التشريعي الذي يستمر مدى الحياة، وبعد مماته أيضا لورثته، يتم تغطيته من خلال الخزينة العامة، مما يشكل استنزافا دائما وتراكميا للخزينة العامة، ويثقل كاهل الموازنة العامة، المثُقلة أصلا بالعجز المالي والديّن، بعبء إضافي، سيُغطى من إيرادات الضرائب والرسوم المُجباة من المواطنين، وبالتالي يصبح المواطن – الذي وُجِدَ عضو التشريعي من أجله – هو من يتحمل عبء الراتب التقاعدي لعضو التشريعي حتى بعد انتهاء ولايته، وربما بعد مماته لورثته.

ومن خلال معادلة بسيطة جدا، وعلى فرض أن ولاية المجلس التشريعي ستمتد لفترتها الطبيعية، علما أن فترة المجلس التشريعي الأول امتدت 10 سنوات، والثاني 15 سنة، ومع اعتبار سنوات ما بعد التشريعي، وباحتساب "المكافأة" الراتب المباشر والتقاعدي، فإن "مشروع عضو مجلس تشريعي" يمكن أن تصل إيراداته إلى مليون دولار، كلها تدفع من الخزينة العامة للدولة.

وهنا يمكن أن يطفو تساؤل منطقي، وهو أن عضو المجلس التشريعي سيتفرغ للعمل العام، وخدمة الوطن والمواطن، ويستحق مكافأة، ولا ضير في ذلك، ولكن لتكن مكافأته كراتب المعلم، أو راتب الطبيب في القطاع العام فكلهم لخدمة الوطن والمواطن، ولا نستطيع الانتقاص من قدر وأهمية كل منهم، وتوجد ضرورة أن يساهم عضو التشريعي في اشتراكات صندوق التقاعد والمعاشات أسوة بباقي موظفي الدولة، فلا يعقل أن يتحمل دافع الضرائب- ومن ضمنه الفئات المهمشة والفقيرة، والعامل أو العاملة الذي يتقاضى راتب (1450) شيقل فقط شهريا- مكافأة كل عضو تشريعي مدى الحياة، وحتى بعد مماته في حال وجود الورثة المستحقين.

ومن هنا توجد ضرورة لأن تكون أولى جلسات المجلس التشريعي العتيد، وفي ظل كل الشعارات الجميلة لخدمة الوطن والمواطن، لتعديل قانون رقم (10) وقانون رقم (11) لعام 2004، وتصويب موضوع رواتب ومكافآت أعضاء التشريعي، الأمر الذي سيعزز من ثقة المواطن، ويثبت مستوى عمق انتماء عضو المجلس التشريعي والتحامه مع شعبه وجمهوره الذي انتخبه، ويخفف من عجز الموازنة العامة، ويوفرّ موارد الدولة للتعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، ويساهم في إنفاذ العدالة الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني.