الحدث- القاهرة
ما بين متفائل بالنتائج النهائية للانتخابات الإسرائيلية على مسار المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وآخر يراها مقدمة لسنوات عجاف لا يعول كثيراً عليها، اختلف خبراء سياسيين عرب، في قراءة تلك النتائج وتداعياتها على قضية السلام في الشرق الأوسط.
إذ ربط بعض الخبراء استمرار "الليكود" اليميني برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بصعوبة الوصول إلى حل الدولتين، فيما رأى آخرون أن بقاء نتنياهو قد يكون الأصلح لملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
وفي وقت سابق اليوم، أظهرت النتائج شبه النهائية للانتخابات الإسرائيلية فوز "الليكود" بـ30 مقعدا من أصل 120 في الكنيست، محققا أكثرية الأصوات التي تؤهله لتشكيل الحكومة المقبلة.
وقبل إعلان النتائج النهائية، تسابق رؤساء ووزراء خارجية ومنظمات إقليمية ودولية، في التهنئة ودعوة نتنياهو إلى دفع عملية السلام مع الفلسطينيين للأمام، وهو الأمل الذى بدده عريب الرنتاوي مدير مركز القدس للدراسات السياسية الذي قال لوكالة الأناضول إن "النتائج لم تكن مفاجئة على الإطلاق بخلاف ما يذهب إليه بعض المحللين، فهي نتائج تنسجم مع الرأي العام الإسرائيلي خلال السنوات العشرين الفائتة".
وفسّر الرنتاوي الأمر بقوله: "في كل انتخابات هناك مزيد من النزوح نحو اليمين القومي والديني في إسرائيل، والمجتمع الإسرائيلي يشهد موجة تطرف قومي وديني منذ عشرين سنة على الأقل، تتفاقم وتزداد".
وحول ما ستشهده السياسة الخارجية الإسرائيلية خلال السنوات الأربع المقبلة، قال الرنتاوي: "إذا أردت أن تعرف ما الذي ستشهده السنوات الأربع القادمة عليك أن تقرأ آخر خطاب لنتنياهو أدلى به في الحملة الانتخابية، والذي في مضمونه عزز مواقعه على حساب التيارات اليمينية الأخرى وليس على حساب اليسار".
ومضى قائلا: "خطاب نتنياهو تتضمن البرنامج الحقيقي لليمين الإسرائيلي، وهو أولا: لا للدولة الفلسطينية، وهو الأمر الذي أكده نتنياهو عندما قال: لن تقوم دولة فلسطينية ما دمت رئيسا للوزراء، وثانيا: لا عودة للاجئين الفلسطينيين على الإطلاق، وثالثا: القدس العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل، ورابعا: إطلاق غول الاستيطان لابتلاع ما تبقى من الأراضي الفلسطينية بالذات في مدينة القدس".
وأوضح الرنتاوي: "تهويد المدينة (القدس) هي السياسة الرسمية والثابتة التي سوف تأخذ اندفاعة كبيرة بالمنطقة في المرحلة القادمة، ونتنياهو سوف يتصرف في المرحلة القادمة كملك لإسرائيل لأنه أول رئيس وزراء يحكم لهذه المدة الطويلة، فهو الآن يشكل حكومته الرابعة منها ثلاث متتاليات وهو شيء لم يحصل حتى لبن غوريون (رئيس وزراء إسرائيل في الفترة من 1948 وحتى 1963 باستثناء الفترة من 1953 حتى 1955)".
وتوقع الخبير السياسي أن "يمضي نتنياهو في تنفيذ سياساته العدوانية التوسعية والعنصرية والاستيطانية، والمعركة ستكون على ثلاثة محاور رئيسية أولها: مزيد من التضييق والحصار على قطاع غزة بشكل خاص، وثانيها: مزيد من التوسع الاستيطاني والمضايقات على الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، وثالثها: مزيد من السياسات العنصرية ضد فلسطينيي 48 (عرب إسرائيل)، وستكون أربع سنوات عجاف من المواجهة الحادة بين الشعب الفلسطيني في هذه الأماكن وبين سلطات الاحتلال".
في الاتجاه نفسه، توقع عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات، أن "السنوات الأربعة المقبلة لن تشهد تغييرا في السياسة الإسرائيلية على كافة المستويات، وإنما ستكون نحو مزيد من العنصرية والفاشية والهيمنة لليمين، عكس الوضع في حال ما إذا فاز التحالف الصهيوني الذي بدى أكثر انفتاحا للمفاوضات مع فلسطين، حتى وإن كان يرى أن الحل نصف دولة فلسطينية".
وأضاف عبد الله، الذي استند إلى تصريحات نتنياهو طيلة الحملة الانتخابية، "ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وملف السلام في الشرق الأوسط لن يشهد أي تغيير إيجابي، بل نقول بكل ثقة أن استمرار نتنياهو سيكون أكثر وبالا على تلك الملفات".
ورغم هذه النظرة التي يعتبرها البعض تشاؤمية، فيما يعتبرها البعض الآخر واقعية، أوضح الخبير السياسي: "هناك شيء إيجابي في تلك الانتخابات يجب أن ننتبه له، وهي أن الكتلة العربية أصبحت أكثر حضوراً، بحصولها على 13 مقعدا، وهذا ربما سيؤثر قليلا على التحالفات، وقد يكون له تداعيات إيجابية مستقبلاً، في ظل تصدع العلاقة بين (الرئيس الأمريكي باراك) أوباما ونتنياهو".
وكانت العلاقات بين الإدارة الأمريكية وحكومة بنيامين نتنياهو شهدت توتراً في الفترة القليلة الماضية، على خلفية خطاب الأخير أمام الكونغرس بغرفتيه النواب والشيوخ حول خطر المفاوضات النووية مع إيران على مستقبل إسرائيل وذلك عقب إعلان الرئيس الأمريكي في خطاب حالة الاتحاد أمام الكونغرس أنه لن يسمح بتمرير قانون لفرض عقوبات إضافية على إيران طالما استمرت المفاوضات.
بدوره، رأى الخبير في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، حمادة فراعنة، للأناضول إن "التصادم بين الإدارتين الإسرائيلية والأمريكية، يقف خلف حصول الليكود على 30 مقعدا، حيث أدى خطاب نتنياهو في ذلك التوقيت أمام مجلس النواب الأمريكي إلى انحيازات إسرائيلية لبرنامج نتنياهو المتصادم مع السياسة الأمريكية، اعتمادا على نجاح نتنياهو في تسويق المخاوف الأمنية من الاتفاق الأمريكي الإيراني المتوقع".
فراعنة رأى أن هناك سببين أخرين، وهما "عدم الاستقرار السياسي والأمني السائد لدى بعض البلدان العربية المحيطة، وغياب برنامج إسرائيلي بديل ومقنع لبرنامج المعارضة الصهيونية (برنامج حزب العمل)".
ومتبنياً نظرة إيجابية من نتائج الانتخابات الإسرائيلية، قال أنور ماجد عشقي، رئيس مركز "الشرق الأوسط" للدراسات الاستراتيجية والقانونية (مستقل) ومقره الرياض، إن "هذه الانتخابات ليست كما يراها البعض، فالجانب الإيجابي أكبر، حتى وإن كان يستند الجميع على تصريحات نتنياهو، التي تحمل نظرة إيجابية تتلخص في وضوح سياساته تجاه المصالحة مع فلسطين حتى وإن كانت صارمة".
وأوضح عشقي: "نتنياهو رجل شديد وصارم ودائما المتشدد يكون أفضل، لأنه صريح وواضح وعندما يتخذ قرارات تكون صارمة، مثلما فعل (رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل أرئيل) شارون عندما قرر الانسحاب من عزة، وبالتالي إذا كان هناك ضغط شعبي ووجد نتنياهو أن السلام في صالح إسرائيل سيرضخ له، لاسيما أن مصلحته كسر عزلة إسرائيل وكسر حاجز الخوف.
وذهب عشقي إلى أن فوز حزب الليكود سيكون له تداعياته على المفاوضات الأمريكية الإيرانية، قائلاً: "هذه أيضاً ضمن التداعيات الإيجابية فوجود نتنياهو بشخصيته الصلبة في مواجهة التراخي الأمريكي أمام إيران سيكون سبباً في توازن المواقف، كما أن وجوده قد يدعم الجمهوريين في الوصول إلى قيادة الولايات المتحدة وبالتالي إلزام إيران بالتراجع في زعزعة الاستقرار في الشرق".
وبينما هناك فريق متفائل وأخر متشاءم، فضل الخبير السياسي طارق فهمى، رئيس الوحدة الإسرائيلية الاستراتيجية بالمركز القومى لدراسات الشرق الأوسط واستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن يقول أننا "أمام مرحلة جيدة في الصراع العربي الإسرائيلي"، معتبراً "استمرار اليمين المتطرف ليس بالضرورة استمرار لإدارة الصراع بذات الصورة السابقة، ولكن قد تضاف بعض العوامل الجديدة".
من بين أهم هذه العوامل، التي قد تغيير من طبيعة الصراع الإسرائيلي العربي، بحسب فهمي، هي "الضغوط التي يتوقع أن تقوم بها الولايات المتحدة على نتنياهو قبل تشكيل الحكومة الإسرائيلية، للدخول في المفاوضات، دون تفاهم واضح حول المستوطنات أو الحدود أو القدس، وهو ما لن تعارضه إسرائيل أو فلسطين".
ووفق فهمي، هناك عامل جديد يدخل في حسابات الصراع العربي الإسرائيلي، وهو محور إيران، الذي "يدفع إسرائيل لمزيد من التخطيط على الأرجح للتعامل بحسم في مسألة الملف الإيراني النووي، من خلال استغلال سياسة البطة العرجاء التي تجتاح الولايات المتحدة في اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الملف الإيراني النووي، وشن هجمات على المنشآت النووية الإيرانية، مثلما حدث عام 1981".
وفي سبتمبر/آب 1981، قامت إسرائيل بتدمير المفاعل النووي العراقي دون إذن مسبق من الولايات المتحدة، وقال مناحيم بيغن، رئيس وزراء إسرائيل/ وقتها، إنه "ليس هناك أي سبب يدعو إسرائيل للاعتذار .. لقد قررنا أن نتصرف الآن دونما تأخير للدفاع عن شعب إسرائيل بكل الوسائل المتاحة".
وبحسب نسب الأصوات التي أعلنت عنها لجنة الانتخابات الإسرائيلية، فقد حصل الليكود" اليميني على 23.4% من الأصوات ما يعني حصوله على 30 مقعدا، بينما نالت قائمة "المعسكر الصهيوني" الوسطي على 18.6%، وهو ما يعني حصولها على 24 مقعدا، أما "القائمة العربية المشتركة" فقد نالت 10.54% أي 13 مقعدا.
المصدر: الأناضول