الحدث- ضحى حميدان
أقرت الحكومة الفلسطينية يوم الإثنين الماضي، موازنة عام 2021، بعجز يقدر بنحو 1.7 مليار دولار قبل المساعدات الخارجية، واللافت أن هذه أول موازنة عادية للسلطة الفلسطينية منذ 2018، حيث عملت في عامي 2019 و2020 بموجب موازنة طوارئ، إثر حجز إسرائيل عائدات المقاصة الفلسطينية مرتين خلال العامين، وتداعيات جائحة كورونا في 2020.
وشهدت فلسطين أوضاعاً اقتصادية متردية بسبب جائحة كورونا التي بدأت في الثلث الأول من العام الماضي وفي هذا السياق أكد الخبير الاقتصادي هيثم دراغمة أن بناء اقتصادٍ متين بحاجة إلى إرادة سياسية بدعم من العالم أجمع، لإعطاء الفلسطيني القدرة على تحسين أوضاعه تحسباً لأي طارئ، فقد كشَّفت الجائحة الفلسطيني وعرّته بشكل كامل، ومن يدري ربما تأتي هزاتٌ أخرى تعصف بالعالم الذي نحنُ جزءٌ منه، ما يستوجب الجهوزية لأي طارئ قادم، لكن الاحتلال ومنذ اتفاقية أوسلو يسعى لجعل هذا الاقتصاد مُتهالكاً قدر المستطاع، حتى يتسنى له ابتزاز الحكومة سياسياً.
فيما قال المختص بالشأن القانوني ماجد العاروري:" لأجل تجاوز العجز في الموازنة من الممكن الحصول على إيرادات مالية، إذا ما تم تطبيق القوانين الأخرى الجابية على أساس قاعدة العدالة والتوسع الأفقي، ويمكن أيضاً إصدار تشريعات وقوانين أخرى بإمكانها أن تزيد حجم الضرائب على الفئات ذات الدخول العالية، والشركات الكبيرة، والواقع أن جُزءً كبيراً من هذه الأزمة هو بسبب أن الحكومة تُعطي إعفاءات للشركات الكبيرة جداً، والتي يُعتبر ربحها كبيراً نسبياً، وهذا جزء من سياسة السلطة المعروفة بتقديم تسهيلات وإعفاءات ضريبية لهؤلاء، وخصوصاً في مرحلة الطوارئ والظروف الصحية، لذلك فجزء من الحل أن الحكومة بإمكانها فرض قدر أكبر من الضرائب على هذه الفئات، كي تساهم بجزء من الحل، وباعتقادي، نحن بحاجة لإجراءات أكثر عدالة في هذا الموضوع، لأن السياسات العامة للحكومة تحمي القطاع الخاص وتحميه وتلقي بأعبائها بصورة عامة أكثر على الطبقة المتوسطة والأقل دخلاً".
في السياق ذاته أكد الخبير الاقتصادي مسيف المسيف أن هذا العجز ازداد ووصل لهذه النسبة بسبب أزمة الكورونا التي أدت لتراجع اقتصادي، والعجز في الموازنة ينجم عادة عن تضخم في النفقات، وفي الحالة الفلسطينية النفقات تضخمت أكثر من اللازم خاصة في المجال الصحي، وأيضاً التاريخ يروي أن تشكيل النفقات التجارية في الموازنة العامة هو أكثر من المفترض، لذلك فإن التخفيف من العجز يعني لزوم مجموعة من الإجراءات.
وأضاف مسيف:" مثلاً لو طرقنا باب محاربة التهريب بأنواعه، وشددنا الالتزام الضريبي، سيكون ذلك بمثابة تخفيفٍ من هذا العجز وخلال هذه الفترة وحتى القيام بهذه الإجراءات، إن لم يكن هنالك مساعدات أجنبية فلن تُحل مشكلة العجز، وقد جرت العادة أن تغطي المساعدات ما نسبته ٤٠٪ إلى ٥٠٪ من الموازنة، ولكن ما يدور الحديث عنه هو تراجع الدعم إلى ما نسبته ٣٪-٦٪، وهذا يعني أن العجز سيبقى قائماً، والحل الذي سيخفف من هذا العجز في هذه الحالة التشدد في جمع الإيرادات المحلية، فمثلاً إيرادات التبغ والسجائر وحدها تشكل ثلث الإيرادات العامة من الموازنة الفلسطينية".
ويعرّف الخبراء التهريب الجمركي بأن إدخال البضائع من دون وثائق رسمية، بينما في حالة التهرب الضريبي تتوفر وثائق ولكن بقيم غير حقيقية أو تكون وثائق مزيفة، أو عندما يتم إدخال البضائع عن طريق تاجر غير مسجل، ولكن بشكل عام فإن الدوافع وراء التهرب أو التهريب هي نفسها.
ولفت مسيف أن العجز في الموازنة يقسم لقسمين، عجزٌ مقبول وآخر أكثر من اللازم كالذي في حالتنا الفلسطينية، موضحاً أن هذا يحتاج لجهود كبيرة وبالاعتماد على نجاعة الإدارة الضريبية في الحصول على الإيرادات ومحاربة التهريب، وأكد مسيف أن هذه الجهود لو تم تكثيفها بالشكل المعقول، بحيث تمارس الإدارة الضريبية دورها بنجاعة وسيطرة، إلى حد أن تمنع التهريب بالكامل، في هذه الحالة سنستطيع حل مشكلة العجز، ولكن مشكلة التهريب مشكلة كبيرة ومحاربتها بالشكل الصارم من الممكن أن تغطي من ٥٠ - ٦٠٪ من العجز إن تمت محاربته بشكل جيد.
ورغم إصدار الرئيس قرارا بقانون رقم (23) لسنة 2018 بشأن تعديل قانون الجمارك لسنة 1929 وتعديلاته وقانون الجمارك والمكوس (1) لسنة 1962 وتعديلاته، أوصى باحثون اقتصاديون ونقابيون بعد أشهر من هذه التعديلات خلال جلسة نظمها معهد السياسات الاقتصادية الفلسطينية "ماس"، بسن قوانين وعقوبات رادعة للحد من ظاهرة التهريب الجمركي خاصة للمحروقات والتبغ، بالإضافة إلى تخفيف العبء الضريبي على الشركات المرخصة، وتوفير مستودعات وأماكن تخزين للمضبوطات، ومختبر متنقل لفحص السولار، إلى جانب تكثيف حملات التوعية للتجار والمواطنين حول مخاطر استهلاك السلع المهربة والإتجار بها.
وأقر الخبراء، أن ظاهرة التهريب في حالة تنامي حيث يصل حجمها إلى 35% من قيمة الاستيراد من "إسرائيل" أي ما يزيد عن مليار دولار أمريكي، في الوقت الذي تقدر فيه قيمة البضائع المهربة من "إسرائيل" وحدها خلال عام 2014 بأكثر من 725 مليون دولار، الأمر الذي ترتبت عليه خسائر مالية للخزينة الفلسطينية بأكثر من 190 مليون دولار، إضافة إلى الخسائر الأخرى غير المباشرة.
وبحسب الخبراء والباحثين، فإن شكل العلاقة التجارية مع الاحتلال أدى إلى تغييب الدور الرقابي، خاصة وأن "إسرائيل" معنية في ضرب الاقتصاد الوطني الفلسطيني بأي شكل من الأشكال.
بهذا الصدد أوضح الخبير الاقتصادي دراغمة: "حتى بوجود الاحتلال نحن بمقدورنا تقديم شيء والحد من الكوارث التي تعصف بالموازنة الفلسطينية أو التخفيف منها، ولكن نحن لا نعمل بالشكل المطلوب، وهذه صرخة في آذان راسمي السياسات الاقتصادية للتخطيط بالشكل المطلوب، والبحث عن المهارات ذات الكفاءة التي يمكن أن تخطط بشكل سليم، وبالتالي التخفيف من وطأة الاحتلال، هذا سيفضي إلى تطورٍ في المسار السياسي، لأن أي تدهورٍ في الاقتصاد من شأنه أن يؤثر على القرار السياسي الفلسطيني، وقد عُرّضنا للابتزاز مراراً في كل مرة قلنا فيها إننا لا نقبل إملاءات دولة الاحتلال ونرفضها ولن نقبل أن نُحارب بالمقاصة، وظننا أن توجها للمجتمع العربي سيساعدنا، وللأسف المجتمع العربي أمره ليس بيده فهو يتلقى الأوامر من الولايات المتحدة، لذلك نحتاج للتخطيط الصحيح حتى نذهب باتجاه استقلال القرار السياسي الفلسطيني دون أن نبقى تحت ابتزاز دولة الاحتلال"
وبحسب الاقتصادي مسيف فإن هناك توقعات أن تنخفض نسبة التراجع في الوضع الاقتصادي خلال العام القادم لتصل إلى ٧٪ أو ٨٪، وكان التراجع قد بلغ نسبة ١٣٪ من الناتج الإجمالي المحلي الفلسطيني العام الماضي، وهي نسبة كبيرة حسب قوله.