أكاد أجزم ويتفق مع ذلك ربما الكثيرون شأن هناك احتمالان لا ثالث لهما قد تحملهما نتائج الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في النصف الثاني من الشهر المقبل إذا ما جرت فعلا على ضوء القراءات المختلفة المتوقعة من مختلف الأوساط التي تبدي إزاءها تشاؤما، ومخاوف كثيرة تعتري صورة المشهد برمته إحدى مؤشراته الهامة وجود 36 قائمة انتخابية تترشح على 132 مقعدا للمجلس التشريعي أي مايقارب 2000 مرشح في الضفة الغربية، وقطاع غزة، وهي وإن كانت تعكس توق شديد لممارسة التجربة الديمقراطية التي غيب المواطن عن المشاركة فيها، واختطاف حقه الطبيعي طوال 14 عاما إلا أنها في ذات الوقت تحمل نذير تغيرات حادة لمكونات النظام السياسي الفلسطيني بحيث يصعب معها، ومع ما قد ينشأ بعدها من وضع جديد صعوبة امكانية الانقاذ بما قد يمس عصب الحياة، وفي ذات الوقت هناك شبه إجماع ايضا ان النظام السياسي بمكوناته الحالية لم يعد قادر على الاستمرار بذات النهج، والطريقة، والإمساك بقبضة قوية بمجريات الأوضاع الداخلية في الوقت نفسه، والاتفاق ايضا ان هناك حاجة ماسة لتجديد المؤسسة دورها، وبرنامجها وان يضخ دماء جديدة من جيل الشباب الذي يتغنى به الجميع هذه الأيام بوصفهم قوة التغيير المنتظر لتحقيق الحلم المنشود لشعب يئن حتى اللحظة تحت وطأة الاحتلال، أهمية ايلاء المزيد من الاهتمام لتعزيز دورهم، وضمان حقهم للمشاركة في اعلى مناطق صنع القرار .
الحالة الفلسطينية الراهنة الملتبسة هي نتاج تراكمات لسنوات طويلة سنوات عجاف من الانتظار، والتغيب، وانعدام الأفق المستقبلي بما يلبي احتياجات، وتطلعات الجمهور هذه توصيفات صحيحة بمجملها اذا اضيف اليها تغيب الناس، والأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية التي لم يتم إعمال أي خطوات جدية من قبل الجهات الرسمية الإنصاف، وتحقيق حدود أدنى من العدالة الاجتماعية، وتعزيز صمود الناس، والعمل الجدي لتلبية مطالب الفئات المهمشة، والفقيرة، والإبقاء على سياسات ثبت بالوجه الملموس ايضا فشلها في ادارة الوضع الداخلي، واذا ما اضفنا تضيق هامش الحريات العامة في الشارع، وضعف الثقة بين الجمهور، والمستوى الأول، وعوامل اخرى لا داعي للخوض في تفصيلاتها فاننا نصل لاستنتاج ان حالة الصمود الوطني هي حالة اصيلة في الشعب الفلسطيني القادر على مواجهة التحديات، ولكن ايضا هذا بات يتطلب موقفا واضحا وشجاعا، ومسوؤلا من جميع الاطراف، والا فان الانكفاء خلف شعارات لا تمثل حقيقة الواقع تصبح مجرد شعارات جوفاء، وربما مخادعة للاسف تساهم فقط في التدهور، والسقوط ولا تنتج بيئة ملائمة لحالة استنهاض وطني قادر على مجابهة التحديات، والتصدي لمخططات الضم، وصفقة القرن، ومحاولات تصفية القضية الوطنية، التراكمات انفة الذكر ادت وقد تؤدي الى ما هو أكثر خطورة بل ووبالا على الوضع الداخلي في ظرف نحتاج فيه لكل ما يمكن ان يوفر طوق نجاة للجميع قبل غرق السفينة، واولى هذه الخطوات تاتي عبر منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي، والوحيد للشعب الفلسطيني في جميع اماكن تواجه، واسترجاع مكانتها، ودورها، واعادة الاعتبار لمؤسساتها، وتمثليها، وبرنامجها ووقف العمل بكونها ملحقا بالسلطة فورا، واطلاق جميع المبادرات للعمل الشعبي المقاوم امتدادا للمقاومة الشعبية والنماذج الهامة التي تسطرها العديد من المواقع، والقرى، والبلدات في مواجهة الاستيطان الاستعماري، ومحاولات فرض الامر الواقع، وقضم المزيد من الارض الفلسطينية لصالح المشروع الاحتلالي، وتطبيق قرارات التحلل من جميع اشكال العلاقة مع الاحتلال لتشكل رافعة للعمل المشترك، والذي ترجمته اجتماعات الامناء العامين للقوى كافة رام لله بيروت مطلع ايلول الماضي، ومخرجاتها تمثل حجر الزاوية في محاولة مغادرة الحالة الراهنة خصوصا مع التوجه المعلن من المحكمة الجنائية الدولية، والمتغيرات الاخرى على الصعيد العالمي، وهو ما يفتح الباب من جديد على امكانية محاكمة، ومساءلة القوة القائمة بالاحتلال، وبناء اصطفاف دولي جديد رغم تصدع الجبهة العربية، وما رافقها من عمليات تطبيع، واقامة علاقات مع دولة الاحتلال، وما مثلته من خروج على حالة الإجماع العربي .
وبالعودة للوضع الداخلي فإن المشهد الراهن الذي كتب فيه، وقيل فيه الكثير، واصبح حديث الساعة وهو الانتخابات المقبلة، والتي أصبح إمكانية اجرائها موضع تساؤلات كثيرة يتداولها الشارع الفلسطيني وسط تخوفات من أن الذهاب لصندوق الاقتراع ربما يحمل معه عواقب قد تحمل الندم، وفي ذات الوقت الانتقال من حالة السبات، والتكلس الحالية الى حالة الفوضى فوضى يريدها الأعداء لإسقاط ما تبقى من إمكانية تمثيل او توحيد او حالة صمود التي رغم انها هشة إلا أنها ما زالت تعيق ما يحيكه الأعداء من مؤامرات، والمعسكر المعادي يرى في الانتخابات محطة لرسم خارطة طريق للإجهاز على قضية شعبنا، وما مثلته على مدار عقود من قضية شعب تعرض للظلم، والقهر والتشريد وتحويلها لقضية مطلبية لها علاقة بتحقيق مطالب حياتية هنا او هناك بعيدا عن التحرر الوطني أي القبول بفكرة التعايش مع الاحتلال يصبح معها الحديث عن الاستقلال، والحرية، والثوابت الوطنية ضربا من ضروب الخيال، والمستحيل، وتعود الامور لحالة الضياع، والتهميش، والتشظي، والفراغ للشعب الفلسطيني هذا بصراحة ما يحاك، وهذا ما يريده الاعداء ببساطة، وبلغة بعيدة عن التعقيدات ايضا، وطالما هذا معروف، ولا خلاف عليه يصبح الكل الوطني مسؤول عن محاولة التصدي له، وإسقاطه ولكن كيف!! في ظل انقسام حاد ووضع اقتصادي بالغ القسوة، وما بينهما من سوء علاقات، وخلخلة لمنظومة القيم التي مثلث أساسا متينا فيما مضى استند إليها الشعب لإسقاط ما تعرض له على مر العقود وما رافقها من تضحيات(ذهبنا الى حتفنا باسمين) بإرادة لا مثيل لها، وهي اليوم متطلب اساس لاستكمال مسيرته بينما يراد ان نعيش التناقض سلطة او سميها (دولة) او اي شي في واقع الاحتلال الذي يبقى هو المتحكم في مناحي الحياة، والموارد، والمعابر، وجوانب الحياة المختلفة .
باختصار جذر المسألة هو أن لا مقومات صمود دون إرادة سياسية، وشعبية تتكامل معا منسجمة تماما ومتقاطعة تلتقي، وتتفق على برنامج وطني نضالي للخلاص، والتحرير أما الانتخابات فهي، وان كانت وسيلة هامة للتجديد الا انها ان كانت قد تهدم القلعة او ما بقي منها أي انتخابات دون القدس لا توفر الحد الادنى من العمل لاسترجاع الوعي الجمعي، والحس الجمعي لكل المكونات بما يمكن لاستكمال مسيرة النضال الوطني، وكفاح شعبنا المشروع ستكون كمن يطلق النار على قدمه وهو ذاهب للمعركة بين دمار القائم او انهيار القادم لا خيار الا السعي الحثيث لإلغاء هذه المعادلة، وتجاوز حدود ما يريده الأعداء حتى لو تطلب الامر قرارات قاسية غير معتادة لأن المرحلة أيضا قاسية، وليست بالمرحلة التي تقبل استمرار الوضع على ما هو عليه اذا كان ثمة تغيير فيجب ان يكون بالاتجاه الصحيح اي الانقاذ، ولا مجال للمغامرة او اللعب بالنار، ومصير الناس ليس رهينة تصريحات غير موقفة هنا، وحالة نزق ترضي غرور هذه المسؤول او ذاك مقياس النجاح وأداته برأيي اليوم هو بالذهاب لتشكيل مجلس تأسيسي مؤقت لدولة فلسطين، والتوافق على صيغة تضمن الخروج من البركان اولا ثم بعدها سنجد الوقت حينها لنفض الغبار عنا، وبناء المؤسسة التي تليق بشعبنا وتضحايته، وهو إجراء مرحلي وليس بديلا بأي حال من الأحوال عن الانتخابات التي هي استحقاق ديمقراطي، ووطني، ومن شأن اسقاطها كخيار او استبعاده اليوم ان يعني ببساطة تكريس الامر لسلطة تحت الاحتلال، والمزيد من تأكل دور المؤسسة، وانفكاك الناس، وابتعادهم عن الشأن العام، والحالة الوطنية لصالح المزيد من الفردانية، والهم الخاص، والمزيد من الاحباط، لكن استجماع القوة ليس ببعيد المنال اذا ما توفرت عناصر من الجدية، والمراجعة النقدية الجادة، وليس الرغبات وان كانت صادقة اي بامكاننا العبور، وتقليل الخسائر الى الحد الذي يمكننا من المضي وتجاوز الواقع الحالي بما يحمي حقوقنا الوطنية رغم المعاناة والوضع الذي وصلنا اليه ... المطلوب انتخابات تفضي لاستعادة الوحدة، وتضع القطار من جديد على سكة المواجهة مع الاحتلال، وتعزيز كفاح شعبنا المشروع لتحقيق حريته واستقلاله الوطني، وبناء الشراكة السياسية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية انتخابات لا تغيب القدس عنها ترشحا وانتخابا ودعاية فهل هذا متاح وقابل للتحقيق؟