حاوره في القاهرة- بهاء عياد
«فلسطين تدفع ثمن ما تمر به البلاد العربية»، هكذا فسر الإعلامي الكويتي ماضي الخميس الأمين العام للملتقى الإعلامي العربي، ورئيس تحرير جريدة الكويتية، أسباب إهمال القضية الفلسطينية في الإعلام العربي. وأكد في حوار خاص مع “الحدث” أن هناك إعلاميون فلسطينييون أساؤوا لقضية بلادهم وانشغلوا عنها بتدخلهم في قضايا الدول العربية والتحريض ضد الدول الخليجية تحديداً. وأعلن عن قيامه بتدشين قمة إعلامية عربية لإعادة وضع القضية الفلسطينية في أولويات الإعلام العربي. وهذا نص الحوار.
كأمين عام للملتقى الإعلامي العربي، كيف ترى أسباب تهميش القضية الفلسطينية في الإعلام العربي؟
أفضل استخدام تعبير آخر غير «هُمشت»، القضية الفلسطينية «أُهملت» في السياسة العربية وفي الإعلام العربي وفي النبض العربي وفي الشعور العربي وفي الشارع العربي وفي كل شيء، والسبب هو أن كل دولة باتت منشغلة بشؤونها الداخلية. واليوم إذا أردت أن تشغل الناس عن القضايا الخارجية، لابد أن تشغلهم بحريق داخل بيوتهم، وأنت إذا نشب حريق في بيتك لا تفكر في بيت الآخرين. فكل دولة عربية منذ التسعينيات والغزو العراقي على الكويت لا يوجد من يفكر في فلسطين، والآن أبحث في حال مصر والبحرين وتونس وليبيا والخليج واليمن كل الدول العربية مشغولة بمشكلاتها الداخلية. اليوم هناك حالة عامة من سوء الوضع في العالم العربي، ولذلك دفعت القضية الفلسطينية الثمن.
الأمر الآخر، لدى الفلسطينيين أنفسهم، الذين لم يسلموا من هذا الشتات والفرقة، وزرع فتيل الفتنة والفرقة والانقسام والتناحر والصراع بينهم، وهم أولاً يحتاجون لتصحيح صفوفهم الداخلية وتبني قضايا جادة ووجود زعامة حقيقية ومستقرة ووجود هدف واضح لكي تحقق فلسطين ما تتمنى تحقيقه من الاستقرار والعدالة وإعلان الدولة الفلسطينية الكاملة.
هل هذا الإهمال تم بشكل عمدي أم بشكل تلقائي وطبيعي نتيجة تطور الأحداث؟
أنا أؤمن بنظرية المؤامرة، والأحداث لم تأت بمحض الصدفة، وهناك تخطيط وترتيب. وعندما نتحدث عن الشق الإعلامي، نجد أن الإعلام العربي أهمل القضية الفلسطينية. ولكن لابد أن نواجه الأخوة الإعلاميين الفلسطينيين بالذات بحقيقة الموقف؛ لأنهم أيضا أساؤوا لتاريخهم وتدخلوا سلباً ضد الدول العربية والدول الخليجية بالذات والإعلام الفلسطيني كان يقوم بدور سلبي تجاه دول الخليج وهو الذي زرع جزءاً من هذا الانقسام والوضع السيء، وأدعو الإعلام الفلسطيني في الداخل وفي المهجر إلى مراجعة ذاته حول موقفه، وضرورة إعادة تصحيح موقفه بما يجعل له دوراً إيجابياً تجاه قضيته، وبعض الصحف والوسائل الإعلامية في الخارج انشغلت عن طرح القضايا الفلسطينية بالدعوة للفرقة بين الدول العربية بشكل سافر، ولا أحب أن أذكر نماذج، والعديد من هذه الوسائل أساءت إساءة بالغة، وهناك إعلاميون فلسطينيون قاموا بدور سلبي تجاه بعض الدول العربية، وهذا يعطي نموذجاً سيئاً فعلا للإعلام الفلسطيني. وهم أدرى بأننا نحتاج لوقفات صادقة وحقيقية لإعادة تصحيح الموقف الإعلامي الفلسطيني ليأخذ مكانه السليم؛ لأننا نؤمن أن القضية الفلسطينية هي قضية كل العرب وستبقى قضية أساسية ويجب أن تبتعد عن خلافاتنا ومشكلاتنا الداخلية وجروحنا الشخصية، وهي قضية دينية وعقائدية وقومية وإنسانية وسياسية واقتصادية، ولذلك أنا أعتقد أننا اليوم بحاجة لإعادة هذا المفهوم.
في ظل إهمال القضية الفلسطينية، هل هذا يؤثر سلباً على الموقف التفاوضي للفلسطينيين مع الجانب الإسرائيلي؟
طبعا بالتأكيد، اليوم فلسطين في أسوأ حالاتها والشعب الفلسطيني في أضعف مراحله، وهذا هو الواقع. واليوم نحن نحتاج كإعلاميين عرب وفلسطينيين إلى إعادة تقييم وضع ودور العلاقات الثنائية بيننا وبين الإعلام الفلسطيني، ونسأل أين هو الإعلام الفلسطيني الواعي بالقضايا الفلسطينية للتأثير في العالم العربي على الأقل، وأين الرسالة الإعلامية الفلسطينية التي نوجهها لأبنائنا العرب من الجيل الجديد. وإخواننا في الإعلام الفلسطيني يحتاجون للقيام بدور كبير ومحوري في هذا الصدد، ونريد إعادة هذه الرؤية والصياغة التي تعيد القضية الفلسطينية لقائمة أولوياتنا. واليوم الجميع يتساءل لماذا يبتعد الإعلام العربي عن القضية الفلسطينية؟ لماذا لا تنشغل قناة الجزيرة بالقضية الفلسطينية أكثر من القضايا المصرية، لماذا لا توجد قناة «الجزيرة مباشر فلسطين» مثلا وهي قضية أهم من أي شيء آخر عقائدياً على الأقل، وأتساءل لماذا لا تقوم الجزيرة بنقل أخبار فلسطين للعالم بشكل موسع وهي أكبر قناة عربية ولديها القناة العربية الوحيدة بالإنجليزية. ولذلك، نحن نحتاج بالفعل إلى إعادة توجيه الإعلام العربي للاهتمام بهموم وقضايا الواقع الذي نعاني منه. الخلاصة، أننا اليوم انشغلنا في الأحداث الداخلية وابتعد الإعلام العربي عما يجري في فلسطين، مثلا الإعلام المصري نادراً ما تجد فيه خبراً عن فلسطين، وكذلك الإعلام الكويتي واليمني والليبي والتونسي، الجميع انشغلوا بقضاياهم.
ماذا يمكن أن يقدم الملتقي الإعلامي العربي لإعادة القضية الفلسطينية لمكانتها في الإعلام العربي؟
في كل ملتقى أو مؤتمر لنا نضع بنداً دائماً عن فلسطين، ونتبنى محوراً عن القضية الفلسطينية وزيادة الاهتمام بها، وقريباً سنعقد قمة إعلامية عربية وأجنبية في فلسطين، ونقوم حالياً بالتجهيز لهذه القمة التي ستعقد في فلسطين لإعادة الاهتمام بالقضية الفلسطينية إعلامياً.
الموقف الخليجي كان موحداً ويعبر عن موقف تضامن عربي شامل، لكن ماذا عن موقف قطر، كيف تقرأ اختلاف موقفها عن بقية دول الخليج؟
دول الخليج مواقفها ليست موحدة، وأكبر دليل هو الاختلاف الحالي حول مشروع التحول من التعاون إلى الوحدة في الخليج أو مشروع إنشاء الاتحاد الخليجي. فهناك مبادرة للملك عبدالله بن عبدالعزيز العاهل السعودي لتحويل مجلس التعاون إلى مرحلة الوحدة وهناك دول كانت رافضة تماما لهذا التوجه، مثل سلطنة عمان التي أعلنت موقفا واضحا من هذه الفكرة، وهناك دول أخرى كان موقفها متردداً. لذلك لا يوجد شيء يوحي بوحدة المواقف الخليجية من القضايا المختلفة. ولذلك لا أعتبر أنه من الممكن أن يكون هناك تضامناً خليجياً في المواقف، كل دولة لها اعتباراتها. وأنا أفضل الحديث عن موقف دولتي وأفضل الابتعاد عن مواقف الآخرين، وما يعنيني هو أن يدرك الجميع ما تمر به المنطقة العربية حاليا من صعوبة الحالة وخطورة الموقف، والأهم ألا يكون هناك تدخل أجنبي من قبل أي دولة خليجية أو غير خليجية، وأنا كخليجي لا أقبل أن تتدخل أي دولة في خلافاتي مع دولتي مثلا.
إن كان هناك تدخل قطري بأحدث مصر.فما موقفك؟
هذا التدخل لا يجوز، أخلاقياً ولا قانونياً ولا سياسياً، من جانب أي دولة. المفروض أن يكون هناك نوع من أنواع الحيادية في الموقف خاصة عندما تكون دولة عربية وتعاني من أزمات داخلية. ونحن نمر بمرحلة صعبة نحتاج فيها لصوت العقل والتآخي والترابط العربي وليس أصوات التباعد والتشاحن والبغيضة والتفكيك.
بصفتك أميناً عاماً للملتقى الإعلامي العربي، كيف تقيم أداء قناة «الجزيرة»؟
كلنا شواهد على واقع الإعلام الذي يتم استخدامه بشكل سيء، ومررتم ومررنا بتجارب سيئة، ولنا مثلكم معاناة من الإعلام السلبي، على عكس الواجب عليه من القيام بدور إيجابي تجاه الدول والشعوب والأمم وتجاه القضايا العربية لنصرتها وليس التفريق بينها.
«الجزيرة» لها دور سلبي وهذا ليس جديداً ولا يقتصر فقط على مصر أو فلسطين، نحن أيضا عانينا في الكويت لفترات طويلة من اتجاهات قناة الجزيرة، والشعب المصري يشعر أن الجزيرة تلعب دوراً سلبياً، وكذلك الشعب الفلسطيني، وهذا شعور حقيقي، ولكم حق فيه تماما. والمطلوب منا كإعلاميين أن نقدم كل ما هو إيجابي تجاه الشعوب والدول وليس التدخل سلبيا، و “الجزيرة” في مراحل كثيرة كان لها دور سلبي تجاه الكويت خاصة منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003، وهناك عدة دول عربية أخرى عانت من توجهات «الجزيرة»، ولذلك خارطة الإعلام العربي تحتاج إلى تقييم ولا يوجد بالعالم حريات مفتوحة، والشتيمة والسب والقذف والتجريح والتدخل بشؤون الدول وأمنها ليس حرية، وأن تقوم أي قناة سواء كانت الجزيرة أو غيرها بالتعدي على حقوق الأفراد أو الدول فهذا شيء مرفوض. وجامعة الدول العربية يجب عليها الدعوة العاجلة لإقامة مؤتمر أو فعالية تتعلق بالضبط الاعلامي، وأنا بصفتي عضو مراقب في مجلس وزراء الاعلام العرب سوف أتقدم بمشروع لوجود شيء ما يتعلق بتصحيح مسار الإعلام، ونحن نؤمن بحرية الاعلام ولكننا نؤمن أيضا بحرية الآخرين.
ماذا عن موقف الكويت من القضية الفلسطينية خلال القمة العربية المقبلة؟
الكويت تلعب دوراً ريادياً في القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومثلما وصفها الأمين العام لجامعة الدول العربية بأن هذا العام هو عام الكويت، حيث استضافت القمة العربية-الإفريقية، وقمة مجلس التعاون الخليجي، وقمة المانحين للشعب السوري، وستستضيف القمة العربية خلال مارس المقبل التي أعتقد أنها ستكون قمة متميزة، خاصة فيما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية وجهود إقامة الدولة. والجميع يعرف أن فلسطين هي قضية العرب المركزية ولها أولوية على جدول أعمال أي قمة عربية