حكومات الإحتلال المتعاقبة وأجهزتها الأمنية تعاملت مع المقدسيين على قاعدة المقدسي الذي لا يخضع بالقوة يخضع بالمزيد منها،ولم تكتف بحرمانهم من حقوقهم السياسية الوطنية والإقتصادية الإجتماعية، بل عمدت الى ممارسة سياسة طرد وتهجير وتطهير عرقي بحقهم وممارسات عنصرية فاضحة،وباتت "تتغول" و"تتوحش" عليهم في كل صغيرة وكبيرة،وتعطي الضوء الأخضر لعصاباتها من سوائب المستوطنين والجماعات التلمودية والتوراتية،لكي تمارس القمع والتنكيل والإرهاب والتخويف والإعتداء على ممتلكات المقدسيين ومركباتهم والمس بمشاعرهم الدينية اسلامية ومسيحية من خلال القيام بممارسات شاذة وفاضحة وطقوس تلمودية وتوراتية في الأقصى ومحاولة حرق أكثر من كنيسة ودير،ناهيك عن المسيرات الإستفزازية والشعارات العنصرية مثل " الموت للعرب" و"جبل الهيكل لنا" و"إطردوا العرب" وسنفجر رؤوسهم وندفنهم أحياء"، هذه الممارسات القمعية والتنكيلية المقرة من قمة الهرمين السياسي والأمني الصهيوني بحق المقدسيين،والتي تسير وفق استراتيجيات مترابطة ومتلازمة تعمل من أجل تهويد المدينة وتفتيت أحيائها واضعاف اللحمتين الوطنية والمجتمعية بين سكانها وتحويلها الى جزر متناثرة في محيط صهيوني واسع من خلال العمل على تكثيف المستوطنات والبؤر الإستيطانية في قلب القرى والبلدات المقدسية والعمل على عبرنة شوارع المدينة وازقتها ومداخل بوابة البلدة القديمة الرئيسية مثل مدخل باب العامود الشهير،الذي أطلقت بلدية الإحتلال على ساحته اسم مستوطنتين قتلتا في عمليتي مقاومة نفذها مقاومين فلسطينيين،لكي يصبح اسمها ساحة "هداس ملكا و"هدار فهداس"وبالتوازي مع سياسة التهويد والإستيطان والأحزمة الإستيطانية والإستيلاء على منازل المقدسيين وعقاراتهم وأرضهم،وطرد وتهجير أحياء مقدسية كاملة كما هو الحال في أحياء بطن الهوى والبستان ووادي الربابة وياصول في سلوان و" كرم المفتي" " وكبانية ام هارون" في الشيخ جراح.كانت تدور عجلة "ذبح" الحجر الفلسطيني بسرعة قياسية،حيث الهدم اليومي والإخطارات بالهدم للمنازل الفلسطينية مستمرة ومتواصلة ،إما بواسطة جرافات وبلدوزرات الإحتلال او بإجبار المقدسي على هدم بيته بيديه تحت طائلة التهديد بجعله يتحمل تكاليف الآلات ومعدات الهدم والقوات التي تحضر لهدم بيته ...ومن بعد ما يسمى بصفقة القرن الأمريكية شهدنا "تغولا" و"توحشا" غير مسبوقين على المقدسيين،بحيث جرى منع أي نشاط أو فعالية مقدسية ،وتعرضت الكثير من المؤسسات الى الإقتحامات والإعتقال بحق القائمين عليها،ناهيك عن إغلاقها، وكذلك منعت دولة الإحتلال أي شكل ومظهر من مظاهر الوجود والسيادة الفلسطينية في القدس من اجل حسم سيطرتها وسيادتها على المدينة وأخضعت المرجعيات الرسمية لها من وزير ومحافظ وامين عام مؤتمر شعبي الى سلسلة من الإجراءات العقابية وتقييد حركتهم وفعلهم ونشاطهم ودورهم في القدس تحت شعار" لا سيادة غير السيادة الإسرائيلية في القدس" ولعل حجم القمع والتنكيل بالمقدسيين و" التسونامي" التصعيدي والقمعي بحقهم،جاء من بعد ما جرى من بعد توقيع العديد من دول النظام الرسمي العربي لما يسمى بإتفاقيات " ابراهام" التطبيعية مع دولة الإحتلال، الإمارات والبحرين في 15/ أيلول والسودان في 23/تشرين اول والمغرب في 22/كانون أول من العام الماضي،تلك الإتفاقيات التي دعمت مخططات ومشاريع الإحتلال في الضم والتهديد وتكثيف الإعتداءات والإقتحامات على ولل الأقصى من أجل تغيير الأوضاع القانونية والتاريخية والدينية فيه،عبر ايجاد موطىء قدم لليهود في الأقصى يسمح لهم بتقسيمه مكانياً عبر السيطرة على القسم الشرقي منه ما يوازي ثلث مساحته طولياً من مصلى باب الرحمة والذي سيقام مكانه كنيس يهودي ضخم بإتجاه باب الرحمة فمقبرة بباب الرحمة فالقصور الأموية وصولاً الى ساحة حائط البراق المستولى عليها.
ولم تكتف دول الهرولة والتطبيع العربي ونسج التحالفات الإستراتيجية العسكرية والأمنية معه بسفورها ووقاحتها التطبيعية،بل اخترعت لنا دولة الإمارات ما يسمى بالديانة الإبراهيمية، صلاة وطقوس يؤديها المسلمين واليهود والمسيحيين معاً،عبارة عن طقوس أشبه بالطقوس التلمودية والتوراتية وركعتين فقط،مع حق اتباع الديانات بالوصول بحرية الى الأماكن الدينية،وهذا عنى حق اليهود كما ورد في صفقة القرن الأمريكية واتفاقيات " ابراهام" الصلاة فيما يسمى بجبل الهيكل"،أي المسجد الأقصى.
الإحتلال بات يعتقد بأن كل التطورات الداخلية الفلسطينية من ضعف وانقسام وانهيار للنظام الرسمي العربي وتعفنه والمشاركة الأمريكية المباشرة الى جانبه في العدوان على شعبنا،توفر له الفرصة والظروف " لكي يسرح ويمرح " في القدس دون حسيب أو رقيب،يقمع،ينكل،يعتقل ،يبعد،يهود،يأسرل،يطرد،يهجر ويمارس كل أشكال البلطجة والزعرنة قانونية او غير قانونية من أجل فرض وقائع التهويد والأسرلة،ليس فقط عبر بوابة التقسيم المكاني للمسجد الأقصى ونزع الوصاية الأردنية عنه واضعاف دور الأوقاف الإسلامية الإداري في الإشراف عليه،بل بمنع حتى الجلوس والتجمهر للمقدسيين في ساحات البلدة القديمة،وكأن المحتل يقول للمقدسيين سأحصي عليكم أنفاسكم،وحتى تنفسكم يحتاج الى إذن مني،واطلق المحتل العنان لزعران سوائب مستوطنيه لكي يصعدوا من مسلسل عدوانهم على المقدسيين وممتلكاتهم وعقاراتهم ومركباتهم ومقدساتهم،وهذا راكم غضب داخلي عند المقدسيين،حيث شعروا بالإهانة والمس بكرامتهم ووطنيتهم ومشاعرهم الدينية وحتى الإنسانية،ولتأت بداية شهر رمضان الفضيل، هذا الشهر الذي أراد المحتل ان يفرض فيه المزيد من الوقائع على المقدسيين التي تحد من حركتهم وتمعن في شل الحركتين التجارية والإقتصادية في المدينة،المشلولة أصلاً بفعل جائحة "كورونا"،حيث عمد الى اغلاق ساحة باب العامود التي يستغلها المقدسيون بعد الإفطار وصلاتي العشاء والتراويح لممارسة العديد من الأنشطة والفعاليات ثقافية وفنية،وكذلك الترويح قليلاً عن النفس بتناول المشروبات الخفيفة والحلويات الرمضانية،وفي نفس السياق المحتل قال كلمته في الإنتخابات التشريعية الفلسطينية بأنه لن يسمح بإجرائها في القدس حتى بشروطها المذلة التي جرت عليها في عامي 1996 و2006،بمشاركة عدد محدود منهم بالإنتخاب في مراكز البريد الإسرائيلية ،والبقية يصوتون في مراكز اقتراع في ضواحي مدينة القدس،خارج سيطرة بلدية الإحتلال،وعمدت اجهزة الأمن الإسرائيلية الى منع أي تجمع مقدسي له علاقة بالإنتخابات التشريعية الفلسطينية،من تهديد للمرشحين الى اعتقال عدد منهم .
اغلاق الإحتلال ساحة باب العامود والقمع والتنكيل الممنهج من قبل أجهزة الإحتلال الشرطية والعسكرية والأمنية،والقمع غير المسبوق بحق من يتواجد من الشبان المقدسيين في الساحة وإستعانة شرطة الإحتلال بالزعران من سوائب المستوطنين من أجل الإعتداء على الشبان المقدسيين وإرهابهم وتخويفهم،والدعوات التي صدرت عن قادة الجماعات المتطرفة مثل منظمة " لهافا" و" تدفيع الثمن" وغيرها،من أجل الحشد والتجمع في شارع يافا وميدان سفرا في القسم الغربي من المدينة مساء امس الخميس للزحف على ساحة باب العامود مسلحين بكل الأسلحة الهجومية من مسدسات صعق كهربائي وغاز وقنابل غازية وسكاكين "وبوم" للكم وغيرها من الأسلحة،والعبارات التي تم إطلاقها" سنفجر رؤوس العرب" و " سندفنهم أحياء" تحت شعار استعادة " الشرف القومي" اليهودي،دفعت بالشبان المقدسيين الى تكثيف تواجدهم واستعدادهم للتصدي لهذه السوائب المنفلتة من عقالها،والتي تريد ان تقتلع وجودهم في هذه المدينة وان تعمل على تغيير طابعها العربي الإسلامي ومشهدها الكلي من مشهد عربي- إسلامي الى مشهد يهودي.
انفجر الغضب المقدسي على نحو واسع فتيان وشبان مقدسيين متسلحين بالإرادة والقناعة بان قدستهم لن تتلقح بغير العربية ..تصدوا لغزوة المستوطنين المدعومة من قبل جيش وشرطة الإحتلال،هذه السوائب التي أحرقت ودمرت العديد من الممتلكات والمركبات الفلسطينية في البلدة القديمة من القدس والشيخ جراح والتلة الفرنسية،لقنها الشبان والفتية المقدسيين دروساً قاسية بأن القدس لن تكون لقمة صائغة،والقدس كانت دوماً صانعة الحدث والهبات والإنتفاضات الشعبية،واتت هبة ساحة باب العامود على نحو أشد وأكثر جرأة من هبة البوابات الألكترونية في تموز /2017،وهبة باب الرحمة شباط/2019،هبة أرسلت أكثر من رسالة للمحتل تقول بأن المقدسيين لا يخضعون بالقوة والبطش ولن يرحلوا او يسمحوا بطردهم من مدينتهم،وهي عصية على الكسر،ووجودهم فيها أصيل وليس طارىء،كما هو حال غزاتها،والرسالة الأخرى للسلطة والقيادات والفصائل الفلسطينية،ان الإرادة الشعبية والتحرر من الوهم والخوف قادرة على أن تغيير في الواقع وتفرض الوقائع،وبأن سياسة الإستجداء والوقوف على اعتاب الأمم المتحدة ومجلس الأمن والبيت الأبيض والإتحاد الأوروبي لن تجدي نفعاً في جعل الإحتلال يوافق على إجراء الإنتخابات التشريعية الفلسطينية في القدس حتى في صيغتها الهزيلة،والحقوق تنتزع ولا تستجدى، ومن يريد انتخابات تشريعية في القدس،فعليه أن يناضل من أن تجري انتخاباً وترشيحاً ودعاية انتخابية في القدس ببلداتها وقراها ال 21 داخل جدار الفصل العنصري،وعبر صناديق اقتراع تشرف عليها لجنة الإنتخابات المركزية، لا عبر البحث عن بدائل لشروط إجرائها متكيفة مع شروط الإحتلال.
وختاماً الشبان والفتيان المقدسيين يقولون بالفم المليان،انهم لن يسمحوا لأي كان أن يوظف هباتهم وإنتفاضاتهم خدمة لأجندات ومصالح خاصة او فئوية...فمن يريد القدس عليه أن يعيد فلسطين للقدس،والقدس ليست بحاجة الى شعارات وبيانات شجب واستنكار،أهل القدس وشبانها وفتيتها يعرفون طريقهم جيداً،ولكن المرتعشون والتائهون والمترددين في القيادة هم وحدهم من ضلوا الطريق.