الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مدينة صناعية بلا نظام دفاع مدني وحريق ينذر بكوارث مستقبلية.. من المسؤول؟(صور)

2021-04-27 04:50:10 PM
مدينة صناعية بلا نظام دفاع مدني وحريق ينذر بكوارث مستقبلية.. من المسؤول؟(صور)
المنطقة الصناعية في أريحا

الحدث - ضحى حميدان

في عام 2019 وبعد ثلاثة أشهر من تشغيل مصنع بيبر بال لصاحبه طارق سعادة في المنطقة الصناعية في أريحا، نشب حريق في الساحة الخارجية للمصنع، وقد لبى دفاع مدني أريحا النجدة في ذلك اليوم، ولكنه استعان بخزانات المياه من حرس الرئيس والأجهزة الأمنية الأخرى لأجل السيطرة على الحريق وإطفائه، وتكرر ذات الأمر مع ذات المصنع في عام 2020، وتكرر نفس المشهد حيث اضطر رجال الإطفاء للاستعانة بخزانات المياه الموجودة لدى الأجهزة الأخرى.

المشكلة تكمن أن حريقاً صغيراً وقع في أحد هذه المصانع ولم تكن الجهوزية كاملة لمواجهته، فكيف لو نشب حريقٌ في منطقة صناعية هي معرضة بالأصل لمثل هذه الحوادث بكثرة، وربما سيكون الحريق أكبر، وبالتالي من الذي سيتحمل المسؤولية إن لم تتم السيطرة عليه في هذه الحالة.

يقول صاحب مصنع بيبر بال طارق سعادة: "كان الحريق صغيراً، وعلى الرغم من سرعة استجابة الدفاع المدني وجهده المشكور، إلا أن إمكانياته كانت ضئيلة ومحدودة، وهذا يترتب عليه تخوفات من أي حوادث أكبر مستقبلية، ويطرح تساؤلاتٍ عديدة وعلامات استفهام عن سبب خلو المنطقة الصناعية من نظام دفاع مدني خاصٍ بها.

وحسب عقد الامتياز الذي حصلت الحدث على نسخة منه، فإن شركة تطوير أريحا ملزمة بتوفير المطور للمباني والمرافق الضرورية، وكل ما يلزم للحفاظ على  أمن وسلامة المنطقة الصناعية، ومنه أن يوفر الحد الأدنى من خدمات الدفاع المدني والمركز الصحي بالإضافة إلى مركز للأمن الداخلي والسلامة العامة وغيرها، فهل التزمت الشركة المطورة بتوفير الحد الأدنى من مركز الدفاع المدني؟

 

مطالبات بمنحة مالية ليست من حق شركة تطوير أريحا

وفي كتابٍ وجهه رئيس مجلس إدارة هيئة المدن الصناعية، ووزير الاقتصاد خالد العسيلي، بتاريخ 11/أيلول /2019 ، أكد سعيه لأجل توفير منحة يابانية لتمويل مشروع مركز دفاع مدني بناءً على طلب شركة تطوير أريحا والدفاع المدني، شرط أن تقوم الشركة المطورة بالشروع الفوري في تنفيذ شبكة دفاع مدني ومستلزماتها بشكل أولي.

وحصلت الحدث على نسخة من كتب أصدرتها شركة تطوير أريحا ممثلة برئيس مجلس إدارتها السابق بسام الولويل، موجهة إلى كل من وزارة المالية ووزارة الاقتصاد، في 23/أيلول/2019، طلب فيها تسهيل الحصول على منحة مالية لأجل إقامة مركز دفاع مدني، وقال الولويل في كتابه أن إنشاء هذا المركز لن يخدم المدينة الصناعية الزراعية فقط، ولكنه سيلبي حاجة جنوب شرق أريحا، وفي ذات الكتاب قال إن المركز سيلبي حاجة محافظة أريحا والأغوار ككل، ورداً على طلب الوزير بإنشاء شبكة دفاع مدني، قال الولويل في كتابه إن عقد الامتياز لم يلزمهم بذلك وإنما ألزمهم بنظام "بدون تأثيث"، كما أكد أن البنية التحتية الخارجة للمدينة الصناعية تفتقر لوجود شبكة إطفاء يمكن الربط عليها، معللاً أن إنشاء هذه الشبكة سيكون مكلفاً عليهم.

وكانت وزارة المالية قد رفضت المنحة لأن إقامة نظام الدفاع المدني من مهام الشركة المطورة حسب عقد الامتياز، حيث قال السيد حسن الجالودي من وزارة المالية، إن المشروع هو من مهمات الشركة المطورة وهذا منصوص عليه صراحةً في عقد الامتياز، وقد أخذت هيئة المدن الصناعية على عاتقها توفير منحة وهو ليس من واجباتها ولا يعتبر حقاً قطعياً للمطور، وعليه فعلى المطور أن يقدم شيئاً بدل حصوله على المنحة كخفض الأجرة على المستثمرين، ورفع نسبة أرباح الهيئة إلى 15% وهو الذي لم يحصل حتى اللحظة، ولم يبدِ المطور التزاماً صريحاً به.

ورغم  معارضة وزارة المالية في بداية الأمر المنحة، لكنها وافقت في وقتٍ لاحق لأسباب مجهولة، يرجح علاقتها بمصالح مشتركة بين أعضاء في هيئة المدن الصناعية وآخرين في شركة التطوير حسب قول المستثمرين.

خدمات مكتوبة بدون تنفيذ

وقد أكد مدير المصنع طارق سعادة أن الأمر لا يقف عند حدود توفير الدفاع المدني فقبل الاستثمار في المنطقة الصناعية في أريحا، وُزعت مواد إعلانية ترويجية لها من الشركة المطورة ومن هيئة المدن الصناعية على حدٍ سواء، تتحدث عن مزايا وخدمات مقدمة مقابل الإيجار، كان أبرزها إعفاءات ضريبية وطريق معبر آمن إلى الأردن، وبنية تحتية شاملة تشمل توصيل الكهرباء بالطاقة المطلوبة إلى باب الجهة المستأجرة، وتوصيل مياه بالكميات المطلوبة إلى حدود المصنع المطلوب، إضافة إلى مركز دفاع مدني مجهز بالكامل ومركز صحي، ومكتب لتقديم الخدمات والتراخيص بشكل سريع لا يتعدى يومين أو ثلاثة، وعند الاطلاع على هذه الخدمات من أي شخص ينوي الاستثمار، بالتأكيد سيتشكل لديه حافز استثماري وسيُقدم على خطوة الاستئجار ليستفيد من كل هذه الخدمات، لكن المشكلة أننا تفاجأنا لاحقاً، بأن الوارد في المواد الإعلانية لم يطبق على أرض الواقع، حسب قوله.

ويضيف: "في مصنع بيبر بال ننتج الورق من سعف النخيل، وهو المصنع الأول من نوعه في العالم وحصلنا على براءة اختراع في هذه الصناعة، وعندما عقدنا نية الاستثمار في المنطقة الصناعية، أرسلنا كتب اهتمام لهيئة المدن الصناعية تحتوي على كافة احتياجات المصنع التفصيلية، وممثلة ب 600 أمبير كهرباء، و 125 كوب ماء خلال اليوم، وبنية تحتية للصرف الصحي تحتاج حوالي 80 كوبا باليوم، ونظام دفاع مدني بالحد الأدنى 4.5 بار، وقد وافقت هيئة المدن والمطور على هذه الاحتياجات، وبالتالي أُعطيت لنا الموافقة على إقامة المصنع مقابل تقديم الخدمات سالفة الذكر، وعندما أردنا تشغيل المصنع بدأت المشاكل بالحدوث".

وفي السياق ذاته تواصلت الحدث مع مدير عام الشركة المطورة سابقاً بسام الولويل ولم تتلقَ رداً، وقال مدير عام شركة تطوير أريحا مروان كتانة: "إن منطقة أريحا الصناعية هي أرض تملكها الحكومة، وشركة تطوير مدينة أريحا أخذت الدور عن الحكومة  بتطوير المناطق الصناعية، وأما اليابان فحلّت كممولٍ للمناطق الصناعية، وعالمياً، المعروف في كل المناطق الصناعية، أن تمويل الإنشاء والبناء يقسم إلى قسمين أساسين، قسم التطوير على الحكومة وقسم آخر يأخذ التمويل على عاتقه، وبما أن وضع الحكومة صعب إلى حد ما، دخلت شركة تطوير أريحا كمطور لمنطقة الصناعية، ودخلت اليابان كممول".

ما الهدف من تمويل المناطق الصناعية؟

وأضاف: "بما أن شركة تطوير أريحا قطاع خاص، يقوم المختصون فيها بعمل الحسابات المالية والتكاليف في البنية التحتية والبناء، وتبعاً لهذه الحسابات يوضع سعر الإيجار الذي سيتكبده المستثمر، لذلك كلما زادت التكاليف في المنطقة الصناعية زاد سعر الإيجار على المستثمرين، و بدخول اليابان كممول، فإنها تغطي جزءا من التكاليف المترتبة على الشركة المطورة بالأصل، شرط أن تقوم الأخيرة بتخفيض سعر الإيجار على المستأجرين من أصحاب المصانع وهذه الآلية المتعارف عليه عالمياً، وهناك مجموعة من الهناجر مولها الاتحاد الأوروبي من خلال اليابان وفي المقابل على المطور أن يبني مجموعة أخرى على نفقته أو أن يخفض الإيجار، وبناءً على هذا الأمر كان مركز الدفاع المدني ضمن التكاليف التي أخذها الممول الياباني على عاتقه".

لكن سعادة، أوضح أنه رغم التمويل الياباني للمنطقة الصناعية إلا أن مشاكل البنية التحتية كانت كثيرة خلال تنفيذ الشركة المطورة للمشروع وقال: "واجهتنا أول مشكلة عندما أردنا فتح المياه، لنجد أن أنابيب التوصيل الحديدية بسماكة إنش فقط، وكنا نفتح أنبوب المياه هذا على امتداد النهار، لأجل تزويدنا ب 25 كوبا فقط في نهاية اليوم، ذلك لأن سماكة الأنبوب إنش فقط ما يعني أن طاقة ضخه صغيرة، وعندما رفعنا كتب الاهتمام أوصينا باحتياج يقدر ب 125 كوبا في اليوم ما يعني توفير أنابيب  بسمك 3 أو 4 إنش على الأقل، وهو الذي لم يحدث، وأُجبرت على تغيير شبكة الخطوط الخارجية والخزان الرئيسي بشرط أن يتم خصم فارق التكاليف من أجرة المصنع وهو الذي لم يحدث، وكان الاتفاق بين هيئة المدن الصناعية وبلدية أريحا، أن يتم منح المنطقة الصناعية 700  كوب ماء خلال اليوم، ولم تلتزم البلدية بهذا الشرط واكتفت بإعطاء 100 كوب، وهذا يعني مشكلة كبيرة، فمصنعي وحده يحتاج 125 كوب ماء خلال اليوم الواحد ولا يصلني منها سوى 10 كوب، ولذلك وعلى مدار 7 أشهر، اتخذنا خيار تخزين المياه لمدة 10 أيام متتالية ثم نشغل المصنع لمدة يوم، وهذا أثر على دورة الإنتاج وقللها بشكل كبير، وتسبب بخسائر فادحة".

والأمر لم يقف عند هذا الحد، يقول صاحب المصنع سعادة: "عندما اشتغل خط الإنتاج اكتشفنا عدم وجود محطة تصريف للمياه الخارجة من المصنع، بعكس المكتوب في الإعلانات الترويجية للمنطقة الصناعية، وأجبرنا على تأسيس محطة تصريف داخلية كلفتنا مئات الآلاف، لأجل تصريف مياه الصناعة ولأجل أن تكون مطابقة لنظام المساكن في نظام الصرف الصحي".

وحول كتاب الولويل لوزير الاقتصاد للحصول على منحة، قال مروان كتانة إن المدير العام للدفاع المدني يوسف نصار هو من طلب المنحة من السفير الياباني، وبناء على ذلك أبلغ الممول الياباني اللواء يوسف نصار، أنه سيمول شبكة دفاع مدني داخل المنطقة الصناعية، التي لن تخدمها فقط، إنما ستخدم كل منطقة أريحا، لأن مركز الدفاع المدني الموجود في المحافظة بالأصل يقع في الجهة الشرقية من المدينة، وأي حريق سيحدث في الجهة الغربية أو الشمالية سيؤدي التأخر في الاستجابة بسبب بعد المركز الرئيسي، لذلك فإن الهدف من تمويل اليابان لهذا المركز هو خدمة كل منطقة أريحا وليس فقط المنطقة الصناعية. 

وبالتواصل مع رئيس بلدية أريحا سالم الغروف فقد أقر وجود مركز دفاع مدني في أريحا، وهو مركز تابع للحكومة الفلسطينية وليس خاصاً بالبلدية.

وأضاف: "لا أعتقد أن مركز الدفاع المدني يغطي كل محافظة أريحا، هو يقوم بمهامه داخل المدينة فقط، وهو يلبي المساعدة إن احتاجوه خارج إطار المدينة، لكنه في كل الأحوال هو بحاجة لنقاط أخرى تنتشر حول محافظة أريحا، حيث يشترط في الدفاع المدني العمل بسرعة والاستجابة خلال الحوادث".

ونظراً لكون المنطقة الصناعية في أريحا تقع داخل المخطط الهيكلي للمدينة وقريبة من وسط المدينة، فإن الحديث عن إقامة مركز دفاع مدني يخدم كافة المحافظة في المنطقة الصناعية، قد لا يكون دقيقاً، بسبب بعد مناطق المحافظة الشمالية عن موقع هذا المركز، وهذا يعيدنا لنفس مشكلة الوقت وسرعة الاستجابة في حالة الحوادث.

عراقيل الحصول على مبلغ المنحة

ويوضح كتانة أنه بدأ العمل في المنطقة الصناعية منذ 7 أشهر تقريباً، ومن لحظة استلامه أُخبر أن المانح الياباني صرف 800 ألف دولار لأجل منحة مركز الدفاع المدني، وبناءً عليه توجه مرات عدة إلى وزارة المالية برفقة اللواء يوسف نصار لأجل استلام المنحة ولم يتم صرفها، مؤكداً أنهما توجها لوزير الاقتصاد خالد العسيلي أيضاً، الذي بدوره تواصل مع وزير المالية، لكن المالية ردت بأن الرئيس الفلسطيني أعطى تعليماته بصرف جزء من المنحة على مستلزمات الكورونا، وحتى اللحظة لم تصرف المنحة للمطور من أجل البدء بالعمل على هذا المركز، علماً بأن الشركة المطورة طالبت بالجزء المتبقي من المنحة لدى المالية لبدء تنفيذ المشروع مع الممول شرط تخفيض الإيجار، وهو الأمر الذي لم يحصل حتى اللحظة.

وحول ذات الموضوع أجرت الحدث مقابلة مع وزير الاقتصاد ورئيس مجلس إدارة هيئة المدن الصناعية خالد العسيلي، الذي أكد وجود نظام دفاع مدني في المنطقة الصناعية، منوهاً أن مشروعاً جديداً لبناء مركز دفاع مدني بالتعاون بين الهيئة والدفاع المدني هو في إطار التشييد وبتمويل يابانيّ، لكن مجموعة من المشاكل والعراقيل صادفت المنحة وهي في طريق محاولات الحل حسب قوله.

ولكن مالك المصنع سعادة أوضح أنه واجه مشكلة تتعلق بالتراخيص، فعندما توجه لشركة الكهرباء للحصول على رخصتها تفاجأ بطلبهم لرخص دفاع مدني لمصنعه، والمشكلة الأكبر عدم وجود نظام دفاع مدني في المدينة، فلا مضخات ولا خزانات ولا أنابيب ولا بنية تحتية، والأسوأ أن أنابيباً حمراء اللون خاصة بأنظمة الدفاع المدني عادة وضعت على الرصيف في الشوراع، واتضح لاحقاً أنها مربوطة  "ببراغي" على الرصيف فقط كمنظرٍ للتصوير والترويج ولا بنية تحتية مربوطة بها، حسب قوله.

يقول سعادة: "صُدمنا من طبيعة الخدمات المقدمة في المنطقة الصناعية، والمفترض أن يراقب الممول في الاتحاد الأوروبي واليابان وهيئة المدن الصناعية الطريقة التي نفذ بها المطور المشروع، ويبدو أن هذا لم يحدث، ونتيجة لذلك ولأجل الحصول على تراخيص الكهرباء على وجه السرعة، اضطررنا لتوفير المتطلبات الأساسية للحصول على رخص الدفاع المدني وعلى نفقتنا الخاصة، وفي حالة مصنعي ولأن مساحته تقدر ب 6 آلاف متر، فإن البنية التحتية للدفاع المدني فيه تقدر ب 190 ألف دولار، لأجل ذلك استوفينا 85% من متطلبات الدفاع المدني، و 15% لم نستطع إكمالها لسوء الأحوال المادية التي حصلت، وبناءً عليه قدمنا لهم تعهدا عدليا باستكمال هذه النسبة فيما بعد وحال توفر الإمكانيات المادية".

 وحول قيمة المنحة المصروفة وموعد تنفيذ المشروع قال الوزير العسيلي إن 800 ألف دولار لم تصرف لهم حتى اللحظة، وأن هناك خلافات والموضوع بين الهيئة والدفاع المدني ممثلاً باللواء يوسف نصار واليابان، ذلك أن الدفاع المدني يدعو لإقامة مركز يخدم منطقة أريحا، والمستثمرون في الهيئة يريدون المركز لخدمتهم فقط.

 ولدى سؤال الوزير عن الكتاب الذي وجه له بخصوص طلب الحصول على منحة مالية أجاب بأنه يصدر العشرات من الكتب ولا يتذكر الأمر، وقال: "يمكنكم سؤال إدارة الهيئة وهي ستخبركم، وإذا لديك كانت لديكم نسخ من هذه الكتب إذاً فهي صحيحة وأنا لم أطّلع على هذه المراسلات والمفاوضات التي تتحدثون عنها، كما أن الشركة المطورة لم تأخذ المنحة حتى اللحظة، ما زالت هناك مفاوضات حولها بين الهيئة والشركة المطورة والدفاع المدني".

استفسارات بدون إجابات

 وعند سؤال الوزير ورئيس مجلس إدارة هيئة المدن الصناعية د.خالد العسيلي عن أن نظام الدفاع المدني هو من مهمات المطور حسب عقد الامتياز وليس من مهام المانح، أجاب أنه لا يعلم بالتفاصيل لأن منصبه رئاسة مجلس الإدارة في الهيئة وهو غير مُطلع، ووجهنا لأخذ المعلومات من علي شعث مدير عام هيئة المدن الصناعية سابقاً.

وبهذا الصدد توجهت الحدث لمدير عام هيئة المدن الصناعية سابقاً علي شعث الذي قال: "أنا الآن ليس لدي غطاء قانوني كي أتكلم عن الهيئة وليس لي منصب فيها لأني متقاعد منذ شهرين بالضبط، أستطيع تقديم المساعدة، ولكن لا يحق لي التكلم باسم الهيئة وأنا بدون منصب فيها الآن، وأي كلام ممكن أن يصدر مني كصاحب منصب سيضرني ويضركم لأن السيد هيثم الوحيدي هو المسؤول الآن ولست أنا".

وأضاف: "لم يتحدث معي الوزير بالأمر للسماح لي بالتصريح حتى اللحظة، لذلك فالسيد هيثم الوحيدي هو صاحب الصلاحيات الآن، يمكنكم التواصل معه".

 وقمنا بالتواصل مع إبراهيم سيف مدير مكتب المدير عام هيئة المدن الصناعية هيثم الوحيدي لأخذ موعد لأجل إجراء المقابلة، وطلب إرسال الاستفسارات من خلال البريد الإلكتروني لأجل التحضير لها والرد عليها، ولم يرد بأي إجابات بعد أن وصل البريد له، وعاودنا الاتصال به ليخبرنا أن السيد هيثم مشغولٌ بزيارات ميدانية، ولا يستطيع إجراء المقابلة في الوقت الراهن.

كيف سيستفيد المستثمر من المنحة؟

كان مدير عام الشركة المطورة كتانة قد أوضح  أن منحة الدفاع المدني ضرورية لأن التكاليف التي تقع على المطور، الأمر لا تقف حدود بناء مركز دفاع مدني أو بناء المصانع، فهناك أمورٌ أخرى مكلفة جداً منها تحسين التربة المقامة عليها المنطقة الصناعية، والتي يترتب عليها الكثير من التكاليف، ويعبر كتانة بقوله: "لو مولنا المنطقة الصناعية في أريحا بشكل كامل، لما استطاع أحد الاستئجار فيها بسبب الكلف العالية جداً، لذلك الأمر وجب وجود التمويل من طرف المانح، وبالنظر إلى المدن الصناعية في كل من جنين وبيت لحم، فقد تكلف المانح الألماني والفرنسي أيضاً بمبالغ طائلة في البنية التحتية لكليهما، لأن هذا هو المتعارف عليه في بناء المدن الصناعية" .

ويضيف: "في المرحلة الثانية من مشروع المنطقة الصناعية ستكون قيمة الأجور فيها مرتفعة أولاً لأنها لا تتجاوز 500 دونم، وثانياً البنية التحتية الأساسية فيها ستكلف حوالي 15 مليون دولار، وفي حال أي دولة مانحة تقدمت بمنحة لتغطية نصف التكلفة أو ربعها سينعكس هذا تلقائياً على قيمة الإيجار الذي وضعته كمطور، وفي النهاية أي شركة تدخل في مشروع تريد الربح، والمبالغ المصروفة على أي مشروع يتم عكسه على الميزانية بحيث أحقق الربح، وإن كان سعر تأجير المتر 30$ فهو سعرٌ مرتفع في مدينة أريحا، التي تؤجر فيها مشاريع الأوقاف الألف متر بمبلغ 300 دينار فقط، هنا نتحدث عن أضعاف المبلغ، ويكون على الدول المانحة التدخل لتخفيض الكلف".

وحول ذلك قال مالك المصنع سعادة: "لا شك أن المدينة الصناعية تمتلك مستقبلاً رائعاً للاقتصاد الفلسطيني، وللاستثمار في أيادي عاملة من أبناء الوطن، وفي مصنعي مثلاً يعمل قرابة الأربعين شخصاً ليل نهار، ولو شغل كل مصنع على الأقل 10 عمال، ستوفر المنطقة الصناعية من 500  إلى 100 فرصة عمل فيها، ولكن هذا الأمر لن يحدث بدون توفرٍ لخدمات البنية التحتية، وطالما الشركة المطورة موقعة على عقد امتياز، وتطلب من المستأجرين إيجارات بأسعار كبيرة، فيجب عليك تقديم شيء بالمقابل، ولكن الذي يحصل أنه  لا تواجد للخدمات، والمطور ينتظر فقط المنح الأجنبية لتأسيس البنية التحتية".

ووسط كل المشاكل المتعلقة بمركز الدفاع المدني والبنية التحتية، لم يقف سعادة مكتوف الأيدي، فخلال سنتين من المشاكل الكثيرة والمتكررة قام برفع عدة شكاوى لهيئة المدن الصناعية ولكل من وزراء الاقتصاد عبير عودة وخالد العسيلي، وكان الأخير قد زار مصنعه وطلب منه توجيه كتابٍ يحتوي على المشاكل التي يواجهها المصنع، وكان له ذلك حيث رفع سعادة كتاباً يحتوي على كافة الأمور المتعلقة بنقص الخدمات، ولكن أحداً لم يستجب ولم يعطِ رداً حتى اللحظة.

رخص دفاع مدني بدون توفر الشروط

ويقول سعادة: "اللافت أن في أعوام 2015 - 2017 لم تكن هناك تراخيص دفاع مدني في المنطقة الصناعية للسماح لها بالعمل، وبعد استلام بسام الولويل منصب رئيس مجلس إدارة الشركة المطورة، سعى للحصول على الرخص للعمل بدون وجود نظام دفاع مدني وهو ما يمكن أن يسبب الكوارث في المستقبل.

ولم يكن سعادة وحده الشاكي، فقد رفع المستثمرون في المنطقة الصناعية كتباً جماعية للمطالبة بنظام دفاعٍ مدني، واجتمعوا مع اللواء يوسف نصار مدير عام الدفاع المدني، وطلب إعطاء بعض المصانع تراخيص فورية حتى يستكملوا بقية تراخيص مصانعهم بالرغم عدم استكمالها للشروط، وكان ذلك لتخفيف احتقان المستثمرين، ورفع العبء عن كاهل الحكومة وهيئة المدن الصناعية.

ويقول سعادة: "حتى بوالص التأمين التي ندفعها لشركات التأمين، هي مجرد شيء شكلي لاستكمال الترخيص، والواقع أن التأمين لن يعترف بأي تعويضات في حال نشوب أي حادث، لأن البنية التحتية للدفاع المدني وتراخيصه المطلوبة بموجب القانون غير موجودة".

ولأجل الاستفسار عن التراخيص الممنوحة من الدفاع المدني للمستثمرين والتأكد من وجود نظام دفاع مدني أولي من عدمه، تواصلت الحدث مع مدير مكتب اللواء يوسف نصار، الذي اعتذر بدوره عن  إجراء المقابلة بسبب انشغالات مدير عام الدفاع المدني.

كذلك توجهنا للسيد بسام الولويل عبر الهاتف والرسائل النصية لإعطائه حق الرد بخصوص قضية الرخص  لكننا لم نتلقَ رداً، وحيث أنه كان عضواً في هيئة المدن الصناعية وأيضاً رئيس مجلس الإدارة لشركة تطوير أريحا، أي يشغل منصبين في آنٍ واحد، وفي هذه الحالة قد تكون المصالح المشتركة بين المنصبين قد أفضت إلى الموافقة على المنحة التي رفضت سابقاً من وزارة المالية، رغم عدم صرفها حتى اللحظة.

 

هل هناك تضاربٌ في المصالح؟

وفي حالة ثبوت تسهيلات المنحة المالية التي هي بالأصل من اختصاص الشركة المطورة وأيضاً تسهيل الحصول على رخص دفاع مدني بدون توافر شبكة أولية فهذا يعني أن تضارباً في المصالح حصل وهو أمر غير قانوني وفي هذا السياق يقول د. أحمد الأشقر القانوني والقاضي السابق: "يعتبر تضارب المصالح أحد الأشكال المعتبرة لتجريم الكثير من الأفعال الداخلة في نطاق قانون مكافحة الفساد، وبالتالي وجود أي شبه تدفع باتجاه وجود تضارب في مصلحة الشخص الذي يتولى أي مركز في الوظيفة العامة أو في المؤسسات الخاضعة لقانون هيئة مكافحة الفساد، ووجوده في أي مركز آخر، فإن هذا سيؤدي بالضرورة إلى تحقيق تضارب المصالح، الذي يعتبر جريمة مكونة لأحد أركان جرائم الفساد المنصوص عليها في قوانين مكافحة الفساد والقوانين ذات الصلة، ومفهوم تضارب المصالح هو مفهوم يجوز التوسع فيه حماية للمصلحة العامة من الحق العام، ولكن ذلك يخضع بالتقدير النهائي للمحكمة المختصة، لترى إذا ما كان هناك تضارب مصالح حقيقي أو شكلي، أو أن هناك حاجة لإثبات عناصر هذا التضارب من حيث مدى وجود ارتباط مصلحي ما بين المنصبين القانونيين اللذين يتولاهما ذات الشخص".

ويضيف: "إن ثبت وجود تضارب مصالح وهذا تحقق في هيئة مكافحة الفساد، يتم تحويل القضية إلى النيابة العامة، النيابة العامة بدورها تجري تحقيقاتها، ولها أن تحيل الملف إلى المحكمة المختصة، وإن ثبت في المحكمة تضارب المصالح الذي يؤدي المساس بالأموال العامة، فإن ذلك يعني إيقاع العقوبة التي نص عليها القانون في هذه الحالة ويخضع تقدير الحد الأدنى والحد الأعلى فيها للمحكمة المختصة".

أضرار جماعية

ويؤكد سعادة أن الضرر لم يقع عليه وحده فقال: "لم يسلم أحد من مستثمري المنطقة الصناعية من المشاكل الموجودة فيها، وكل مشكلة كانت تكبدهم وقتاً وجهداً واستنزافاً مادياً كبيراً، ومحاولاتهم الحالية بالاستمرار هي لتعويض خساراتهم السابقة، فليس قرار الخروج من المنطقة الصناعية سهلاً، خاصة في ظل وضعهم ملايين الدولارات لأجل الاستثمار والاعتماد على مصانعهم كمصدر رزقٍ لهم، وفي حالة سعادة فإن تكلفة بناء مصنعه وصلت لسبعة ملايين دولار.

وحتى كتابة هذا التقرير ونشره 27/4/2021 لا تزال المنطقة الصناعية بدون مركز دفاع مدني، الأمر الذي يشكل خطراً على كل العاملين فيها، لأن حوادث العمل والحرائق ممكنة الحصول في أي وقت، يقول سعادة: "أفنيت جهد عمري ودم أسرتي في هذا المصنع ولا أستطيع تدميره بهذه السهولة، يجب أن أستمر بأقل الأضرار لأجل تعويض ما حدث في مصنعي، لكننا نريد ضمانات حماية وأمان على الأقل، فهذا حق على الشركة المطورة منصوص في عقد الامتياز وعليها البدء الفوري بالتنفيذ".