تحدث الدكتور ناصر القدوة في مؤتمر صحفي من غزة عقب قرار تأجيل الانتخابات الذي أصدرته لجنة الانتخابات المركزية، لاحقاً لقرار الرئيس بذلك. مؤكداً في حديثه أن مرحلة ما قبل الانتخابات قد ولّعت بغير رجعة، مشيراً بالدرجة الرئيسية إلى الانقسام السياسي بين فتح وحماس، ورفعَ سقفَ التوقعات إلى ضرورة وجود حوار وطني جامع للفصائل والقوائم يتجاوز التعديلات الشكلية أو السطحية حسب ما أسماها.
فالسؤال المركزيّ الآن، ماذا لو لم يحدث ذلك وبقي الوضع على ما هو عليه ؟ ما الذي تستطيع فعله قائمة الحرية برئاسة القدوة ودعم مروان البرغوثي لفرض توصيات الملتقى الوطني الديمقراطي؟
أخطأ القدوة برأيي حينما طالبَ بتغيير قانون الانتخابات، لأنّ ذلك سوفَ يلغي اجتياز 36 قائمة للشروط التي حددها القانون وللطعون المقدمة أمام محكمة قضايا الانتخابات من حيث أهلية الترشح للمجلس التشريعي، بمعنى أن عملية الانتخابات تأجلت بعد اجتيازها مرحلة مهمة وكبيرة، لا يجب العودة إليها مرة أخرى في حال تم الاتفاق على كيفية إجرائها في القدس، أو نجحت ضغوط دولية في هذه المساعي، حينها يجب التوجه مباشرةً إلى مرحلة الدعاية الانتخابية وإعلان البرامج، لكنّ تعديل القانون سيعيد فرصة الطعن بالقوائم لأجل إشكاليات لم يوفق القدوة بتوضيحها في مؤتمره الصحفي ولم يبيّن مدى ضرورتها.
يبدو أن القدوة بدا راضياً عن قرار التأجيل ربما لأنه يتفق مع تصريحاته الأولى التي استنكرت مرسوم الانتخابات منذ البداية ورأت فيه استعجالاً غير مبرر، حيثُ كان يشدد على أهمية الحوار الوطني الاستباقي وتحضير الأرضية المناسبة -حسب تعبيره- لإجراء الانتخابات والإجابة على جميع أسئلتها بما فيها كيفية إجرائها في القدس، فلم أجد (البراغماتية العرفاتية) التي يدعي القدوة أنه تتلمذ في مدرستها عند مطالبته بتعديل القانون.
لكننا لم نجب على السؤال الأول: حول ماذا يستطيع أن يفعل ناصر القدوة أو قائمة الحرية ؟
حتى لو تمّ تغيير قانون الانتخابات، فذلك لا يلغي شبكة العلاقات التي تأسست وأعلنت عن نفسها ضمن القوائم المرشحة، ولا يلغي المبالغ المالية التي رصدت للحملات الإعلامية والجولات التعريفية، والاستعدادات الذهنية والنفسية لممارسة العمل السياسي.
ولا تخفى المصلحة المشتركة بين جميع مرشحي القوائم المتضررة من قرار التأجيل بما فيها قائمة حركة حماس صاحبة السلطة والنفوذ في قطاع غزة، خصوصاً أن قائمتين من 36 تتحدثان بلسان جذورهما الفتحاوية، ولهما مرافعات حول شرعية انتمائهما لحركة فتح. كما أن بين القوائم المرشّحة من يمتلك الفضائيات و وسائل الإعلام، و له داعمون دوليون وإقليميون مثل حركة حماس وقائمة المستقبل التي لم يعد العمل ضمن إطارها مُجرماً بتهمة الدحلانية.
132 مرشحاً في 36 قائمة يتجاوزون 4000 شخصاً من الرجال والنساء والشباب ترشحوا ليكونوا أعضاء في المجلس التشريعي، ويرون في أنفسهم شخصيات قيادية ومثقفة ونشيطة وذات رصيد اجتماعي يسمح لهم بالعمل السياسي وجمع الأصوات. كما أن الإعلان عن الانتخابات فتح شهية المجتمع للممارسة الديمقراطية والتغيير السياسي خصوصاً بعد وقفة شباب وصبايا القدس في باب العمود، الأمر الذي يحرّض الصحفيين والكتاب والشخصيات العامة والأكاديميين والمحللين على مواصلة الجدل والنقاش بشأن التغيير السياسي.
هؤلاء جميعاً لهم المصلحة في تشكيل موجة خطابية مطالبة بالتغيير السياسي، يستطيعون بواسطتها التأثير على الوعي الجمعي من جهةٍ وعلى القرار السياسي الفلسطيني من جهة أخرى.