الحدث- علا عطا لله
رغم عدم إلمامه كثيرا بشؤون كرة القدم، يجلس الشاب حسن البلعاوي على أحد مقاعد مدرجات ملعب "اليرموك" وسط مدينة غزة، وعيونه تراقب باهتمام مجريات مباراة بين فريقين يتنافسان على لقب بطولة دوري غزة الممتاز.
نتيجة المباراة لا تعني شيئا بالنسبة لهذا الشاب (25 عاما) في قطاع غزة، فكل ما يريده هو "التنفيس عن الهموم"، كما قال البلعاوي.
فالجلوس برفقة مجموعة من أصدقائه على مدرجات الملعب لأكثر من تسعين دقيقة أنسى البلعاوي "التعقيدات اليومية"، التي يخلفها الواقع السياسي والإنساني في القطاع، الذي يقطنه نحو 1.9 مليون شخص، على مساحة من الأرض تبلغ 360 كيلومترا مربعا فقط، ما يجعله أكثر مناطق العالم اكتظاظا بالسكان.
البلعاوي قال إنه لم يكن مهتما من قبل بمتابعة كرة القدم، سواء المحلية أو العالمية، غير أن ظروف الحصار، وما وصفه بـ"الكبت"، جراء تراكم الهموم، دفعته نحو الذهاب إلى الملاعب.
فالشاب الفلسطيني رأى أن "الحصار خنق غزة من كل الجوانب، ولم يعد هناك أي متنفس.. وجدت الكثير من أصدقائي يذهبون إلى الملاعب لمتابعة مباريات دوري كرة القدم.. في ظل أزمة الكهرباء المستمرة منذ نحو عقد من الزمان، نريد أن ننسى، وأجواء المباريات تبعدنا قليلا عن التوتر والقلق".
وجراء انقطاع التيار الكهربائي، وفقا لمتابعين للشأن الرياضي، زاد عدد من يتابعون مباريات كرة القدم من مدرجات خمس ملاعب رئيسية، لا سيما بين الشباب؛ لغياب وسائل الترفيه، مثل التلفاز وألعاب الحاسوب.
وشعر الشاب أنس الغفري (26 عاما)، بالسرور وهو يتفاعل مع هتافات الجماهير وصيحات الحماس التي تتعالى مع كل هجمة بين فريقي "خدمات الشاطئ" و"شباب رفح" (يوم 14 من الشهر الجاري).
وقال الغفري: "أنسى في دقائق التشجيع ومتابعة المباراة أي حدث يتعلق بالسياسة والوضع الإنساني والاقتصادي المتردي".
ومضى قائلا: "لا عمل (لا أجد عملا)، والأوضاع تزداد سوءا، نأتي هنا من أجل أن ننسى أننا في أكبر سجن مفتوح في العالم".
ومع ظروف الحصار وتردي الأوضاع الاقتصادية، فإن دخول مباريات كرة القدم، التي تذاع فقط على موجات الإذاعة، يكون بأسعار رمزية، فثمن تذكرة المبارة لا يتجاوز 2 شيكل.
وللأسر نصيب في مدرجات "الساحرة المستديرة"، حيث يحرص البعض على اصطحاب الأفراد في أسرهم، بحثا عن ترفيه مشترك.
أحد هؤلاء هو أنور ناجي (45 عاما)، حيث يصطحب أبنائه الثلاثة إلى الملعب لمتابعة المباريات في تغيير لما وصفه بـ"الجو القاتم"، والكئيب الذي خلفته سنوات الحصار والانقسام بين الفصائل الفلسطينية.
وفيما يبيع الباعة المتجولون، المنتشرون بين المدرجات، المكسرات والمرطبات، أضاف ناجي أن "الكثير من الفلسطينيين في غزة بدأوا في التوافد على المدرجات بحثا عن الراحة".
ورأى وائل عويضة، وهو إعلامي رياضي فلسطيني، في الإقبال الجماهيري على مباريات الدوري، "أمرا طبيعيا في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عام 2006، بالتزامن مع كافة الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة، وفي مقدمتها أزمة انقطاع التيار الكهربائي".
وأشاد عويضة بازدياد الوعي الكروي والاهتمام الكبير من قبل الفلسطينيين في غزة بالدوري المحلي ونتائجه من ناحية كروية وتشجيعية، إلا أنه يعترف بأن الأوضاع الإنسانية في القطاع لعبت دورا في هذا الإقبال.
وتابع عويضة، بقوله إن "نحو 20 ألف متفرج تابعوا في ملعب اليرموك مباراة اتحاد الشجاعية واتحاد خانيونس (يوم 13 من الشهر الجاري)، ومن الطبيعي أن يضم هذا العدد الكبير أشخاصا جاءوا من أجل المتعة، ونسيان ما يكابدونه من هم يومي".
ورأى الإعلامي الرياضي أن "الدوري في غزة بدأ في منافسة دوريات عربية وأوروبية من حيث الاهتمام الجماهيري والإعلامي".
ويسكن شغف كرة القدم، المُلقبة بـ"الساحرة المستديرة"، الشارع الفلسطيني بكافة فئاته، وتحظى الكرة الأوروبية باهتمام واسع بين الجماهير، ويحتل الدوري الإسباني أولى هذه الاهتمامات، لضمه كوكبة من نجوم العالم، يتقدمهم الأرجنتيني ليونيل ميسي، مهاجم برشلونة، والبرتغالي كريستيانو رونالدو مهاجم ريـال مدريد.
المصدر: الاناضول