الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

انعكاسات الحرب على الصحة النفسية للغزيين

2021-05-19 11:23:51 AM
انعكاسات الحرب على الصحة النفسية للغزيين
طفلة غزيّة -أرشيفية

الحدث - سوار عبد ربه

ليست هذه أول حرب يخوضها الغزيون منذ مجيء الاحتلال حتى اليوم، وكل حرب كان لها ما لها من آثار جسيمة على الحجر والبشر، فارتقى الشهداء وسجلت عشرات الآلاف من الإصابات، ناهيك عن الآثار النفسية والمجتمعية، التي في الغالب لا تحصد اهتماما كبيرا نتيجة عدم الوعي الكافي بالأمراض النفسية التي تنتج عن الحروب والكوارث، لكن في العدوان الأخير والمستمر على قطاع غزة، يمكن للمتابع على صفحات التواصل الاجتماعي أن يلحظ قدرا واسعا من تركيز الناس على الصحة النفسية لأهالي القطاع لا سيما الأطفال منهم، نتيجة الصور ومقاطع الفيديو التي يتداولها رواد هذه المواقع والتي كان لكل واحدة منها وقعها الخاص على الملتقي.

حتى أن كثيرا من النشطاء أدركوا مؤخرا الآثار النفسية التي تخلفها الحروب على المجتمعات، ونشروا في هذا الجانب، بالإضافة لأن عددا من الخبراء في مجال الصحة النفسية تطوعوا لتقديم المساعدة بالمجان لإعادة تأهيل أهالي القطاع المتضررين بعد انتهاء الحرب.

ومن بين مجموعة من المتطوعين قالت الأخصائية النفسية نهى إدريس، إنها ستركز في الفترة الحالية من خلال المحتوى الذي ستقدمه على التحدث بشكل مفصل حول الصحة النفسية للطفل في ظروف الحرب، مشيرة إلى أن هذا سلاحها الوحيد في هذه المعركة.

وكان من أبرز المقاطع التي لقيت رواجا واسعا وتأثيرا كبيرا، مقطعا لطفل رضيع غزيّ، غير قادر على إغماض عينيه نتيجة صدمة تعرض لها على إثر العدوان الإسرائيلي على القطاع، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه وفقا لذوي التخصص من أطباء ومعالجين نفسيين، من أشهر الاضطرابات النفسية التي تخلفها ضغوطات بيئة الحرب هي: اضطرابات ما بعد الصدمة PTSD.

 

ويعرف اضطراب ما بعد الصدمة على أنه الأكثر شيوعا نتيجة الحرب، وتكون الصدمة نتيجة خطر غير متوقع يهدد حياة الشخص وأمانه النفسي، ويصعب علاجه.

وككل حدث تبقى صورة من مجموعة كبيرة عالقة في أذهان الناس، تترك فيهم أثرا وتحرك في دواخلهم شيئا ما وتدفعهم لتداولها في كافة الأوساط، وترتبط بشكل مكثف في الحدث الحالي، وفي الغالب تكون الصورة مرتبطة بطفل كصورة الشهيد الطفل محمد الدرة، وصورة الشهيدة الطفلة إيمان حجو، والشهيد الطفل فارس عودة والطفل السوري ايلان الكردي وغيرهم الكثير.

وهنا توضح الأخصائية في علم النفس المجتمعي غادة السخن في لقاء مع صحيفة الحدث، أنه يتم تداول صور الأطفال بكثرة، لأنهم يمثلون عنوانا للبراءة والإنسانية التي لا ترتبط بأي توجه سياسي، وليس لهم علاقة بالأوضاع التي تحدث.

وفيما يتعلق بموضوع التعود، تقول السخن إن الإنسان دائما يخلق أدوات وآليات كي يتعامل مع الواقع الذي يعيشه، وليس من الطبيعي أن يتعود الإنسان على فكرة أن تكون حياته مهددة بالخطر، فالإنسان بطبعه يعيش أمل التمتع بحياة أفضل، موضحة أن القصف على غزة يكون على فترات معينة ثم يتوقف ومع كل مرة يتوقف فيها يتجدد الأمل.

وتطرقت السخن لموضوع الخطاب الذي يتبناه أهالي القطاع في وسائل الإعلام وهو الخطاب الوطني الخالص الذي تظهر فيه روح الجمعية، والتي تعتبر عنصرا مساعدا، يبعث الصبر في نفوسهم ويخفف من صعوبة الحدث، وهو الخطاب الذي يمكن تلخيصه في جملة يرددها الغزيون بكثرة "فداء للقدس والأقصى، والوطن عامة".

وأشارت السخن إلى وجوب شرعنة مشاعر الخوف والقلق والسخط والغضب، إلى جانب الخطاب الوطني، فهذا أمر إنساني وفطري، وما يحدث من تجاهل لفكرة التعبير عن مشاعر الخوف بدعوى منطقة الأشياء وعقلنتها، يجعل هذا الخطاب مغيبا.

وتشهد فلسطين منذ بداية شهر رمضان هبة شعبية مستمرة، بدأت في القدس وامتدت إلى الداخل الفلسطيني المحتل، والضفة المحتلة، لكن الأحداث الأكثر دموية الآن تتركز في غزة نتيجة العدوان العنيف على القطاع لا سيما في ساعات الليل المتأخر والتي أسفرت، عن 219 شهيدا بينهم 63 طفلا و36 سيدة و16 مسن، و1530 إصابة منذ بداية العدوان حتى آخر إحصائية صدرت عن وزارة الصحة صباح الأربعاء 19/5/2021.

وفي هذا الجانب تشير السخن إلى أن الشعب في مرحلة ما أصابته حالة يأس، ما جعل البعض يتعامل مع الاحتلال كأمر واقع، لكن ما يحدث اليوم من تكافل بين أبناء الشعب الفلسطيني من البحر إلى النهر يعطي دفعة معنوية للغزيين وللفلسطينيين عامة، لا سيما وأنه جاء بعد فترة طويلة منقطة.

ونوهت الأخصائية إلى أن الأحداث الأخيرة صوبت البوصلة نحو فلسطين، وجعلت أناسا بعيدين ومغيبين عن الواقع السياسي ينظرون برؤية نقدية ودبت فيهم الطاقة كي يعبروا عن أنفسهم.

في سياق متصل تداول نشطاء التواصل الاجتماعي نقلا عن خبراء الصحة النفسية تعليمات لتجنب الاحتراق النفسي أثناء دعم القضية، تمثلت في متابعة الأخبار على مراحل، تنوع سبل الدعم، مراقبة الجسد وتقبل ردود الأفعال، التذكر بأن النضال مستمر، مسامحة النفس، التعبير عن المشاعر وعدم الانجرار وراء المعارك الجانبية.

وترى الأخصائية في علم النفس المجتمعي غادة السخن أن التواجد في الميدان والمشاركة يخففان من الضغط النفسي الواقع علينا في هذه الأحداث، وإذا ما قارنا الآثار النفسية للتواجد في الميدان مقابل الآثار النفسية لمتابعة الأخبار عن بعد، نجد أنها تجعلنا مغتربين عن المجتمع، والتجربة النفسية تكون أسوأ.

وفي سياق متصل، يعمد الاحتلال إلى استهداف نفسية الشباب وتحطيمها في طرق التفافية وغير مباشرة إذ ظهر هذا بوضوح في العدوان الحالي على القطاع، من خلال استهداف الأبراج السكنية، وهذا ما أكده الشيف الفلسطيني المعروف عبر وسائل التواصل الاجتماعي أبو جوليا قائلا: "الاحتلال يتعمد قصف الأبراج في غزة وذلك في محاولة منه لاستهداف ذكريات الشباب الفلسطيني ومستقبلهم حيث أن هذه الأبراج غالباً ما تضم الشركات والمراكز التعليمية كونها تتمتع بخدمة الكهرباء طيلة 24 ساعة لوجود مولدات كهربائية فيها".

وأشار إلى أن القطاع لا يوجد فيه أي مناح للاستمتاع إلى جانب الحروب، والأبراج السكنية المكونة من طوابق عديدة تشكل لهم متنفسا وحيدا".

وقصف الاحتلال منذ بداية العدوان 5 أبراج سكنية، وآلاف المنازل والبيوت السكنية، إضافة إلى مقرات حكومية ومنشآت عامة وغيرها.