الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

غزة تبتلع نتنياهو من أجل القدس/ بقلم: راسم عبيدات

2021-05-23 12:18:56 PM
غزة تبتلع نتنياهو من أجل القدس/ بقلم: راسم عبيدات
راسم عبيدات

نعم غزة نجحت في ابتلاع نتنياهو وجيشه الذي حشده على قطاع غزة وطائراته ومدفعيته التي قصفت على مدار 11 يوماً المباني المدنية ودفنت الأطفال تحتها أحياء، مدمرة الأبراج السكنية ومقرات وسائل الإعلام ومقرات الأمم المتحدة والبنى التحتية والطرق وشبكات المياه والصرف الصحي وشبكات الكهرباء.

لم ينجح نتنياهو في تحقيق أي هدف من أهداف هذه الحرب التدميرية، وهو الباحث عن وهم نصر في قطاع غزة لينقذ مستقبلية السياسي والشخصي، وقد استنفذ بنك أهدافه، في حرب عدوانية تصعيدية تدميرية أرادها أن تسهم في زيادة حظوظه في أن يتبجح بالقول لمجتمعه أنا ملك إسرائيل الذي يجلب لكم كل شيء، الأمن والرفاه الااقتصادي ولقاح جائحة ”كورونا” وتدمير قوى المقاومة وإحضار رؤوس قادتها الكبار لكم على طبق من ذهب، وإنهاء أسطورة محمد الضيف، وتدمير الأنفاق الهجومية والدفاعية، وقطع خطوط إنتاج المقاومة من الصواريخ، ووقف إطلاقها نحو مغتصبات محيط غزة وعلى عمق دولة الكيان.

نتنياهو حتى اللحظة الأخيرة التي سبقت وقف إطلاق نار بدون شروط متزامن ومتبادل وبدون اتفاق مكتوب وتفاهمات، كثف من قصفه وغاراته على القطاع لعله ينجح في اصطياد عدد من قادة المقاومة  تمنحه ما يمكن أن يسوقه لمجتمعه الصهيوني  وأحزاب  دولته على أنه نصر، نتنياهو المثخن بالجراح والمترنح كالثور الهائج لم يبلغ مبتغاه، بل إن المقاومة حققت نصرا مستحقا على جيشه ودولته، وعلى لسان القائد محمد ضيف، قال زيادة وإمعاناً في التهشيم السياسي والعسكري لنتنياهو ولجيشه بأن المقاومة كانت تعد لضربة صاروخية تطال كل مساحة جغرافيا فلسطين التاريخية، معيدة توحيد هذا الشعب ومؤكدة على نظرية دفاعية طورتها بأن الكل الفلسطيني يدافع عن الكل، والجزء يدافع عن الكل، والكل يدافع عن الجزء.

نعم دولة الااحتلال خرجت مهشمة على الصعيدين العسكري والسياسي، غزة المحاصرة والتي لا تزيد مساحتها عن 150ميلاً مربعاً، هي ليست روسيا الممتدة من أقصى آسيا الى أقصى غرب أوروبا  وليست قارة كالصين، ولكنها رغم كل الحصار والتجويع من قبل الأعداء قبل من يسمون أنفسهم بأبناء الجلدة، هزموا ما ظل “بعبع”  يخيف عرب النظام الرسمي العربي، المعانين من ”الاارتعاش” السياسي والدونية في التعامل العدو والشيطان الأمريكي، هزم ما يسمى بالجيش الذي لا يقهر، وغاص زعيمه المتغطرس والمتبجح نتنياهو في رمال غزة ووحولها، وأظنه قد انتحر سياسياً وشخصياً على بوابات قطاع غزة وصمود أهلها ونصر مقاومتها ويتجه نحو الإدانة بالتهم المنظورة ضده أمام القضاء الصهيوني الرشوة وسوء الاائتمان وخيانة الأمانة ليدخل السجن لسنوات كما هو سلفه أولمرت. 

نعم انتصر ”سيف القدس” على “حارس الأسوار” بالنقاط، فهذه المرة الأولى التي تبادر فيها المقاومة للحرب نصرة للقدس والأقصى والشيخ جراح عنوان المعركة، معلنة عن ربط وحدة المصير والمسار ما بين القدس وغزة، ومكتسبة لشرعيتها كعنوان للنضال الفلسطيني، حيث عملت الفصائل عبر غرفة عمليات مشتركة، وفق خطة واحدة وكلمة واحدة، وحدها الدم والمصير والهدف، فهي مقاومة عملت من أجل فلسطين، وليس من أجل خدمة أجندات لهذا الفصيل أو ذاك، مقاومة جاءت لكي تترجم نظرياتها وشعاراتها إلى فعل في أرض الواقع بأن كلفة المقاومة أقل من كلفة الهزيمة، ولتحدث حالة ردع وتوازن رعب مع المحتل، ولتقول بأن زمن النكبات والهزائم قد ولى، وها هي صواريخ المقاومة التي كان أصحاب الاارتعاشية الإنهزامية يتهكمون عليها ويسمونها  بالعبثية أو بالمواسير، تحدث تعديلاً في ميزان القوى مع المحتل، تراكم المزيد من الإنجازات والاانتصارات  على طريق التحرير والحرية، فنحن نعرف جيداً بأننا لن ننتصر على عدو يمتلك أعتى ترسانة عسكرية في المنطقة  في جولة واحدة أو هبة أو انتفاضة، ولكن هذا تركيم وتزخيم على درجة كبيرة من الأهمية، فلأول مرة نشهد أن هناك تحولا مفصليا في الصراع التاريخي مع المحتل، وهذه المعركة في القدس وغزة والداخل الفلسطيني  -48 – والضفة الغربية  مفاعيلها وتداعياتها ونتائحها، ستكون أهم من أي معركة خاضها الفلسطينيون والعرب مع الاحتلال لسنوات طويلة، هذه المعركة تحمل أبعاداً استراتيجية  وتحولات أساسية في مجرى الصراع التاريخي مع المحتل.

مع توقف الحرب العدوانية ودخول الهدنة حيز التنفيذ، رأينا سهام النقد تنصب على رأس نتنياهو من قبل قادة الأحزاب الإسرائيلية المناؤة له من اليمين واليمين المتطرف وحتى من داخل حزبه “الليكود” بأنه قاد دولة الاحتلال 'لى كارثة في هذه الحرب التصعيدية على قطاع غزة خدمة لأهدافه السياسية والحزبية والشخصية، وبأن وقف إطلاق النار بدون شروط  حسب تصريحات  وردت على لسان العديد من أعضاء وقادة الأحزاب الإسرائيلية  ايليت شاكيد ”يمينا” جدعون ساعر ”الأمل الجديد” بن غفير ”الصهيونية الدينية”  وافي معوز ” نوعم”، بأن هذا الوقف خطأ جسيم ومس خطير بقوة الردع الصهيونية وبصقة في وجه سكان مستوطنات محيط غزة، ويضع مصيرها تحت رحمة صواريخ حماس وعار على دولة الاحتلال.

نعم هذه الحرب العدوانية التدميرية هشمت كيان الااحتلال عسكريا وسياسياً، فصواريخ المقاومة استمرت بالتساقط على مغتصبات غلاف غزة وعمق دولة الاحتلال حتى آخر لحظة قبيل وقف إطلاق النار  بنفس الوتيرة وحتى بوتائر أعلى والقبة الحديدية فخر الصناعات العسكرية الإسرائيلية وذات التكنولوجيا المعقدة والثمن الباهظ فشلت في اعتراض الكثير من صواريخ المقاومة، هذه القبة الحديدية التي بعد سقوط الصاروخ المنطلق من سوريا في محيط منشاة “ديمونه” النووية في النقب دون أن تنجح في اعتراضه، ثبت بأنها تعاني من خلل استراتيجي متكرر وليس تقنيا، ولذلك الشريك المباشر للعدو في العدوان على شعبنا  بايدن قال بان أمريكا ستواصل العمل مع دولة الاحتلال على تطوير القبة الحديدية  لصد صواريخ المقاومة.

في حين الخيار البري الذي لوح به قادة دولة الاحتلال نتنياهو وغانتس وكوخافي لم يجرؤوا على وضعه موضع التنفيذ، فهم يدركون جيداً بأن اقتحاماً برياً للقطاع يعني بأن غزة ستكون مقبرة لجنودهم ومعداتهم من ناقلات جند ومدرعات ودبابات، وستكون غزة ”ستالينغراد” صغرى.

أما على صعيد التهشيم السياسي، فالاحتلال فقد جزءا كبيرا من صورته الخارجية، فالجماهير المليونية العربية التي خرجت لنصرة فلسطين وشعبها ومقاومتها أظهرت اتفاقيات ” ابراهام” التطبيعية  التي تباهى بها نتنياهو بأنها هشة ومعزولة وهامشية كهامشية حلفائه. والاستنهاض لم يكن عربياً وإسلامياً فقط، بل على الصعيد العالمي شاهدنا التعاطف الدولي الكبير مع شعبنا وقضيتنا حتى في عقر دول الظلم والطغيان والااستكبار العالمي أمريكا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، حيث خرجت مئات المظاهرات والمسيرات المنددة بالعدوان على شعبنا والمطالبة بوقف العدوان على أطفال غزة، وفي ذروة هذا الاستنهاض العالمي والعربي لسالح قضيتنا، كانت المقاومة تحقق وحدة شعبنا على طول وعرض جغرافيا فلسطين التاريخية من بحرها لنهرها متشابكة ومتوحدة مع مخيمات اللجوء وفلسطيني الشتات.

هذه الوحدة تسقط خيار عودة أصحاب مدرسة أوسلو الكارثية  و”التفاوض من أجل التفاوض” إلى خيارهم ونهجهم التفاوضي المتجاهل لمصير أراضي الداخل الفلسطيني  – 48 – وحق العودة ومصير القدس، وفي قرار وقف إطلاق النار لم تنجح أمريكا مستعينة بشركائها من دول النظام الرسمي العربي  بحصر التفاوض على قضايا تخص قطاع غزة، دون ربط ذلك بقضية القدس والأقصى والشيخ جراح عنوان هذه المعركة، تحت ذريعة أن ذلك يشكل انتحاراً سياسياً لنتنياهو الذي التزم للمستوطنين بعدم تقديم أي تنازلات تخص مستقبل القدس.

المقاومة واضح بأنها دفنت الخيار التفاوضي وحمت وحدة شعبنا… ومشاهد احتفالات النصر في القدس والضفة الغربية والداخل الفلسطيني- 48 – وقطاع غزة فجر هذا اليوم هي استفتاء نتائجه تقول بأن سلطة أوسلو ذاهبة نحو الخروج من المعادلة السياسية، وبأن ”سيف القدس” الذي استله كل أهل فلسطين من غمده حقق نصراً بالنقاط على ”حارس الأسوار” يراكم لإنجازات وانتصارات قادمة على طريق دحر الاحتلال.