الحدث – رائد أبوبكر
يشتكي الكثير من المرضى في محافظات الضفة الغربية من طول انتظار يفصل بينهم وبين إجرائهم العمليات الجراحية في المشافي الحكومية، فمنهم من ينتظر لأشهر وآخرون لأكثر من عام، الأمر الذي أصاب المرضى بحالة من التذمر والسخط، إما لخوفهم من تفاقم الحالة الصحية، ومنهم من يريد وضع حد لألمه وما يعانيه، فهؤلاء المرضى يلجأون للمشافي الحكومية للتخفيف من التكاليف المالية التي يغطيها التأمين الصحي، لكن تأخير المواعيد هو ما يقعون فيه نتيجة الضغط اليومي الذي تعانيه المشافي الحكومية.
يعاني من آلام شديدة في الظهر وعمليته بعد 13 شهر
الستيني عمر الحسان من مدينة جنين، يعاني من اّلاماً شديدة في الظهر، لدرجة عدم القدرة على الحركة لمسافات طويلة ما أقعده عن العمل في مجال البناء، يقول للحدث: "اعتقدت أنني أصبت بديسك، وعند إجراء الفحوصات من قبل أخصائيين أفادوا أنني مصاب بانزلاق في الغضاريف على الحبل الشوكي وبحاجة لعملية جراحية مستعجلة".
وأضاف: "توجهت إلى مستشفى رفيديا الحكومي في مدينة نابلس، حيث أنني مسجل في التأمين العسكري الخاص بولدي، لإجراء عملية جراحية لأرتاح من ألامي، وطُلب مني التوجه إلى لجنة طبية في رام الله، في شهر يونيو من العام الفائت، التي أكدت بضرورة الاستعجال في إجراء العملية، لكن مشفى رفيديا حجز الموعد بتاريخ 23-7-2015، أي بعد 13 شهراً"، معرباً عن استغرابه لهذا الموعد الطويل رغم التقرير الصادر عن اللجنة الطبية، وعند السؤال عن السبب، أشاروا أنه الموعد المناسب حسب الجدول حيث يسبقه المئات لإجراء ذات العملية، بالإضافة إلى وجود طبيب واحد متخصص في الأعصاب سيقوم بإجراء كل هذه العمليات المسجلة في قائمة الإنتظار، ورغم المحاولات لتقريب الموعد إلا أنها باءت بالفشل.
وتابع حسان حديثه قائلاً "ما كنت أعانيه من اَلام لا تتحمله الجبال، وأريد الانتهاء منها بأي طريقة، توجهت لإحدى المشافي الخاصة، ليتبين أن تكلفة العملية تصل إلى 25 ألف شيكل، وهذا ما أعجز عنه، لأستعين بالمسكنات حتى يأتي موعد العملية".
استدان المال ثمن عملية رضيعه في مشفى خاص
ما مر به الرضيع قصي عبد الرحيم أبو بكر ذو السبعين يوماً تشبه قصة الستيني عمر الحسان، لكن الرضيع أجرى عمليته الجراحية في مشفى خاص، بعد أن استدان والده المال والذي يعمل موظفاً حكومياً، يقول عبد الرحيم أبو بكر من بلدة يعبد للحدث، إن ابنه أصيب "بفتق" في بطنه بعد أسبوع من ولادته، تم تحويله إلى العيادات الخارجية في مستشفى الشهيد الدكتور خليل سليمان الحكومي في جنين في الأول من شهر فبراير من العام الجاري، وبسبب الأزمة تم تأجيل موعد الزيارة للطبيب إلى السادس عشر من ذات الشهر لتحديد موعد العملية الجراحية حيث حجز له يوم الثالث من شهر مايو من العام الجاري، بحجة أن الحالة غير طارئة، رغم أن الطفل يبكي باستمرار وتتشنج رجلاه بسبب الفتق، محاولات عدة لتقريب الموعد، فالطفل لا يهدأ ومستمر في البكاء، إلا أن ذلك مستحيل، فأجريت له العملية في مستشفى الرازي التخصصي في اليوم التالي بتكلفة 1200 شيكل.
وأضاف: "أعمل معلماً في إحدى المدارس الحكومية بجنين، وبسبب أزمة الرواتب، استدنت المبلغ من شقيقي لإجراء العملية، وإلا فالطفل سيبقى على بكائه، لأنه لا يستطيع التعبير عن ألمه إلا بذلك"، متسائلاً: "إذا كانت المشافي الحكومية تعجز عن توفير العلاج في الوقت المناسب فلماذا التأمين الصحي؟ من حقي كمواطن أن أجد العلاج في أي وقت وفي أي مكان، وقائمة الانتظار الطويلة هذه يشجع "البيزنس" الطبي الخاص المتداول بعمل هذه العمليات وغيرها بمستشفيات خاصة يستفيد منها الطبيب والمستشفى".
قائمة الانتظار تشجع "البزنس" الطبي
بدوره أكد أبو أحمد على أن قائمة الانتظار الطويلة في المشافي الحكومي تشجع البزنس الطبي، سارداً قصته وقال للحدث: "توجهت إلى العيادات الخارجية في مشفى جنين الحكومي أربع مرات لألتقي بالطبيب الذي حجز لي موعداً خلال الزيارة الأخيرة بعد ستة أشهر، لإجراء عملية إزالة اللحمية من الأنف، ورأيت أن الموعد طويل لأقصد إحدى المشافي الخاصة في ذات اليوم واتفقت معها على إجراء العملية صباحاً، لأتفاجأ بأن ذات الطبيب الذي التقيته في مشفى جنين الحكومي هو ذات الطبيب الذي سيجري لي العملية الجراحية في المشفى الخاص".
آلية حجز المواعيد في المشافي الحكومية
لمعرفة آلية حجز مواعيد العمليات الجراحية في المستشفيات الحكومية، قال مدير التمريض في مستشفى الشهيد الدكتور خليل سليمان الحكومي أو ما يعرف بمستشفى جنين الحكومي حسين قبها للحدث: "في العادة يتوجه المريض إلى قسم العيادات الخارجية، ويحدد له موعد لمقابلة الطبيب المختص، الذي يحدد حالته الصحية وهل هي بحاجة إلى إجراء عملية مستعجلة أم لا، وبعدها يقوم المريض بالتسجيل في قسم تحديد العمليات، ليُحدد له موعد لاحق، مشيراً إلى أن عدد الزيارات اليومية للعيادات الخارجية 300 مريض، مؤكداً أن الحالات الطارئة لا مكان لها في قائمة الانتظار".
ويُرجع قبها سبب تأخير مواعيد العمليات لفترات متفاوتة، منها تكون طويلة تصل لأكثر من سنة في بعض الأحيان، إلى الإكتظاظ في عدد المسجلين مقارنة بالإمكانيات المتوفرة، من عدد غرف العمليات والطاقم الموجود، وكل ذلك سيؤدي بالتأكيد إلى تراكم الدور، مشيراً، إلى أن عدد غرف العمليات في مستشفى جنين الحكومي أربع غرف، يعمل فيها 45 كادراً من أطباء مختصين وممرضين ومختصي تخدير وغيرهم.
وأوضح، أن 30 عملية جراحية يتم اجراؤها يومياً في مستشفى جنين الحكومي، موزعة بين جراحة عامة وخاصة على عدة تخصصات، عدا عن العمليات الطارئة التي لم تكن في الحسبان كعمليات الولادة وإزالة الزائدة وغيرها، مشدداً، أن إدارة المستشفى والطواقم الطبية تبذل جهداً مضاعفاً، من أجل إرضاء المرضى، إلا أن الإقبال المتزايد يكون أحد العوائق، فنسبة إدخال الأسماء إلى قائمة العمليات الجراحية أكثر من إجراء العمليات الجراحية.
إحصائيات
وتطرق قبها إلى الأعداد ليبين مدى الاكتظاظ في مستشفى جنين الحكومي حيث أشار إلى أن حوالي 7000 عملية أجريت عام 2014 من أصل 22 ألف مريض زاروا العيادات، في المقابل وحتى نهاية شهر شباط من عام 2015 سجلت أكثر من 300 موعد جديد تضاف إلى المواعيد المؤجلة من العام المنصرم، موضحاً أن أكثر العمليات التي تجرى هي جراحة الأنف والأذن والحنجرة حيث يتم إجراء ثلاث عمليات في الأسبوع الواحد، مشيراً إلى أن الأطباء المختصين في هذا المجال، والذين يعملون في المشفى، عددهم اثنان، بينما هناك طبيب واحد فقط في تخصص المسالك البولية، ومستشفى جنين بحاجة إلى أطباء متخصصين من أجل التخفيف من قائمة الانتظار الطويلة.
وأضاف، أنه في عام 2013 تم إجراء 7706 عملية منها 6349 جراحية و1357 ولادة، ويسعى المستشفى، كما يقول قبها، إلى حل مشكلة الاكتظاظ في العمليات في زيادة الطواقم الطبية، وإنشاء مبنى خاص بقسم العيادات الخارجية المكون حالياً من أربع غرف ضيقة.
ويخدم المستشفى الحكومي الوحيد في محافظة جنين أكثر من 300 ألف نسمة في المحافظة، كانت تخدم سابقاً مرضى محافظة طوباس حتى افتتح لهم مستشفى طوباس التركي الحكومي، الأمر الذي خفف الأزمة على مستشفى جنين الحكومي.
قائمة الانتظار موجودة في مشافي العالم
بدوره، قال مدير العلاقات العامة والإعلام في وزارة الصحة الدكتور عمر نصر للحدث، إن سياسة الانتظار موجودة في كل مشافي العالم، الحكومية منها والخاصة، ففي إسرائيل مثلاً، شهد قسم الطوارئ في مستشفياتها الحكومية ازدحاماً غير مألوف، وذلك في شهر شباط من العام الجاري، عدا عن قائمة انتظار العمليات الجراحية وصلت بعض المواعيد لأكثر من سنة، وبالتالي فإن قائمة الانتظار الطويلة ليست في المستشفيات الفلسطينية فقط، مؤكداً أن العمليات الطارئة تجرى فوراً.
أسباب الاكتظاظ في المشافي الحكومية
ويرجع الدكتور نصر سبب الاكتظاظ تحسن الخدمات وتطور المستشفيات الحكومية في الفترة الأخيرة وثقة المواطن بالخدمات التي تقدمها وزارة الصحة، حسب قوله، مشيراً إلى أن المستشفيات الحكومية في الضفة الغربية تستقبل مليون حالة في السنة وتجري 50 ألف عملية جراحية.
واستبعد أن تكون قلة الأطباء المتخصصين أحد الأسباب الرئيسية في تأخر إجراء العمليات الجراحية، مشيراً إلى أن نسبة توزيعهم في المستشفيات هي عوامل مركبة، وهذا لا يعني أن وزارة الصحة اكتفت بالكفاءات الطبية المتخصصة بل تحتاج إلى التخصصات النادرة كجراحة الأوعية الدموية وجراحة الأعصاب، والوزارة تحاول استقطاب كفاءات طبية متخصصة، وتهتم بطواقمها بإرسالهم إلى دورات تدريبية سواء داخل فلسطين أو خارجها لاكتساب الخبرات من ذوي الاختصاص.
الصحة تواجه مشكلة الاكتظاظ بطرق عدة
وأشار الدكتور عمر نصر أن وزارة الصحة تواجه مشكلة اكتظاظ العمليات الجراحية بوضع خطط تنفذ منها على المدى القريب كإطلاق الحملات، موضحاً ذلك بالقول من خلال تخصيص مدة معينة لإجراء عملية جراحية في تخصص معين، مثلاً في حال تراكم الأسماء الذين يريدون إزالة اللحمية فهناك أسبوع كامل لهذا النوع من العمليات الجراحية وهكذا، أما الخطط التي تنفذ على المدى المتوسط وذلك من خلال توسعة المستشفيات الحكومية، فمثلاً مستشفى رفيديا بنابلس تم إضافة أربع غرف عمليات فيها لتصبح 8 غرف، وفي الخليل سيكون قريباً في المستشفى الحكومي 8 غرف عمليات بدل 4، وفي مستشفى يطا تم إنشاء قسم جراحة مما يخفف الضغط على مستشفى الخليل الحكومي، وتم إنشاء مستشفى طوباس الحكومي وبدأ العمل فيه وتقوم بإجراء عمليات جراحية وبحاجة إلى تطوير أكثر.
ومن الخطط التي تنفذ على المدى المتوسط توفير الأجهزة الطبية اللازمة والنادرة، يقول الدكتور نصر، تم وضع جهاز تفتيت الحصى في مستشفى طوباس الحكومي، وهو الجهاز الوحيد في الضفة الغربية حيث كان المرضى يتوجهون إلى مستشفى المقاصد بالقدس، وبالتالي خفف على المواطن معاناة السفر، بالإضافة إلى توفير جهاز غسيل الكلى في كل مشافي وزارة الصحة آخره قبل أسبوعين كان في مستشفى طوباس الذي وفر علاجاً ل 18 مريضاً كانوا مشتتين بين نابلس وجنين.
التخطيط للمدى البعيد
أما على المدى البعيد، تقوم وزارة الصحة، يقول الدكتور نصر، بإنشاء مستشفيات فمثلاً في الخليل التي تعتبر أكبر المحافظات الفلسطينية، تم وضع حجري أساس من قبل رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله لبناء مستشفى في شمال المحافظة واَخر في جنوبها بمساعدة إيطالية تكلفتها 10 مليون يورو.
وأضاف، تقوم أيضاً الوزارة بتوطين جراحة قلب الأطفال والتي سيتم تنفيذها قريباً في عدد من المستشفيات الحكومية، بالإضافة إلى استكمال جراحة القلب، ونادراً ما تقوم الوزارة بتحويل المرضى إلى المستشفيات الخارجية لوجود هذه الخدمة في الوطن.
ومن الحلول الجارية أيضاً، يتابع حديثه، تحويل بعض المرضى إلى المستشفيات الحكومية في المحافظات القريبة والتي لا تشهد اكتظاظاً، كمستشفى سلفيت وأريحا مثلاً، وهذا يساهم في التخفيف على المستشفيات الكبرى كرفيديا وجنين ورام الله والخليل، ورغم هذه الحلول والخطط إلا أن القائمة مازالت مكتظة.
نسبة الإشغال
وتطرق الدكتور نصر إلى أكثر العمليات إجراءً في المستشفيات الحكومية هي عملية إزالة اللوز للأطفال، موضحاً، أن النسبة تتفاوت بين مستشفى وآخر، لأن نسبة الإشغال في مستشفى الخليل تفوق ال 100% بينما في مستشفى رفيديا قاربت على نسبة 100%.
وختم حديثه برسالة إلى المواطنين، داعياً إلى التعاون مع وزارة الصحة وتفهم الأمر، لأن طاقمها بكل مستوياتها الإدارية وموظفيها والعاملين فيها يسعون جاهدين لتوفير ما يحتاجه المواطن، ضمن الإمكانيات الموجودة والمتوفرة.