الحدث العربي والدولي
قبل 11 يوماً من انتهاء الحرب بين فصائل المقاومة في غزة وإسرائيل بوقف إطلاق النار، أجرى الرئيس الأمريكي جو بايدن ست مكالمات هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وواحدة مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأخرى مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ولمعرفة ماذا دار في هذه المكالمات كشف موقع Axios تفاصيل بعضها بالتواصل مع ثلاثة مصادر أمريكية وإسرائيلية شاركت بدرجة كبيرة في هذه الجهود الدبلوماسية. وطلبوا عدم الكشف عن هويتهم ليتمكنوا من الحديث بحرية.
قبل العاصفة
التحذيرات بدأت في أواخر أبريل/نيسان.
وبحسب الموقع الأمريكي، نبّه مسؤولون وخبراء في واشنطن البيت الأبيض إلى أن تأجيل الانتخابات البرلمانية الفلسطينية، إلى جانب الاحتجاجات على الطرد الوشيك للعائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، قد ينذر بأزمة جديدة، لكن البيت الأبيض لم يأخذ هذه التحذيرات على محمل الجد في البداية. وظل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في قائمة أولوياته الأدنى.
ثم جاءت المواجهات بين الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين الفلسطينيين في المسجد الأقصى، التي وصلت إلى ذروتها بعد مداهمة نفذتها الشرطة في 10 مايو/أيار أصيب خلالها مئات الفلسطينيين وعدد من أفراد الشرطة.
في اليوم السابق، مع التصاعد السريع للتوترات، اتصل مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان بنظيره الإسرائيلي، مائير بن شبات، فيما تحدثت نائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان إلى المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، ألون أوشبيز.
ماذا كان يريد بايدن؟
وبحسب مصادر الموقع الأمريكي كان لدى إدارة بايدن ثلاثة مطالب مباشرة لإسرائيل: وقف عمليات الإخلاء في حي الشيخ جراح، والحد من التوترات في الحرم القدسي، وإلغاء موكب العلم السنوي في يوم القدس.
ورغم تصريح المسؤولين الإسرائيليين لوسائل الإعلام حينها بأن بن شبات رفض مطالب سوليفان، معتبراً إياها مكافآة لمن سماهم "إرهابيين"، امتثل نتنياهو لها يوم 10 مايو/أيار.
نتنياهو طلب من المحكمة العليا تأجيل حكمها المتعلق بالإخلاء، وحظر زيارات اليهود إلى الحرم القدسي، وغير مسار موكب العلم حتى لا يمر عبر حي المسلمين في البلدة القديمة في القدس لكن الأوان قد فات بالفعل. فبعد انتهاء المهلة التي حددتها حماس لإخراج جميع قوات الأمن الإسرائيلية من المسجد الأقصى والشيخ جراح، أطلقت الحركة سبعة صواريخ على القدس.
قواعد اللعبة تغيرت
وبحسب الموقع الأمريكي اتصل مساعدو نتنياهو بالبيت الأبيض لينقلوا إليه رسالة واضحة: قواعد اللعبة تغيرت وإسرائيل ستُقدم الآن على تنفيذ عملية عسكرية في غزة.
كان أول ما خطر ببال المسؤولين في البيت الأبيض هو التدخل بدور فعال، مثلما فعلت الإدارات السابقة. لكن الرئيس بايدن وكبار مستشاريه اتفقوا على تبني نهج مختلف.
ومن العوامل التي دفعتهم إلى ذلك الذكريات المؤلمة لحرب غزة عام 2014، التي نفذت إسرائيل خلالها غزواً برياً، وخلفت ما يقرب من 2500 شهيد فلسطيني، كثير منهم من المدنيين، فضلاً عن مقتل 69 جندياً إسرائيلياً وخمسة مدنيين إسرائيليين.
ومن الدروس التي استخلصوها من حرب 2014 هو أن الموقف العلني لأوباما ركز الاهتمام الدولي على الولايات المتحدة وجعل إسرائيل في موقف دفاعي، وأدى ذلك إلى تقويض الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار، بحسب الموقع الأمريكي.
وبعدها أبلغ بايدن كبار مستشاريه أن الولايات المتحدة ستتعامل مع الأزمة هذه المرة عن طريق جهود دبلوماسية مكثفة ولكن سرية مع إسرائيل ومصر.
تبنى بايدن استراتيجية مزدوجة: دعم إسرائيل علناً وفي الوقت نفسه حث نتنياهو سراً على إنهاء العملية في أقرب وقت ممكن وتقليل الخسائر في صفوف المدنيين.
وقال بايدن لفريقه إن الولايات المتحدة لن تدعو علناً إلى وقف إطلاق النار ولن تتعامل مع هذه القضية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
نقطة تحول
في الأيام القليلة الأولى من العملية، تصاعدت الإدانة الدولية إلى جانب عدد الضحايا المدنيين في غزة، ولكن حتى سراً، ركزت رسالة بايدن على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل.
ولكن بعد قصف إسرائيل بناية في غزة تضم مكاتب إعلامية منها قناة الجزيرة وكالة أسوشيتد برس ووسائل إعلامية أخرى، أجرى بايدن -تحت ضغط داخلي متزايد للدفع بوقف إطلاق النار- مكالمة ثانية مع نتنياهو، لكنه ركز هذه المرة على وقف التصعيد.
واتصل بايدن بعباس أيضاً، وحثه على إرسال قوات الأمن الفلسطينية لتكون بمثابة حاجز بين الجنود الإسرائيليين والمتظاهرين الفلسطينيين حتى لا تمتد أزمة غزة إلى الضفة الغربية المحتلة. وتعهد عباس بفعل ذلك.
ومطلع ذاك الأسبوع، أدرك البيت الأبيض أن مصر هي الوسيط الفعال الوحيد الذي يمكنه تسهيل وقف متبادل لإطلاق النار. وبين يومي الأحد والإثنين، بدأ المسؤولون الأمريكيون يرون دلائل على أن وقف إطلاق النار ممكن.
وبحسب الموقع الأمريكي توصلت مصر إلى اتفاق سري مع حماس لوقف ضرب تل أبيب. واستمر هذا الهدوء المؤقت غير المعلن لمدة 18 ساعة، وهو ما أثبت للبيت الأبيض أن مصر قادرة على التأثير على حماس.
ودفع هذا التطور الجديد بايدن إلى الاتصال بنتنياهو يوم الإثنين وللمرة الأولى، إصدار بيان عام يدعم وقف إطلاق النار.
مساعي وقف إطلاق النار
وسارع الإسرائيليون بالرد، حيث أكد كل من نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس لمحاوريهما الأمريكيين أنه يتعين عليهم مواصلة العملية وزيادة تقويض قدرات حماس العسكرية، لكن كبار الضباط في جيش الدفاع الإسرائيلي بدأوا في الإشارة إلى نظرائهم الأمريكيين يوم الأربعاء بأن العملية قد حققت أهدافها الأساسية.
وبحلول صباح يوم الأربعاء، قدّر البيت الأبيض أن وقف إطلاق النار يمكن تحقيقه في غضون أيام، وقرر بايدن الاتصال بنتنياهو للمرة الرابعة ليمارس المزيد من الضغوط.
وبحسب الموقع الأمريكي لم يكن المناخ عدائياً؛ حيث استمر بايدن في تبني نهج "أنا لا أتفق معك ولكني أحبك" الذي ميز علاقتهما على مدى ثلاثة عقود، لكن بايدن كان أكثر حزماً في المكالمة الرابعة منه في الثلاث السابقة.
وواصل نتنياهو تأكيده على أنه بحاجة إلى عدة أيام أخرى، لكن بايدن -الذي علم أن الجيش الإسرائيلي حقق أهدافه الأساسية- حذر نتنياهو من أن القتال قد يخرج عن السيطرة في حال استمراره.
ووفقاً لمصدر مطلع على المكالمة، قال بايدن لنتنياهو: "لا يمكنكم السيطرة على الأحداث. المصريون لديهم مقترح جيد. وأعتقد أن الوقت قد حان لإنهاء العملية"، وسراً، قال نتنياهو لبايدن إنه لا يحتاج إلا إلى 24 ساعة أخرى.
أما علناً، فقد نشر مقطع فيديو بالعبرية يؤكد فيه أنه لن يكون هناك حد زمني للعملية، وبدا أنه يتحدى ضغوط بايدن. وقرر البيت الأبيض الامتناع عن التعليق، لعلمه أن نتنياهو يتودد إلى قاعدته السياسية.
اليوم الأخير
في صباح يوم الخميس في الولايات المتحدة، أجرى بايدن مكالمته الأولى بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وبحسب الموقع الأمريكي طلب بايدن وحصل على ضمان بأنه إذا وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار، فبإمكان مصر ضمان توقف حماس عن إطلاق الصواريخ.
ونُقلت هذه الرسالة إلى نتنياهو قبل وقت قصير من اجتماعه بمجلس الوزراء الأمني. وفي الاجتماع، صوت مجلس الوزراء بالموافقة على وقف إطلاق النار.
بعدها اتصل نتنياهو ببايدن لإطلاعه على آخر المستجدات وتوجيه تحذير: إذا استغلت حماس الساعتين والنصف المتبقيتين لإطلاق صواريخها، فسترد إسرائيل بكامل قوتها، وقد ينهار وقف إطلاق النار.
ولم يتوقف مساعدو بايدن خلال هاتين الساعتين العصيبتين عن الاتصال بالمسؤولين الإسرائيليين والمصريين.
وقبل ساعة من بدء وقف إطلاق النار، هاتف نتنياهو بايدن مرة أخرى وقال إنه تلقى تأكيدات من المصريين بأن حماس لن تطلق صواريخها في اللحظات الأخيرة.
وعندها فقط أدلى بايدن بتصريح متلفز من البيت الأبيض، امتدح فيه نتنياهو لدعمه وقف إطلاق النار وزعم أن الفرصة سانحة الآن لإحراز تقدم بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وبحسب الموقع الأمريكي وجه منتقدو نهج بايدن -وعديد منهم من رفاقه الديمقراطيين- سهامه إلى الرئيس الأمريكي مطالبينه بممارسة ضغوط أكبر في وقت مبكر من الحرب التي نجم عنها مقتل ما لا يقل عن 248 فلسطينياً.
لكن بعض المسؤولين الأمريكيين دفعوا بأن بايدن استغل رصيده السياسي وسمعته باعتباره صديقاً لإسرائيل لتفادي المواجهة العلنية مع نتنياهو وللمساعدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بسرعة نسبياً.
المصدر: عربي بوست