رام الله- خاص "الحدث"
شكل قرار مجلس الوزراء إلغاء الدعم الذي كانت تحظى به بعض أصناف الدخان المحلي، تحولاً في إعادة توجيه الموارد المالية المحدودة باتجاه السلع والخدمات الأساسية الضرورية التي تهم قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، إضافة إلى زيادة في إيراداتها بمعدل 300 مليون شيقل سنوياً.
وبات اليوم، مجرد التفكير بإعادة النظر في القرار المذكور يشكل انتكاسة وتراجعاً عن مفهوم وأولويات الحكومة، في إعادة توزيع الدعم على القطاعات الإنتاجية التي تهم عدداً من الفئات التي تعتبر أهم من التفكير في دعم أسعار الدخان، والحاجة الماسة اليوم لدعم السلع والخدمات الأساسية والصحية، ما يتطلب جهوداً أكبر لوقف عمليات التهريب التي تكبد خزينة الدولة ملايين الدولارات سنوياً بشكل غير قانوني.
مدير عام الإدارة العامة للجمارك والمكوس وضريبة القيمة المضافة في وزارة المالية لؤي حنش، قال لـ"الحدث" في لقاء خاص بعد عام على قرار الحكومة وقف دعمها للدخان بشكل عام: "مستحيل أن يكون هنالك تدعيم للدخان، ولن نتراجع عن القرار".
وأضاف حنش: "إذا لم يكن هنالك ثبات في السياسة التي نسير فيها، الكل سيراهن أن هنالك سيكون تغير مع الحذر من المقبل، لكن سياسة الحكومة الحالية ثابتة، مستحيل أن يكون هنالك تدعيم للدخان، تم تثبيت تعريفة الدخان المحلي والأجنبي"، مشيراً إلى أن المدخنين في الشارع الفلسطيني الذين تحولوا لتدخين الدخان العربي قاموا بذلك وانتهى الأمر، هذه الشريحة أصبحت معروفة لنا، لأننا لم نغير سياستنا منذ عام كامل لأول مرة، ولن نغيرها الآن، وسنبقى مصرين على ذلك.
وأوضح أن الشريحة التي تدخن المحلي بقيت ثابتة وكذلك الحال بالنسبة للدخان المستورد، واليوم في حال تم زراعة كل فلسطين تبغاً، فلن يتم إيجاد مكان تسوق فيه هذا التبغ، والعام المقبل سيضطر المزارعون إلى وقف هذه الزراعة، وستبقى أراضٍ محدودة بكمية محدودة لمدخني التبغ، والآن هنالك سياسات نقوم بها مع وزارة الزراعة ستحد أكثر وأكثر من هذه الزراعة، خاصة بعد أن يروا مزارعين آخرين يستفيدون من زراعة أصناف أخرى.
وقال حنش إن الدخان كان قبل أن يوقف القرار ثلاثة أنواع، الدخان المحلي الذي يدفع التعرفة العادية، والدخان المدعم وهو بسعر مخفض، إضافة للدخان المستورد الذي يدفع كامل التعرفة، وعند قرار مجلس الوزراء بوقف العمل في عملية تدعيم الدخان في شهر آذار 2014، سحبت من الدخان المدعم، وبقي نوعين من الدخان المحلي الذي يدفع كامل التعرفة والمستورد كذلك، وفي حال تم حساب ما تجبيه خزينة السلطة من المستورد والمحلي هناك زيادة في الإيرادات بمعدل 300 مليون شيقل.
وأضاف أن المبلغ المستقطع بعد وقف الدعم أثر بشكل واضح في الخزينة، كمان أن هذا الرقم زاد من ضرائب الدخان المستورد بسبب زيادة كمياته بشكل أكبر، ورغم زيادة كميات الدخان المحلي، إلا أن المستورد زاد بشكل أكبر، وبذلك يمكن اعتبار المبلغ المضاف وهو 300 مليون شيقل ممتازاً لخزينة المالية.
ولفت حنش إلى أنه لا يوجد دراسة توضح تماماً حجم الدخان العربي المهرب من سوق الدخان في فلسطين، هنالك أرقام تتكلم أن النسبة تقدر بـ20% بالأكثر، ورغم أن عملية زراعة التبغ الموجودة حالياً غير قانونية، وناقشنا ذلك مع وزارة الزراعة خلال الأعوام الماضية.
وتابع: "تم تشكيل لجنة لمتابعة موضوع التبغ من قبل مجلس الوزراء، ولجنة اقتصادية منبثقة عنه أيضاً، لمتابعة المزارعين الذين يزرعون أراضيهم بالتبغ، وكانت حجج المزارعين أنه لا يوجد مياه في المنطقة، لكن هذا غير صحيح، الأراضي التي يزرع فيها تبغ تعتبر من أفضل الأرضي الزراعية في فلسطين، وللأسف الشديد الناس تحولت من زراعة البندورة والخيار والبطيخ وغيرها من المحاصيل، إلى التبغ، وبدلاً من أن تكون هذه الأراضي السلة الغذائية لفلسطين، فلسطين تحولت اليوم لزراعة التبغ، لأن بعض المزارعين يدعون أن الأرباح في التبغ أعلى، وهنا أصبح الحديث عن مبدأ تجاري بدلاً من الحديث عنه كموضوع زراعة، إضافة لوجود بعض السماسرة والمهربين الذين يتعاملون مع المزارعين ويشجعونهم لزيادة الزراعة".
وتوقع حنش أنه مع نهاية العام الجاري ستنحصر زراعة التبغ بشكل كبير، وستقل نسبة الأراضي المزروعة بالتبغ بشكل واضح، نحن عملياً عندما رفعنا الدعم عن الدخان العربي، وعدم وجود مسوغ قانوني لزراعة التبغ بأن الشركات المحلية ستشتريه، معظم كميات التبغ المزروعة تخزن وتبقى من دون أن تقوم شركات الدخان المحلية من شرائها، كما أن السوق لا يمكن أن يحمل كل الكميات المزروعة.
وقال: "قانونياً، زراعة التبغ ممنوعة، ومجلس الوزراء أصدر قراراً للضابطة الجمركية لتنفيذه بحلول ستة أشهر، وتقديم تقريره بعد هذه الفترة، ومن المفترض انتهاء هذه الفترة وتسليم التقرير في غضون شهر حزيران كحد أقصى، لتنفيذ القرارات بحسب التوصيات بشكل مباشر".
وحول الدخان المهرب، قال حنش في لقائه مع صحيفة "الحدث الفلسطيني": "إذا دخل 700-800 ألف مسافر فلسطين عبر معبر الكرامة، وكل شخص يحمل (كروزين دخان)، بذلك يكون مليون و600 ألف كروز دخان دخل السوق بشكل قانوني، وعلى الأقل مثل هذا الرقم تهرب سنوياً، وما ضبط عام 2014 فقط 14 ألف كروز دخان على معبر الكرامة، والإسرائيليون ضبطوا كميات أخرى لم يتم إطلاعنا عليها، لكن ليس أقل من الكمية التي ضبطت من جهتنا".
وأضاف أن تهريب الدخان الأجنبي يؤثر بشكل كبير على الخزينة، بمقدار مليار و200 ألف شيقل سنوياً، ولو تم مقارنة آثار التهريب على الخزينة مع الزراعة، نجد التهريب يؤثر بشكل أضخم، ونسعى لوقفه أو لجمه بقدر المستطاع".
وأشار إلى أنه بحسبة أخرى بعيداً عن أي ضغوطات أخرى، لو حسبت تكلفة وزارة الصحة والسلطة، ونظرة المجتمع لنا، لن يكون هنالك حكومة رشيدة تقول سأضع الدخان بمتناول المواطنين، هذا يعتبر انتحار، الموضوع ليس مجرد إيرادات بل مجتمع إذا لم يكن اليوم، ليكن لأبنائنا والمجتمع، خاصة أن الشعب الفلسطيني يستهلك 2 مليار شيقل على السجائر في الضفة الغربية وحدها.
ولفت حنش إلى أن السلطة الوطنية مربوطة مع إسرائيل حسب اتفاقية باريس الاقتصادية في تعرفة الدخان، في حال تم رفع التعرفة هناك نضطر إلى رفعها أيضاً في فلسطين، لكن الفرق هنا السعر النهائي للمستهلك محدد وهو أقل من السعر في إسرائيل، كي لا يكون هناك تهريب من إسرائيل، وهذا الأمر الذي انتهجته شركات استيراد الدخان المحلية.
وقال حنش: "نحن نعرف أن بعض التجار يهربون الدخان الأجنبي الإسرائيلي لأسواق الضفة الغربية، لكن ليس في كافة المناطق بل في المناطق المحاذية والقريبة، مثل الرام قلنديا، وغيرها، لوجود أشخاص قد يرغبون فيه لأسباب غريبة".
وأضاف أن حجم السوق الفلسطيني من الدخان أكثر من 2 مليار شيقل، فيما أن حجم المحلي وحده بين 250-300 مليون شيقل فقط، كما أنه لا يوجد كميات محددة لدخول الدخان المستورد، شركات الاستيراد هي من تقرر الكميات التي تريد إدخالها، وكذلك الشركات المحلية تنتج في السنة الكمية التي تريدها من دون تحديد من قبلنا.
وأكد حنش أن التبغ يعتبر أحد أهم الموارد المالية لخزينة السلطة سواء كان مستورد أو محلي، ونحن نعي تماماً أن سوق الدخان ليس منظماً مئة بالمئة، لكن نعتقد أننا أفضل من عدد آخر من الدول المحيطة، فيما أن البترول يعتبر أفضل سوق كعوائد مالية للخزينة، وبعدها التبغ والسيارات، التي تعتبر أفضل ثلاث قطاعات لخزينة السلطة، في الوقت الذي تقدر فيه مجمل إيرادات السلطة من الضرائب المحلية بـ3 مليار شيقل سنوياً، فيما أن القيمة المضافة تقدر بـ40-50% من ضرائب الإيرادات المحلية.