الحدث - حامد جاد
وصف السفير محمد العمادي، رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة سلسلة اللقاءات التي أجراها مع الرئيس محمود عباس، ورئيس الوزراء د. رامي الحمد الله ونائبه د. محمد مصطفى، ورئيس هيئة الشؤون المدنية حسين الشيخ بالإيجابية والمثمرة مؤكداً أن بدء تدفق المواد اللازمة لإعادة الإعمار الخاصة بالمشاريع التي تنفذها اللجنة القطرية في قطاع غزة وفي مقدمتها تزويد هذه المشاريع بالإسمنت بألف طن يومياً حيث تم اعتباراً من يوم الخميس الماضي فعليأ إدخال ألف طن إسمنت جاء ثمرة لتلك اللقاءات التي تبشر نتائجها بتمكين اللجنة من الإسراع بتنفيذ مشاريعها المختلفة المتعلقة بإعادة إعمار غزة.
واعتبر العمادي الذي بدأ زيارته إلى غزة في التاسع من الشهر الحالي والتقى الأربعاء الماضي مع الرئيس عباس وأركان حكومة الوفاق أن بدء تزويد اللجنة القطرية بما تحتاجه من مواد البناء يدل على ما توليه الجهات الفلسطينية المسؤولة من اهتمام بعملية إعادة إعمار غزة، ومساندة المشاريع القطرية عبر دورها في تسهيل حصول اللجنة على الموافقات اللازمة لإدخال مستلزمات البناء المختلفة.
ويستعرض العمادي في مقابلة أجرتها معه الحدث أبرز المحطات التي مرت بها مشاريع إعادة الإعمار التي تمول اللجنة القطرية تنفيذها منذ نهاية عام 2012 ومامرت به هذه المشاريع من عقبات أدت لتأخر تنفيذها بعد أن علقت مصر تنفيذ بروتوكول التعاون مع قطر الخاص بإدخال مواد البناء اللازمة للمشاريع القطرية عبر معبر رفح ما أدى في النهاية إلى اضطرار اللجنة لتوفير مواد البناء عبر البوابة الإسرائيلية، ويتطرق العمادي في الحوار التالي إلى التطورات الأخيرة التي أفضت إلى معالجة مشكلة دخول مواد البناء.
س: كيف تقيم نتائج زيارتكم لغزة التي جاءت بعد عام وعشرة أشهر من زيارتكم السابقة؟
هذه الزيارة استهدفت بشكل أساسي معالجة المشاكل التي اعترضت دخول مواد البناء اللازمة لتنفيذ المشاريع التي تمولها اللجنة القطرية سواء من خلال المنحة القديمة البالغ قيمتها 407 ملايين دولار أو منحة المليار دولار التي تعهدت قطر بها خلال مؤتمر المانحين الذي عقد في القاهرة في تشرين الأول الماضي حيث عملت اللجنة بالتنسيق التام مع السلطة الوطنية الفلسطينية على إدخال المواد الخام من أجل مواصلة واستكمال مشاريع إعادة الإعمار القطرية القديمة والجديدة في غزة، وقمنا خلال الزيارة بمتابعة سير العمل في المشاريع على أرض الواقع ويمكننا القول أن التقدم في مشاريع إعادة الإعمار القطرية التي بدأت نحو عامين تسير حالياً بشكل جيد، ولكن فترة تعرض غزة للحرب وتوقف دخول مواد البناء لنحو أربعة أشهر عبر مصر والمعابر الإسرائيلية تسببت في تأخير العمل في هذه المشاريع وبالتالي بعد أن تم حل المشاكل المتعلقة بدخول مواد البناء فنحن الآن بصدد طرح رزمة مشاريع جديدة من المنحة القطرية السابقة "407 ملايين دولار" حيث ستعمل هذه المشاريع على تشغيل ما يتراوح بين 20 إلى 30 ألف شخص، ومنها استكمال مدينة حمد السكنية من خلال بناء 2100 وحدة سكنية وبناء 300 وحدة سكنية في مناطق متفرقة، واستكمال شق وتعبيد شارع صلاح الدين الرئيسي الذي يربط كافة بلدات قطاع غزة، والمراحل المتبقية من الطريق الساحلي شارع الرشيد.
س: ماذا بشأن مشاريع منحة المليار؟
الجزء الأكبر من هذه المشاريع سينفذ من خلال اللجنة القطرية وسيكون باكورة هذه المشاريع مشروع بناء ألف وحدة سكنية لصالح المواطنيين المدمرة منازلهم جراء العدوان الأخير على غزة حيث سيتم بناء هذه الوحدات السكنية في كافة المناطق التي طالها التدمير، وذلك بموجب كشوفات وزارة الأشغال، بحيث ستدفع اللجنة للمواطن دفعات مالية ويتم الإشراف القطري على تنفيذ إعادة بناء المنازل بالتنسيق مع وزارة الأشغال، وسيتم خلال الأيام القريبة القادمة دفع مبلغ 1000 دولار لنحو 1500 من أصحاب البيوت المهدمة كلياً، وسننتظر لحين انتهاء وزارة الأشغال من تقديم كشوفات أخرى لباقي أسماء المتضررين من أجل تزويدهم بملغ ألف دولار لكل متضرر لتعيينهم على تدبير شؤون حياتهم.
س: كيف انعكس توقف دخول مواد البناء وإغلاق معبر رفح على برتوكول التعاون الموقع بينكم وبين مصر بشأن تزويد مشاريع الإعمار القطرية في غزة بمواد البناء وسائر مستلزمات إعادة الإعمار؟
هذا الأمر انعكس سلباً وأدى لتأخير إنجاز المشاريع، ولكن على صعيد التكلفة أيضاً فالمواد الخام التي كانت تدخل من مصر خصوصاً من مادتي "البسكورس، والحصى" اللازمتين في تعبيد الشوارع تبلغ تكلفة الطن منها عبر مصر حوالي 10 دولارات بينما تكلفة شرائها عبر إسرائيل يبلغ ثلاثة أضعاف كلفة شرائها من مصر، ما انعكس سلباً على كلفة المشاريع القطرية، فمنذ شهور طويلة أوقفت مصر العمل بالبرتوكول تماماً، وأوقفت تصاريح مرورنا إلى غزة، وسبب مرورنا عبر المعابر الإسرائيلية هو عدم حصولنا على تصريح مرور من القاهرة، فمصر أوقفت العمل بالبرتوكول، حتى أن ما تبقى لنا من مبالغ مالية تبلغ 122 ألف دولار وعدت القاهرة بإرجاعها، ولكنها لم ترجعها بعد.
س: هل تدهور العلاقات القطرية المصرية كانت السبب لزيارتك لغزة عبر البوابة الإسرائيلية؟
نعم نحن لم نحصل على تصريح بالمرور إلى غزة من الجانب المصري، فكيف أصل إلى غزة، هل آتي من السماء بالبرشوت فليس هناك سوى بوابتين لغزة إما عبر مصر أو معبر بيت حانون (إيرز)، فمصر لم تمنحنا تصريح زيارة رغم محاولتنا منذ سنتين، فاضطررنا للمجيء عبر معبر إيرز.
س: هل هناك تنسيق بين قطر والدول المانحة باتجاه إعادة الإعمار وتفعيل التعهدات التي أعلنتها الدول والجهات المانحة؟
هناك تنسيق مستمر، فمنذ مؤتمر إعادة الإعمار وحتى هذه اللحظة تنسق وزارة الخارجية القطرية مع كافة الأطراف من أجل إعمار غزة، وهناك نتيجة جيدة لهذه الاتصالات، فهناك دول كثيرة بدأت بالتحرك، ونحن من جانبنا أخذنا على عاتقنا البدء الفعلي بإعادة الإعمار ووضعنا الميزانيات لذلك من أجل تشجيع الدول على المجيء لإعمار غزة، ويجب على الدول العربية والإسلامية أن تحذو حذو قطر، ونحن بعد العدوان الإسرائيلي الأخير بدأنا نحث المجتمع الدولي والدول العربية على التحرك لمساعدة غزة، وهناك بوادر جيدة على هذا الصعيد، وحسب ماعرفت من المسؤولين الفلسطينيين في رام الله فإن المملكة العربية السعودية والكويت بدأتا بتوقيع اتفاقات مع السلطة الفلسطينية من أجل إعادة إعمار غزة بنحو 200 مليون دولار، كما أن أمريكا دفعت والاتحاد الأوربي، فهناك انفراجة، وتشعر أن المجتمع الدولي مهتم هذه المرة بالإعمار وموقفه يختلف عن المرات السابقة التي وعدت فيها الدول المانحة ولكنها لم تدفع من أجل إعادة إعمار غزة، وذلك في إشارة منه إلى مؤتمر المانحين الذي عقد في شرم الشيخ في آذار عام 2009.
س: ما هي المعايير التي تتبناها قطر في اختيار مشاريع الإعمار التي تنفذها؟
اخيارنا للمشاريع جاء بناء على احتياجات غزة، حيث اخترنا شق وتعبيد الطرق الرئيسية والفرعية لخدمة كافة سكان قطاع غزة دون استثناء، واخترنا بناء المساكن لأن غزة تعاني من نقص كبير يصل إلى 120 ألف وحدة سكنية، يضاف إلى ذلك البيوت التي تهدمت خلال الحروب الإسرائيلية الثلاثة الأخيرة والتي تفوق العشرة آلاف منزل، لذا فقطر طرحت مشاريعها بناء على دراسة مشاكل غزة الفعلية وركزت على المشاريع التي يشكل تنفيذها أولوية لأهالي غزة.
س: تطرقتم أكثر من مرة لمشكلة الكهرباء، فما هي الحلول المقترحة لديكم لحل هذه المشكلة؟
بحثت مع وزيري الأشغال مفيد الحساينة والعمل مأمون أبو شهلا مشكلة الكهرباء، واتفقنا على العمل على إيجاد حل جذري لمشكلة الكهرباء، فنحن مهتمون بحل مشكلة الكهرباء، لأننا دفعنا خلال السنوات الثلاث الأخيرة عشرات ملايين الدولارات فقط للوقود فهذه المشكلة تعنينا بشكل مباشر، ولأن قطر دفعت خلاف هذه المنح أكثر من مئة مليون دولار للوقود، ومع ذلك لم تحل مشكلة الكهرباء، فمحطة توليد الكهرباء تحول 70 ميجاوات من القدرة الإنتاجية المفترضة لها والبالغة 140 ميجاوات. وهو أمر لا يدخل عقل بشر، فكيف بمحطة توليد لا تحول محولاتها إلا نصف الكمية المنتجة؟ لذا فالحلول من وجهة نظرنا تكمن في إمداد المحطة بالغاز الطبيعي وحتى وإن استمر العمل في إمداد خط الغاز عامين، لأن تكلفة تشغيل المحطة بالغاز من أجل إنتاج 140 ميجاوات تقدر بثلاثة ملايين دولار في الشهر، بينما تشغيلها باستخدام السولار يكلف 20 مليون دولار شهرياً كما أنه حتى لو عملت المحطة بالغاز وأنتجت 140 ميجاوات بالإضافة إلى 100 ميجاوات تشتريها غزة من إسرائيل و28 ميجاوات تشتريها من مصر لا تنتهي مشكلة الكهرباء، لأن احتياج غزة يبلغ 400 ميجاوات، وهو ما يتطلب أن تشتري غزة من إسرائيل 100 إلى 150 ميجاوات إضافية حتى تحل مشكلة الكهرباء، وتحتاج إلى أكثر من ذلك في حال تم بناء المنازل الخاصة بإعادة إسكان الأسر المدمرة بيوتها، فمدينة الشيخ حمد السكنية تحتاج لوحدها ما بين 10 إلى 15 ميجاوات.
س: متى يمكن أن تتم قطر مشاريع إعادة الإعمار القديمة والجديدة في غزة؟
إذا ما دخلت المواد الخام نحن سننتهي خلال عامين، ولكن تعرض غزة للحرب والحصار وغيرها من المشاكل السياسية يحد من إمكانات الإنجاز، فنحن ليس لدينا مشكلة في إنجاز المشاريع، حيث أن غزة تتمتع بميزة غير متوفرة في أي بلد آخر وهي أن الكوادر الفنية والهندسية لديها مهارات ممتازة في مجالي جودة الأداء وسرعة الإنجاز، فالناس في غزة متعطشة للعمل، وهو بخلاف المشاريع القطرية التي تنفذ في دول أخرى حيث بسبب غياب الأيدي الماهرة تتسبب في تأخر المشاريع الاستثمارية لعامين أو ثلاثة أعوام.
أما بالنسبة للمشاريع المنفذة والجاري تنفيذها، فهناك المرحلة الأولى من مشروع الطريق الساحلي "شارع الرشيد" الممتدة بطول 4.8 كم وعرض 40م من المتوقع الانتهاء من تنفيذها في نهاية شهر حزيران المقبل حيث تم إنجاز نسبة 65% من هذه المرحلة التي تبلغ كلفة تنفيذها نحو 12.4 مليون دولار بينما المرحلة الثالثة من المشروع نفسه فتم إنجاز مانسبته 75% منها ومتوقع الانتهاء منها مع نهاية الشهر المقبل ومشروع مستشفى سمو الشيخ حمد للتأهيل والأطراف الصناعية من المتوقع تسليمه في العشرين من أيلول المقبل ومشروع مدينة حمد البالغ الكلفة الإجمالية لتنفيذه نحو 135 مليون دولار فتم إنجاز المرحلة الأولى منه بنسبة 65% ومن المتوقع تسليمها مع نهاية العام الحالي ومشروع شارع صلاح الدين المرحلة الأولى الممتدة بطول 12 من المتوقع الانتهاء من تنفيذها مع نهاية شهر حزيران المقبل أما المرحلة الثالثة من الشارع نفسه الممتدة بطول 6 كم وعرض 53 متراً فبلغت نسبة الإنجاز فيها 80% وهناك رزمة مشاريع متنوعة سيتم طرحها قريباً.
س: هل ستنفذ المشاريع التي ستمول من خلال منحة المليار دولار وفق آلية مشاريع إعادة الإعمار القديمة التي تشرف عليها اللجنة القطرية لإعادة الإعمار؟
نعم، جزء كبير من المبلغ سينفذ عن طريق اللجنة القطرية، وجزء آخر بسيط من المبلغ عن طريق السلطة الفلسطينية، وأول مبلغ للسلطة تم دفعه وهو 25 مليون دولار والسلطة شرعت بتنفيذ مشاريع بهذا المبلغ.
س: ما هي أبرز المميزات التي تمتاز بها مشاريع إعادة الإعمار القطرية عن غيرها من المشاريع التي تمولها الجهات الأخرى عبر آلية الأمم المتحدة أو من خلال مؤسسات دولية؟
إن سياسية دولة قطر في تنفيذ مشاريع المنح والهبات في كل دول العالم يتم تنفيذها عن طريق قطر ذاتها، وليس عن طريق أي جهة أخرى. وهذا الأمر يعود بالنفع على أهل غزة، فتكلفة إشرافنا على المشاريع لا تتعدي 2% من تكلفة مجمل المشاريع بما في ذلك المصاريف الإدارية وأجور المهندسين، في حين الدول الأخرى وخصوصاً تلك التي تنفذ مشاريعها عبر شركاتها تصل ترتفع قمية إشرافها على تنفيذ مشروعاتها بنسب كبيرة لأن شركاتها تعين لها مقاولين في غزة، وهو يجعل جزءاً كبيراً من المنحة يذهب لهذه الشركات، وبالتالي فإن تكلفة الإشراف القليلة تعود بالنفع على غزة وأهلها وتشغيل أكبر عدد ممكن من الأيدي العاملة.
س: كيف تنظرون لتردد الكثير من الدول بشأن إعادة إعمار غزة في ظل الظروف الداخلية الفلسطينية، ومخاوف تكرار استهداف الاحتلال لهذه المشاريع؟
أولاً مشاريع إعادة الإعمار ليست مرهونة بأي مشكلة، فنحن عندما جئنا لإعادة الإعمار لم تعترض إسرائيل على مشاريعنا لأنها لا تشكل أي إشكالية، ثانياً نحن نريد أن نعمر ولا نتدخل في الشأن السياسي، فالمناكفات السياسية الداخلية بين حركتي فتح و حماس لا نتدخل فيها، لأن هدفنا إنساني وهدفنا خدمة أبناء الشعب الفلسطيني في غزة.