تقرير - محمود الفطافطة
الحديث عن الطاقة البديلة والمتجددة يتصاعد في كثيرٍ من دول العالم نظراً لأهميتها الكبرى؛ باعتبارها بديلاً عن الطاقة التقليدية أو الأحفورية، عالية التكلفة والتلوث من جهة، ولديمومتها وعدم نضوبها من جهة ثانية. ويرى العديد من المتخصصين بهذه الطاقة أن مستقبل الاستثمار، المضمون النتائج، والكثيف العوائد سيتمثل في هذا الحقل، وعلى مدى العقود القادمة، وهذا ما نلمس تجلياته عبر المشاريع الكبرى في القطاعين العام والخاص سيما في الدول المتقدمة.
ورغم الانتشار الواسع لتطبيقات ومشاريع الطاقة البديلة والمتجددة في العالم الصناعي إلا أن الواقع العربي لا يزال متواضعاً وضيقاً، ويحتاج إلى جهود فاعلة ومتواصلة من القطاعين العام والخاص، إلى جانب تعزيز الوعي الشعبي بأهمية ومكانة مثل هذه الطاقة.
موارد لن تموت!
هذه الطاقة الشمسية تُعتبر الأكثر اهتماماً وتطبيقاً من بين كافة أشكال الطاقة المتجددة سواء على المستوى العالمي أو العربي ومن ضمنه فلسطين. وفي هذا التقرير سنتناول " الطاقة الشمسية" من حيث مدى انتشارها في فلسطين، ومن ثم التعرف على ميزاتها الايجابية وسلبياتها، وتجلياتها، والمعيقات التي تقف أمامها. وقبل الخوض في تفاصيل الموضوع سنعرج قليلاً للحديث عن الطاقة البديلة أو ما يُطلق عليها " الطاقة الخضراء". هذه الطاقة تشتمل على أشكال وأنواع عديدة، أهمها: طاقة الشمس، طاقة الرياح، طاقة الأرض، طاقة القمر، طاقة المياه، وطاقة المخلفات العضوية،وطاقة كهرمائية.
والطاقة المتجددة هي تلك المولدة من مصدر طبيعي غير تقليدي، مستمر لا ينضب، ويحتاج، فقط، إلى تحويله من طاقة طبيعية إلى أخرى يسهل استخدامها بوساطة تقنيات العصر. يعيش الإنسان في محيط من الطاقة، فالطبيعة تعمل من حولنا دون توقف معطية كميات ضخمة من الطاقة غير المحدودة بحيث لا يستطيع الإنسان أن يستخدم إلا جزءاً ضئيلاً منها، فأقوى المولدات على الإطلاق هي الشمس، ومساقط المياه وحدها قادرة على أن تنتج من القدرة الكهرومائية ما يبلغ 80% من مجموع الطاقة التي يستهلكها الإنسان. ولو سخرت الرياح لأنتجت من الكهرباء ضعف ما ينتجه الماء اليوم، ولو استخدمنا اندفاع المد والجزر( طاقة القمر) في توليد الطاقة لزودنا بنصف حاجتنا منها.
ومن كل بدائل النفط، استحوذت الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والبقايا العضوية، وغيرها استحوذت على خيال الرأي العام وصانعي القرارات واهتماماتهم على حد سواء. ورغم أن مزايا البدائل المتجددة معروفة جيداً، إلاّ أن هناك بعض الصعوبات التي تواجه استخدامها، فهي غير متوفرة دوماً عند الطلب، وتتطلب استثمارات أولية ضخمة، واسترداد الاستثمار الأولي فيها يستغرق زمناً طويلاً. يزداد مؤخراً ما يعرف باسم تجارة الطاقة المتجددة الّتي هي نوع من الأعمال التي تتدخّل في تحويل الطّاقات المتجددة إلى مصادر للدخل والتّرويج لها. كما وازداد الاهتمام بالطاقة المتجددة في السنوات الأخيرة في دول الشرق الأوسط وخاصة السعودية والإمارات.
بلاد الشمس!
أما بخصوص الطاقة الشمسية فبدأ التفكير في الاستفادة منها منذ بداية القرن المنصرم، حيث انتشر هذا التطبيق، وزاد الاهتمام عالمياً به بعد أزمة البترول في سبعينيات القرن الماضي، على إثر هذه الأزمة تم التوجه للبحث عن مصادر بديلة للطاقة وذلك بهدف توفير " أمن الطاقة" وخصوصاً في الدول الصناعية.
يرى الباحث في مجال الطاقة البديلة والمتجددة د. أديب الصيفي بأن للطاقة الشمسية في فلسطين والمنطقة مستقبلٌ واعد خاصة وأن قطاع الطاقة البديلة سيمثل القطاع الأبرز والأكثر استثماراً في العالم خلال المائة السنة القادمة. وفي هذا الخصوص يُعدد د. الصيفي الميزات الأساسية للطاقة الشمسية، والمتمثلة في: 1. تمتع فلسطين بما يزيد عن 300 يوم مشمس في السنة؛ الأمر الذي يجعلها من أفضل المناطق عالمياً في هذه الميزة، ويجعل الاستثمار في هذا الجانب ممكنا؛ بل وذو جدوى اقتصادية كبيرة. 2. طاقة متجددة لا تنضب. 3. طاقة نظيفة لا ينبعث منها غازات سامة تضر بالإنسان والبيئة مقارنة بالطاقة التقليدية. 4. الحد من الانبعاث الحراري وانخفاض شدة الكوارث الطبيعية الناتجة عن ظاهرة الانبعاث الحراري التي لها علاقة بالطاقة التقليدية. 5. تأمين فرص عمل جديدة للمواطن الفلسطيني. 6. تحقيق مفهوم اقتصاد الصمود والمقاومة في هذا المجال انطلاقاً من التخلص من تبعية واستغلال الاحتلال للفلسطينيين في مسألة الطاقة. 7. التوفير المالي، حيث أن الطاقة الشمسية من شأنها توفير ما بين 20 ـ 25 % من المصاريف. 8. العمر الزمني للخلايا الشمسية يتراوح ما بين 20 ـ 30 سنة ما لم يحصل عطل أو خلل فيها.
ويذكر د. الصيفي أن المنطقة العربية التي تتواجد فيها مساحات واسعة جداً من الصحراء تعتبر مناسبة لتوليد الطاقة الشمسية، منوهاُ إلى أنه بدلاً من استثمار القطاعين العام والخاص لمثل هذا النوع من الطاقة تقوم دول أوروبية بالاستثمار فيه. فـ" على سبيل المثال يوجد استثمار مشترك بين ألمانيا وفرنسا في الصحراء الجزائرية لتوليد 28% من الطاقة الشمسية لكلا البلدين. كما ويوجد مشروع اسباني في المغرب قيمته 6 مليار تم استثماره في قطاع الطاقة البديلة". ولكن في المقابل ( وفق د. الصيفي) يوجد نموذج يمثل تميزاً رائعاً في الوطن العربي والعالم أيضا؛ مجسداً في مدينة " مصدر " بالإمارات العربية المتحدة التي يعمل بكل ما فيها على الطاقة البديلة.
قلق الاستثمار وغضب الاحتلال!
ويبين إن " فلسطين تحتاج إلى 675 ألف ميغا واط من الطاقة، بحيث لو قامت الحكومة الفلسطينية بوضع خطة إستراتيجية لمدة عشر سنوات لإضاءة 150 ألف بيت من أصل 500 ألف بيت في فلسطين فإن الأمر يحتاج إلى مليار ونصف المليار دولار، أي بواقع 150 مليون دولار وذلك إذا حسبنا أن كل بيت يحتاج إلى 5 كيلو واط من الطاقة الشمسية". ويشير د. الصيفي إلى أنه رغم وجود اهتمام متنامٍ بالطاقة الشمسية في المستويات الشعبية والرسمية والقطاع الخاص وقطاعات الإنشاء والعقارات إلا أن سلطة الطاقة لغاية أواسط العام 2011 لم تتطرق في خطتها الإستراتيجية الخمسية للطاقة البديلة والمتجددة.
وفقاً لذلك؛ يشدد د. الصيفي على وجوب قيام صانع القرار الفلسطيني بوضع إستراتيجية واضحة ومحددة للاستثمار في هذا القطاع الهام من الطاقة، وأن لا تكون المشاريع مرتبطة بشخص معين، أو بفترة زمنية محددة. وذكر د. الصيفي أن الاحتلال يحارب مثل هذا النوع من الطاقة لإدراكه بأن تبعية الفلسطيني اقتصاديا وسياسيا له ستقل، ومن الشواهد على ذلك إعاقته إدخال معدات وتقنيات لها علاقة بذلك، إلى جانب عدم إعطاء الإدارة المدنية الإسرائيلية تصريح لإقامة مزارع للطاقة الشمسية لمواطن مقدسي، وبدلاً من ذلك أعطيت لمستوطنين، مطالباً بعدم إقامة محطات مركزية للطاقة الشمسية خوفاً من استهدافها من قبل الاحتلال.
من جانبه، قال الخبير البيئي جورج كرزم أن من أهم أسباب إحجام القطاع الخاص عن الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة غياب البيئة الاستثمارية المناسبة؛ إذ إن القطاع الخاص لا يستثمر إلا في مشاريع مجدية ومربحة اقتصاديا. ويشير كرزم إلى أن الاستثمار في هذا المجال يتطلب تسهيلات بنكية وحكومية، وتخفيضات وإعفاءات ضريبية، وسن القوانين التي تقيد إلى الحد الأدنى إنتاج الملوثات البيئية؛ وبالتالي تحدد الاستخدام الأفضل للطاقة، ناهيك عن إبرام اتفاقيات التعاون مع الأقطار العربية التي ترغب في الاستثمار بالطاقة البديلة والمتجددة، وكل ذلك يزيد من إحجام القطاع الخاص عن الاستثمار.
ويذكر أن معظم مشاريع الطاقة المتجددة في الضفة الغربية وقطاع غزة، على قلتها، ممولة بغالبيتها من مؤسسات تمويل دولية، مطالباً في الوقت ذاته بتحمل القطاع الحكومي المسؤولية الأساسية في المبادرة إلى إنشاء مشاريع الطاقة البديلة وتطويرها.
طحن بلا طحين!
رئيس سلطة الطاقة عمر كتانه يقول: أن الأمر لم يكن مشجعاً قبل سنتين نظراً لكون أسعار خلايا الطاقة الشمسية كانت خمسة أضعاف ما هي عليه اليوم، مشيراً إلى أنها حالياً في انخفاض ما يعد مؤشراً مشجعاً لدخول هذا المضمار. وأضاف:" وهبنا الله في فلسطين مناخا دافئاً بنسبة سطوع شمسي جيد جدا، كما أن الاعتماد في طاقتنا الكهربائية على الشمس كفيل بإبعادنا عن أزمات التقلبات السياسية، فالكهرباء منتجة ذاتيا والاحتلال عاجز عن مساومتنا عليها". ورأى أن هذا النمط من الاقتصاد الحر غير التابع لإسرائيل، مدعاة لدعمنا وتشجيعنا، فكل كيلو واط منتج فلسطينياً يعادل التخلص من شراء كيلو واط من الاحتلال".
و أكد كتانة، أن من شأن المصادقة على إستراتيجية الطاقة المتجددة والتعرفةالتحفيزية، أن ترفع اعتماد فلسطين على الطاقة المتجددة من 15% حاليا إلى 25% على الأقل في عام 2020 (أي 240 ميغاواط سنويا) كما من شأنها أن تخفضأسعار الكهرباء وتزيد من فرص العمل وتساعد في تحقيق الاستقلال الطاقي. وأشار د. كتانة، إلى أن مجلس الوزراء صادق في جلسته الأخيرة لتشجيعالمواطنين على هذه الإستراتيجية والتعرفة لتشجيع المواطنين على إنتاجكهرباء بأنفسهم بالاعتماد على الطاقة الشمسية.
إلى ذلك، جاء في تقرير لمركز المعلومات الوطني الفلسطيني أن السلطة الفلسطينية أعدت المخططات والدراسات لزيادة الاعتماد على الطاقة البديلة لتصل إلى 10 % خلال السنوات العشرة القادمة. ومن بين أكبر المشاريع سيكون بناء محطة كبرى للطاقة الشمسية في منطقة الأغوار، لتزويد المنطقة بنسبة كبيرة من التيار الكهربائي، والمشروع متوقف حاليًا لأسباب عديدة، يأتي الاحتلال على رأسها.
وبين التقرير أن السلطة أن اعتمدت إستراتيجية إنتاج الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية في عام 2008، حيث سمحت للمواطنين في الضفة باستخدام الطاقة الشمسية للحصول على الكهرباء لإنارة البيوت، وفي نفس الوقت أي زيادة في إنتاج الطاقة الكهربائية الناتجة عن الطاقة الشمسية يمكن للسلطة أن تبتاعها من المواطن بأسعار أقل نوعا ما من السعر التقليدي للطاقة الكهربائية، وهذه الإستراتيجية مخطط لها حتى العام 2020، بحيث يتم إنتاج ما نسبته 20% من الطاقة الكهربائية بالاعتماد على الطاقة الشمسية في فلسطين.
سلبيات وانجازات
وبخصوص سلبيات استخدام الطاقة الشمسية فيجملها التقرير في:نقص وعي المواطنين بفوائد واستخدامات هذا النوع من الطاقة؛ ما يتطلب العمل الكبير والجاد لرفع مستوى الوعي الثقافي لدى المواطن العادي، تكلفة تركيبها وتطويرها عالية جدًا، موزعة في مناطق واسعة؛ ما يتوجب على الإنسان تجميعها، تحتاج إلى بنية تحتية لتصنيعها ونقلها.
وفي تقرير مطول للمهندس عبد الغني سلامه بين فيه أن من بين التحديات التي تواجه هذا قطاع الطاقة المتجددة العراقيل التي تضعها إسرائيل لإعاقة أي مشروع فلسطيني من شأنه تعزيز الاقتصاد الوطني، وجعله يعتمد على نفسه من خلال استغلال الإمكانيات المتاحة والمصادر الطبيعية المتوفرة؛ وتتمثل إجراءاته المعيقة من خلال تحفظه على بعض المعدات المستوردة، إلى جانب صعوبات الاستيراد والتخليص الجمركي وارتفاع الضرائب. بالإضافة إلى ذلك، فهناك ندرة في الأبحاث والدراسات الفلسطينية التي تتناول مواضيع الطاقة المتجددة، وعدم وجود خرائط توضح حركة الرياح وأماكن سطوع الشمس الأفضل، وخصائص التربة والمناخ والجدوى الاقتصادية، وكذلك عدم توفر أجهزة لتنفيذ القياسات الميدانية لتوزيع الحرارة في طبقات الأرض، وأيضا أدوات الحفر اللازمة للعمل، وارتفاع تكلفته. وأيضاً ضعف الأنظمة المحافظة على البيئة.
نفذ الفلسطينيون العديد من المشاريع الهادفة إلى استغلال الطاقة الشمسية سواء كانت هذه المشاريع فردية محدودة لمبتكرين وباحثين أو جماعية تولت تنفيذها مؤسسات فلسطينية أو أجنبية. ومن المشاريع العامة: إنارة طريق "وادي النار" من قبل "الجمعية الفلسطينية للطاقة الشمسية والمستدامة" وبتمويل من "جمعية قطر الخيرية"، في أواسط العام 2010/ إنارة الحديقة التابعة لمركز إسعاد الطفولة في البيرة من قبل مؤسسة أريج/ مشروع لإنارة المنطقة الصناعية في أريحا بمبادرة من سلطة الطاقة الفلسطينية/ مصنع رويال بالخليل، وهو يعتمد بنسبة تصل إلى 20 % على الطاقة البديلة/ أول سيارة تسير على الطاقة الشمسية في فلسطين صنعها فريق من طلبة بولتكنك فلسطين بالخليل، وتصل إلى سرعة 30 كم بالساعة/ مزرعة طاقة شمسية في فلسطين أقامتها بلدية طوباس بدعم من دولة التشيك، وبإشراف من سلطة الطاقة الفلسطينية/ مركز شرطة الطيرة/ متنزه في عابود/ مزرعة أبقار في البيرة.
أما المشاريع الفردية فمنها: المهندس عبد الرزاق الفحام الذي تمكن من اختراع جهاز فريد من نوعه، ويقوم بإنتاج الماء الحار والهواء الساخن والكهرباء في وقت واحد، ويعمل بالطاقة الشمسية فقط. وقد شارك فيه في مسابقة "صنع في فلسطين"، والتي جرت عام 2010، ونظمتها مؤسسة النيزك للإبداع العلمي، ونال المركز الأول من بين 220 متسابق ومخترع/ مواطن من قرى رام الله يبلغ من العمر 65 سنة، ويحمل الجنسية الأميركية التحق بدورة حول الطاقة الشمسية في أكاديمية ريسبيكت للاستشارات والدراسات والتدريب ليقوم بعدها بتركيب نظام الطاقة الشمسية لبيته/ وكذلك الحال مع مهندسة من مدينة البيرة التي التحقت في دورة للطاقة الشمسية حتى تقوم بالاستفادة منها في المجالين التشغيلي والتوظيفي من جهة، والإشراف مستقبلاً على مشروع لابنها في هذا المجال عندما يتخرج ويعود من تركيا/ والأمر نفسه مع صاحب مخبز برام الله ، حيث التحق بنفس الدورة ليقوم بعد ذلك بتشغيل مخبزه على الطاقة الشمسية وهذا ما قلل من التكاليف بنسبة أربعة أضعاف.
خلاصة القول: إن الاستثمار في الطاقة البديلة هو صورة أخرى للمقاومة. الاحتلال يُسلط سيفه علينا عبر الموارد التي نهبها من أرضنا، وما علينا إلا أن نشحذ الإرادة وحسن الإدارة والتخطيط الرصين في استثمار هذه الطاقة الخضراء حتى نقلل من الاعتماد على عدونا. بالمقاومة الخضراء نحول الاحتلال إلى جسم اسود، وبالمقاومة الصفراء" طاقة الشمس " نجعل منه كتلة مظلمة، متهاوية.