رولا سرحان
تشغلني منذ مدة تصاعد حالة "التدين" بين الشباب في عالمنا العربي، وهذا شغل الكثيرين فيما أعتقد. وأضع كلمة "التدين" بين مزدوجين لخطورة تعريف مفهوم "التدين" الذي لا يحق لأحد أن يعرّفه، دون علمٍ بخفايا القلوب والصدور ودون قدرة خارقة للعادة لقياس علاقة الإنسان الموصولة بين الرب وعبده، وبالتالي القدرة على إطلاق حكم الإيمان من عدمه على البشر في سياقات حياواتهم المتعددة.
هذا الفضول دفعني منذ مدة للانحراف بقراءاتي لمحاولةَ الإجابة على تساؤلات من قبيل: لماذا يتجه العالم العربي بشكل عام نحو التطرف والتشدد في المعتقد الديني؟ ولماذا تحول الإسلام الشعبوي المرتبط بآليات التدين التقليدية والتي نمارسها بالفطرة إلى أن صارَ عبادة بحكم العادة، ومن ثم تشدداً في الدين دون علم، ومن ثم تطرفا و"إرهابا"؟ وكيف استطاع الفكر الديني المتطرف أن يجند الشباب تحت لوائه؟
على الرغم من تعدد الإجابات والأسباب إلا أنها تتراوح ما بين أسباب لها علاقة بالواقع الاجتماعي والثقافي وبتفاقم الأزمة المادية والاجتماعية العربية، وبفشل نماذج الإصلاح والتحديث، وبممارسات الأنظمة السياسية العربية القمعية،
وبفشل الحركات الإسلامية في العالم العربي في المواءمة بين السياسة والإصلاح الديني، إلا أن الأمر يبقى مرتبطاً بشكل كبير بناحية اجتماعية تنموية مهمة تتعلق بالتعليم ونوعيته وجودته، وهو ما تفتقر له معظم الدول العربية باستثناء قلة قليلة كلبنان وتونس.
فالإنسان في العالم العربيّ يحتاجُ إلى علاجٍ قائم على التعليم المعرفي التحليلي وذلك نظراً لوجود خللٍ في نظامه المعرفي والطريقة التي يُفكّر بها، بحيث ينسحب هذا الأمر أيضاً على إعادة قراءة الدين من منطلق معرفي، يبدأ من إعادة قراءة أمهات الكتب والمراجع الدينية ووضعها موضع النقد والتفكيك واستصلاح ما يصلح منها، وإهمال ما لا ينفع الناس، بحيث تكون هناك مواءمة بين تطور المجتمع المتزامن مع القراءة المتطورة للنص الديني وتفسيراته. وحتى نصل إلى هذه المرحلة نحنُ بحاجة إلى هيكلة كاملة في قطاع التعليم ومخرجاته، فنخرج علماء ومفكرين ومربين، وعلماء دين، لا جهلة بدرجة جامعية.