الحدث المحلي
قبل الحرب الأخيرة كان قطاع غزة يعيش حالة من الحصار المشدد، من قبل الاحتلال أولاً، وللنتائج السلبية التي أفرزها الانقسام ثانياً، والظروف الإقليمية غير الداعمة ثالثاً، مما أوجد حالة من الإنهاك المتراكم؛ فالحصار والحروب أنتجت دماراً في كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة، التي يصعب ترميمها دون البحث عن حل جذري للمسألة، وهذا الوضع أصبح أكثر إلحاحاً بعد عمليات التدمير التي نتجت عن حرب رابعة شُنت على القطاع.
في هذا الإطار يشير مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية (المرصد) إلى العديد من التعقيدات والشروط التي ستواجه عملية إعادة الإعمار، حيث أن التصريحات برصد أموال لعملية الإعمار في هذه الحرب من قبل المانحين الدوليين هو أقل بكثير من التعهدات السابقة في عمليات إعادة الإعمار في الحروب الثلاثة الماضية، والتي لم يتم الالتزام بها، حيث تم التعهد بمبلغ 4.5 مليار دولار إلا أن تدفق التمويل لم يصل إلى 53% من الالتزامات الدولية؛ فآليات استجلاب التمويل ظلت مفقودة وغير منظمة، ومسألة الشفافية غائبة، وتم ربطها باشتراطات سياسية وأمنية معقدة، كل هذا جعل من عمليات إعادة الاعمار غير فاعلة.
انخفاض التعهدات ناتج أيضاً عن تردد الأوروبيين في الوجهة التي سيسلكونها في هذه العملية، لذا يؤكد المرصد على ضرورة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في قطاع غزة وإطلاق حملات تبرع شعبية عربية وعالمية خارج منظومة الاشتراطات الدولية الرسمية. وفي هذا الإطار، أشار تقرير المرصد الى العديد من القضايا أهمها:
أولا:استجابة اغاثية واسعة لقطاع غزة وعدم انتظار أموال إعادة الإعمار
بعد 11 يوماَ من العدوان المتواصل على قطاع غزة تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ومع فجر الجمعة كُشِف حجم الدمار الذي عانى منه القطاع، الحديث عن عمليات إعادة الإعمار في القطاع من جهات وأطراف دولية متعددة بدأ مبكراً وقبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
خلال الحروب الثلاثة السابقة واجهت عمليات إعادة الإعمار في قطاع غزة تعقيدات عديدة من ناحية غياب آليات استجابة سريعة في عمليات إعادة الإعمار وتعثرها، أسوأها الآلية التي وضعت بعد حرب 2014 ولم يتم تنفيذها بالكامل وإخضاع عملية إعادة الإعمار للشروط السياسية والأمنية، مترافقة مع تعقيدات هائلة فرضتها سلطات الاحتلال على إدخال المواد اللازمة والضرورية لإعادة الإعمار.
لذا وبصورة عاجلة يجب فصل مسار المساعدات الإغاثية عن مسار عملية إعادة الإعمار بشكل سريع وطارئ، وهنا يمكن للمنظمات المحلية والدولية تحويل برامجها ومساعداتها بصورة مباشرة إلى القطاع المحاصر لمساعدة العائلات هناك، وعلى وكالة الغوث الدولية تجنيد الأموال اللازمة والمساعدات الطارئة للاجئين الفلسطينيين في القطاع.
ثانيا: تجاوز الطابع الأمني والمشروطية السياسية لإعادة الإعمار
ينطلق الاتحاد الأوروبي كغزال في البرية حينما يتعلق الأمر بدولة الاحتلال ويتبنى روايتها، مع انتهاء الحرب قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إنه قد يكون من الممكن إجراء "اتصالات غير مباشرة" مع حماس. وقال "مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي" اليوم أن مثل هذه الاتصالات يمكن أن تكون "مباشرة أو غير مباشرة". الحديث عن عمليات إعادة الإعمار سبق وقف إطلاق النار بأيام، لكن ما زال دور الأوروبين غير واضح في عملية إعادة الإعمار، والموقف السياسي المنحاز خلال ايام الحرب أيضاً كان مصحوباً بضغوطات أوروبية على الفلسطينيين، فبعد أيام قليلة على اندلاع الحرب كشف موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي في حركة حماس، عن تهديد الاتحاد الأوروبي بوقف التمويل لإعادة إعمار غزة إن لم تتوقف الصواريخ قصيرة المدى الموجهة للاحتلال الإسرائيلي.
وحتى لا يقع الفلسطينيون بإشكاليات عمليات إعمار ذات طابع أمني تورطت سابقاً بها الأمم المتحدة (آلية روبرت سيري) التي دقق مراقبيها في كل سنتيمتر مربع تم بناؤه في قطاع غزة. كما أن التصريحات الامريكية حول عملية إعادة الإعمار ستترافق مع آليات واشتراطات من غير المرجح أن توافق عليها حركة حماس.
ثالثاً: التبرعات الفردية على المستوى المحلي والاقليمي والدولي
يجب عدم التقليل من شأن عمليات التبرع الفردية في فلسطين المحتلة وخارجها كجزء من التمويل، والتي بدأت على سبيل المثال مبكراً في بعض الدول العربية كالكويت، ويمكن تشكيل لجنة تضم شخصيات عربية ودولية للمبادرة في الإعلان عن حملة تبرعات على مستوى محلي وإقليمي ودولي، وهذا ممكن في ظل حالة واسعة من التضامن مع القضية الفلسطينية. على سبيل المثال جمع المواطنون الكويتيون ملايين الدولارات خلال ايام معدودة لإعادة بناء أبراج تم هدمها في الحرب الأخيرة، ويمكن إطلاق حملات مشابهة في دول كماليزيا وإندونيسيا ودول عربية أخرى، وحتى دول أوروبية وفي أمريكا الجنوبية. وميزة هذا الخيار أنه يشكل إغاثة سريعة للعائلات التي تضررت بفعل العدوان على غزة. وهي أموال مساعدات غير مشروطة سياسياً، وهي عملية أسرع على عكس مما يعتقده البعض أن أموال المانحين ستكون خياراً سهلاً لعمليات إعادة الإعمار، وتكلفتها الإدراية الباهظة التي يذهب جزء كبير منها في الإنفاق على المستشارين والمراقبين.
رابعاً: دور الشركات والقوى العاملة المحلية
بدايةً، يجب أخذ الأولويات الفلسطينية في إعادة الإعمار وجهود الإغاثة بما يشمل المساكن والمدراس والمستشفيات والخسائر التي تعرض لها القطاع الزراعي. ومن ناحية أخرى، أشار تقرير المرصد الى أن من يمول عملية إعادة الإعمار سيفرض العديد من الشروط الفنية التنفيذية، لذا يجب الخروج من دائرة ممول واحد لتلك العملية والضغط بضرورة إدخال الآليات والمواد اللازمة لتمكين الشركات المحلية والأيدي العاملة الغزاوية من القيام بعمليات إعادة الإعمار، بما يسهم ايجابياً في تخفيض نسب البطالة في القطاع المحاصر، وتحسين الواقع الاقتصادي لقطاعات واسعة في غزة.