خاص الحدث
يجمع المراقبون العسكريون والمحللون في "إسرائيل" أن معركة "سيف القدس" أثبتت تطور القدرات الصاروخية لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهو ما يثير قلقا حقيقيا في كافة الأوساط الإسرائيلية الرسمية وغيرها، وذهب بعض المحللين الإسرائيليين لاعتبار أن القدرات الصاروخية المتطورة في المعركة الأخيرة كانت بمثابة إنجاز نوعي ونصر مهم لصالح المقاومة، من بينهم المحلل العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هرائيل الذي أكد أن هذا الإنجاز يعترف به خبراء المجالات الصناعية العسكرية في الاحتلال.
خلال الحرب قال قائد الجبهة الداخلية لدى الاحتلال أوري جوردين، إن جيش الاحتلال لا يزال يحقق في اختراق شظايا صواريخ المقاومة لأحد الملاجئ في سديروت، "لكن وبكل الأحوال لا يوجد نظام أمان ودفاع فعال بنسبة 100٪"، وأن "معدل إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه إسرائيل هو الأعلى والأكثر أهمية مقارنة بكل المعارك التي خاضتها في تاريخها".
وأضاف جوردين: "أعتقد أن أياً منا لم يكن مستعداً بشكل كامل لما يجري الآن. لم يكن أحد منا يعرف الوقت الذي ستبدأ فيه المعركة"، موضحا أنه لم يمر على تاريخ "إسرائيل" منذ نشأتها أي معركة يطلق فيها على المدن المحتلة حوالي 3000 صاروخ أسبوعيا.
المقلق أكثر بالنسبة للإسرائيليين أن هذه الصواريخ في غالبيتها غير مهربة ومن صناعة فلسطينية محلية، في ضوء أن حركتي حماس والجهاد الإسلامي تمتلكان خبراء ومهندسين في هذا المجال يديرون الصناعات العسكرية، وبالتالي فإن إغلاق الحدود مع القطاع بشكل شبه كامل من أجل منع عمليات تهريب الأسلحة لغزة أصبح غير مجدٍ وخبراء التصنيع الفلسطينيين أصبحوا على معرفة وخبرة توازي المهندسين الإيرانيين.
وبحسب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية فإن المقاومة تسعى لتصنيع صواريخ شبيهة بالصواريخ الحالية ولكن بمدى أكبر وقدرة تدميرية أشد، وأيضا تصنيع صواريخ دقيقة، وهو ما سيمكنها من استهداف مواقع عسكرية واستراتيجية حساسة كقواعد سلاح الجو إضافة إلى محطات الطاقة والموانئ الإسرائيلية. وبسبب هذا التوجه لدى المقاومة، تركزت معظم الضربات الجوية في قطاع غزة على مواقع خاصة بتطوير الأسلحة الدقيقة، وكذلك جرى اغتيال بعض العاملين على هذا المشروع، وفق مزاعم الإعلام العبري.
ولم يقتصر الأمر على اعترافات المحللين والمراقبين، فقد اعترف ضابط كبير في سلاح الدفاع الجوي لدى الاحتلال أن حركة حماس طورت بشكل كبير منظومتها الصاروخية في كافة المجالات. وأضاف أن الصواريخ أصبحت ذات مدى أكبر، وكذلك بعضها أصبح يملك رؤوسا متفجرة بحجم أكبر إضافة إلى تحسين مدى دقة الصواريخ، والمقاومة أصبحت قادرة على إطلاق صواريخها تجاه مناطق محددة في الداخل المحتل عام 48.
ووفقاً للضابط العسكري الإسرائيلي فإن التحدي الأكبر الذي واجهه جيش الاحتلال كان عبر إطلاق المقاومة الصواريخ نحو عدة مناطق في الداخل المحتل بآن واحد. وقال ضابط آخر مسؤول بمركز عمليات أقامه جيش الاحتلال خلال الجولة الأخيرة إن منظومة الصواريخ التابعة لحركة حماس منتشرة على طول قطاع غزة. وأضاف أن الحركة تقوم بإطلاق الصواريخ بعدة طرق تجاه المدن والبلدات المحتلة، زاعماً أن قائد كتائب القسام محمد الضيف هو من يقوم بتحديد كيفية إطلاق هذه الصواريخ بشكل شخصي.
جولة القتال الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال أثبتت كذلك وجود ثغرات مهمة في أنظمة الحماية في مستوطنات "غلاف غزة"، رغم أنها المستوطنات الأكثر حماية وتحصينا وقد قتل مستوطنون في عمليات القصف المركزة، رغم أنه منذ عدوان 2008 على قطاع غزة، أنفقت "إسرائيل" حوالي 1.5 مليار شيقل في تطوير أنظمة الحماية في الجنوب، والمقصود هنا الغرف المحصنة والملاجئ، وتم بناء ما يقرب 10 آلاف غرفة محصنة منذ عام 2008، وشملت عملية البناء المكثف لنظام الحماية 44 مستوطنة في غلاف غزة، وتركزت الجهود بهذا الشأن على المستوطنات التي تبعد أقل من 7 كيلومترات عن قطاع غزة، والتي أصبحت تصنف لاحقا بأنها المنطقة الأكثر حماية.
لكن التقديرات الإسرائيلية تغيرت ونظم الحماية المكثفة أصبحت ضرورة ملحة في ما هو أبعد من 7 كم عن قطاع غزة، كما تشير الصحيفة، في ضوء سقوط قتلى وجرحى في عمليات القصف المركزة على عسقلان وأسدود. وبعثت قيادة الجبهة الداخلية في جيش الاحتلال، هذا الأسبوع، رسالة إلى وزير جيش الاحتلال بني غانتس أوضحت فيها أن أنظمة الحماية المكثفة أصبحت ضرورية في عسقلان أيضا، ومن المتوقع أن تصل تكلفتها إلى 1.4 مليار شيقل.
كما أن المستوطنات التي تقع خارج خط الـ 7 كم مثل "أوهاد"، "تسوهار"، "سديه نيتسان"، "أوريم"، ليس لديها نظام حماية جيد بعد ما تبين أن صواريخ المقاومة أصبحت قاتلة، ومن المتوقع أن يُبنى فيها حوالي 1000 غرفة محصنة بمبلغ 100 مليون شيقل في تلك المستوطنات. وشكا مستوطنون في مقابلات أجرتها صحيفة هآرتس من أن تعريف غلاف غزة (يُفترض أنها المنطقة الأكثر تحصينا) يشمل فقط المستوطنات الواقعة على بعد 7 كم من قطاع غزة، مطالبين بتحديث هذا التعريف ليشمل مناطق أبعد من ذلك لأن التهديد يتوسع، والصواريخ القاتلة أدخلت مسافات أبعد في دائرة التهديد.
القدرات الصاروخية المتطورة تزيد من حجم الخسائر، هكذا علق محللون إسرائيليون، بعد أن كشف موقع "جلوبس" الإسرائيلي المتخصص في القضايا الاقتصادية أنه مع نهاية معركة سيف القدس، تم تقديم 5245 شكوى تعويض من قبل المستوطنين، منها 3424 مطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالمباني (المنازل والشركات وما إلى ذلك) و 1724 عن الأضرار التي لحقت بالمركبات، و96 مطالبة أخرى تتعلق بممتلكات أخرى.
وأشار الموقع إلى أنه تم إخلاء حوالي 170 عائلة من منازلهم غير الصالحة للسكن وتم ترتيب سكن بديل لهم. وبحسب التقديرات، فإن الأضرار المباشرة التي لحقت بالاقتصاد الإسرائيلي من جراء معركة سيف القدس خلال 11 يوما من القتال تجاوزت 200 مليون شيقل، بينما في عدوان 2014 بلغت الأضرار المباشرة من الضربات الصاروخية حوالي 200 مليون شيكل، بعد حوالي 50 يومًا من القتال.
وتُظهر بيانات الشكاوى المرفوعة أن "مركز عسقلان" والذي يضم مدن أسدود وعسقلان وبئر السبع وسديروت ومستوطنات غلاف غزة قد تلقى 2575 شكوى منها 1087 في عسقلان وحدها. أصيب 787 مبنى في عسقلان بصواريخ المقاومة بالإضافة إلى 792 مركبة. وفي أسدود، تضرر 228 مبنى و 130 مركبة. أما مركز تل أبيب والذي يضم "جفعتايم وبيتاح تكفا وتل أبيب وحولون والمستوطنات الواقعة بالقرب من تل أبيب" فقد تلقى 2336 شكوى، منها 1158 مطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالمباني و 1599 مطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالمركبات. كما تم تسجيل أضرار في هذا المركز في مدينتي اللد والرملة، حيث تم إحراق مئات السيارات والمحال التجارية.
وفي مركز حيفا، الذي يضم مدينة عكا، حيث لم يكن هناك إطلاق صواريخ، تمت معالجة 253 شكوى، منها 111 لأضرار بالمركبات و 141 مبنى.
ويُظهر تقدير قدمه الخبير الاقتصادي الإسرائيلي روبي ناثانسون للغرف التجارية في "إسرائيل"، أنه بعد تسعة أيام من القتال في معركة سيف القدس، كان الضرر الاقتصادي يساوي التكلفة الإجمالية تقريبًا لخمسين يومًا من القتال في حرب عام 2014، وهو ما يقدّر بحوالي 200 مليون شيقل للأضرار المباشرة فقط.
لكن الأضرار غير المباشرة الناتجة عن انخفاض النشاط التجاري والنفقات الإضافية للحفاظ على النشاط الاقتصادي والنفقات الوهمية مثل رواتب الموظفين الذين لم يعملوا - يمكن أن تكون أعلى من ذلك بكثير، وتم تسجيل أضرار غير مباشرة في جميع المدن المحتلة تقريبا، ولكن في المدن التي تضررت بشدة من جراء الصواريخ، لا يحق للشركات حاليًا الحصول على تعويض عن هذا الضرر لأن قانون التعويضات يشمل فقط مستوطنات غلاف غزة.
كل ما سبق دفع المحللون الإسرائيليون للتأكيد على أن العملية العسكرية التي يشنها جيش الاحتلال على القطاع الآن تعتبر "أفشل" عملية تخوضها "إسرائيل"، منذ إقامتها، وأن العملية شهدت فشلاً ذريعا على المستويات العسكرية والسياسية، وأظهرت قصوراً في الاستعداد للحرب وكيفية التصرف فيها، وقد طالبوا نتنياهو خلال الحرب بأن "يوقف العملية فوراً ويوافق على إطلاق النار، بدلاً من البحث عن "صورة انتصار عبر القتل والتدمير في قطاع غزة".
وبحسب رئيس تحرير جريدة هآرتس فإن على نتنياهو أن يتمنى أن ينسى الإسرائيليون هذا الفشل سريعاً، واعتبر أنه "لو كان هذا الوضع في دولة أخرى فسيجري فتح تحقيق بأسباب فشل العملية". وكشف أن الاحتلال تفاجأ من "مبادرة حركة حماس بإطلاق الصواريخ، ومن الجرأة والقوة الكبيرة التي أظهرتها خلال الجولة بإطلاق آلاف الصواريخ تجاه جبهة الاحتلال الداخلية"، وقال إن "المنظومة الأمنية الإسرائيلية خلال العقد الماضي ركزت جهودها على الجبهة الشمالية وإيران ولم تنتبه لغزة كثيراً".
وفي إشارة منه للتضليل الإسرائيلي، قال إنه يمكن استخدام نشرات الأخبار لإقناع الجمهور الإسرائيلي، بأن الجيش وجه ضربات قوية لحماس والجهاد الإسلامي، ولكن لا يمكن إنكار الحقيقة الواضحة بأن الجيش لا يعرف كيفية إسكات "جيش حماس" ومنعه من القتال، والجيش لم يتمكن منع المقاومة من إطلاق الصواريخ نحو "تل أبيب"، وتلقى روتين الحياة من الوسط إلى الجنوب ضربة قاتلة.