الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تضامنٌ عالمي مع الفلسطينيين ومواقع التواصل الاجتماعي تُحدث نقلةً نوعية في الخطاب

2021-06-04 08:22:51 AM
تضامنٌ عالمي مع الفلسطينيين ومواقع التواصل الاجتماعي تُحدث نقلةً نوعية في الخطاب
تعبيرية

 

الحدث - ضحى حميدان

منذ نكبة عام 1948 وفلسطين في مواجهة مستمرة مع الاحتلال، وفي كل حرب تتكرر الممارسات القمعية للاحتلال مسببة استشهاد مئات المدنيين وإصابة الآلاف منهم، وفي كل مرة يسعى الاحتلال لتلميع صورته عالمياً، فيخبر العالم بالرواية المغايرة تماماً للرواية الحقيقية، لكن ما حدث في العدوان الأخير على قطاع غزة والقدس كان بمثابة صدمة "لإسرائيل"، وأيضاً نقطة إيجابية لصالح الفلسطيني الذي لم يشهد تضامناً مماثلاُ لهذا الأخير منذ سنوات، فما سبب التضامن العالمي مع أحداث القدس وغزة الأخيرة، وهل يمكن أن يحقق هذا التضامن شيئاً؟

يقول المحلل السياسي جهاد حرب إن الفرق بين الاعتداءات السابقة على قطاع غزة والتضامن الذي حققه العدوان الأخير، هو أن بداية هذه العملية كانت تتعلق بإجراءات الاحتلال في مدينة القدس سواء بالموجهات القمعية في المسجد الأقصى أو بالتهجير القسري من حي الشيخ جراح، والذي دفع نحو هذا التضامن الكبير هو وحدة الفلسطينيين في التجمعات الأربعة القدس والداخل المحتل والضفة الغربية وقطاع غزة ما أشعر المجتمع الدولي بأن حكومة الاحتلال هي مثالٌ لحكومة تمييزٍ عنصري واضطهاد، والذي زاد من هذا التعاطف صدور تقرير منظمة العفو الدولية قبل الأحداث الذي أُثبت في نصه أن دولة الاحتلال تضهد العرب لصالح الإسرائيليين وتُفرق عنصرياً بينهم، وكذلك انتشرت عبر الأخبار و تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لاقتحامات المسجد الأقصى وترويع المصلين فيه برمي القنابل عليهم، ما شكل عاملاً محفزاً للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

وأضاف حرب قائلاً: "الفضاء الإلكتروني مهم ويؤدي إلى توضيح الصورة وعدم الاحتكام إلى وسائل الإعلام فقط، خاصة في الدول الغربية المنحازة لإسرائيل لذا استثمار الأدوات التقنية لدعم القضية الفلسطينية من الضرورة بمكان، فهو يوسع أيضاً من حالة التضامن، وفي هذا السياق، تفاعل بعض المشاهير على المستوى العالمي مع الهاشتاغات المتداولة أو من خلال المشاركة في مسيرات تضامنية تندد بالعدوان الإسرائيلي، ساعد لحشد التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني".

وبالتطرق لدور منصات التواصل الاجتماعي تواصلت الحدث مع رئيس دائرة الإعلام وأستاذ الإعلام الرقمي في جامعة بيرزيت د.محمد أبو الرب الذي قال: "لقد كان المختلف في هذه الهبة كثافة النشر على منصات التواصل الاجتماعي، واستخدام تقنية الهاشتاج بفعالية أفضل من السنوات السابقة، بالتالي الهاشتاج لعب دورا في الوصول للعالمية، كذلك فاشتراك ممثلين وفنانيين ومؤثرين حول العالم في التغريد لأجل القضية، خصوصاً بداية الأحداث  في حي الشيخ جراح، شجع كثيراً من المحايدين في العالم للتغريد مع القضية الفلسطينية وتقديمها من باب إنساني، وأيضاً كتضامن بنظام سلمي، ولكن هذا حصل قبل دخول غزة المواجهة".

ويرى د.أبو الرب أنه من المهم بمكان  معرفة أن سبب هذا التفاعل العالمي كان أيضاً بسبب استخدام الشبان منصات التواصل الاجتماعي بكثافة، وهذا ما أعلنته شركة تيك توك، حيث احتلت فيديوهات فلسطين أكثر من 50% من  الفيديوهات المنشورة على المنصة في كل العالم، وهذا بالمجمل شجع على تحول عملية التغريد والنشر الإلكتروني إلى تظاهرات  واحتجاجات ميدانية على الأرض، والحقيقة أننا للمرة الأولى نشهد تظاهرات  تضامنية بمئات الآلاف في عواصم العالم  بسبب جهد و ضغط السوشيال ميديا حسب قوله.

ووصول القضية للعالمية لا ينفي ممارسات هذه الوسائل الانحيازية وتضييقها على المحتوى الفلسطيني، وبهذا الصدد يؤكد أبو الرب: "إن أغلب الصفحات الفلسطينية التي تملك ملايين المتابعين هي معاقبة الآن من فيس بوك، وبعض هذه الصفحات مهددة بإلغاء النشر أو بالحذف بحجة التحريض أو التجاوزات لسياسات فيسبوك، بالتالي ما من شك أن هذه المنصات تمارس سياسة الانحياز وهذا باعتراف منها بنفسها، وذلك حين اعتذرت لسفارة فلسطين في لندن وحتى لرئيس الحكومة الفلسطينية في اجتماع فيسبوك قبل أيام بالإضافة إلى أن فيس بوك وانستغرام تذرعتا سابقاً بوجود خلل في الخوارزميات، وقاد هذا الخلل إلى تقييد أو حظر وحذف بعض المحتوى الفلسطيني، والجانب الآخر المهم أن نشير له هنا، أن الاحتلال ممثلاً بوزيرة القضاء الإسرائيلية اعترفت في فترات سابقة بأن فيسبوك استجاب ل ٨٠٪ من مطالبات إسرائيل له بحذف المحتوى الفلسطيني بحجة التحريض، إذاً فيسبوك اعترفت، وإسرائيل أكدت أنه استجاب، وهذا يتزامن مع التقرير الذي نشره مركز حملة الذي  تحدث عن حوالي ٧٠٠ ألف منشور تحريضي من إسرائيل على العرب والفلسطينيين في الداخل دون أن يتم تقييد هذا المحتوى".

ويرى د. أبو الرب من جانب آخر، أن المسؤولية أيضاً تقع على كاهلنا كفلسطينيين، فيقول: "لدى الإسرائيليين مجموعات تساهم في عمل بلاغات على الصفحات الفلسطينية وفيسبوك وانستغرام وتيك توك يقيم هذه البلاغات، وغالباً يستجيب لها، لذلك هناك أيضاً مطالبات من فيس بوك للفلسطينيين بتقديم بلاغات على المحتوى الإسرائيلي وقيل هذا لنا خلال أكثر من اجتماع مع مدير فيسبوك، لأن الفلسطيني لا يقدم بلاغات ضد المحتوى الإسرائيلي التحريضي بالشكل المطلوب، وبناءً على ذلك أرى أنه من واجب الفلسطينيين الذين يجيدون العبرية أن يقدموا بلاغات على أي صفحة أو حساب ينشر منشورات تحريضية حتى يساعد فيسبوك في إغلاقه وهذا فيه مسؤولية تقع على عاتقنا دون إنكار أن هذه المنصات منحازة لإسرائيل كما قلنا سابقاً".

وقد أكدت المدونة التقنية ومختصة وسائل التواصل الاجتماعي مريم شاهين، أن وسائل التواصل الاجتماعي واجهت خللاً ما لكنها لم تفصح عنه منذ البداية، والضغط عليهم هو ما أجبرهم على التوضيح، ولم تعتقد أنه كان بإمكان الفلسطينيين تجنب هذه التضيقات فهي منحازة للاحتلال بشكل واضح، لكن كان من الممكن التقليل منها من خلال السلوك السليم في النشر والابتعاد عن خطابات الكراهية والصور الدموية والأخبار الكاذبة والتعليقات المتكررة في كل مكان، لأن

المختلف في هذه الهبة الشعبية هو الثورة الرقمية بالتزامن مع الثورة على أرض الواقع، وتوثيق الأحداث وانتهاكات الاحتلال بكاميرات وهواتف المرابطين، ساعد أن تثبت السوشيال ميديا حقيقة الصورة هناك، دون الحاجة للفضائيات والشبكات التي لديها سياساتها الخاصة بالنشر".

وأوضحت شاهين أن هناك أفعالا من قبل مستخدمي هذه الوسائل ساعدت في استغلال الاحتلال لها ليثبت أننا كاذبون ومنها نشر الصور الخاطئة من حروب سوريا أو صور أطفال ليسوا من غزة أو نشر أخبار ليست حقيقة، وهذه التصرفات غير المقصودة  أو غير الواعية أظهرتنا وكأننا كاذبون، نلجأ إلى تضخيم الأمور وأن كل ما ننشره ليس حقيقياً، ما تسبب بخلل في مصداقية ما ننشره للعالم في بعض الأحيان.

وتبين شاهين: "هناك أيضاً استخدام عشرات الهاشتاغات الأمر الذي فرّق الجهود بدلاً من أن يوحدها تحت هاشتاغ واحد ليصل العالم أجمع، كذلك طبيعة المنشورات التي تحمل خطابات الكراهية والتحريض على العنف، طبعاً نحن جميعنا نعلم أن الحق معنا وأننا مظلومون وقلوبنا تحترق، لكن طريقة التعبير هذه ليست سليمة حسب قوانين النشر لدى منصات التواصل الاجتماعي، أن تشتم أحدهم أو توجه اتهاما لعرق أو ديانة أو مجموعة اثنية يعتبر انتهاكاً للمعايير، وهذا ما أدى إلى حذف المنشورات".

في السياق ذاته أصدر المركز العربي لتطوير الإعلام المجتمعي "حملة"، تقريراً يوثق فيه الانتهاكات التي تعرض لها الفلسطيني من قبل وسائل التواصل الاجتماعي، ويوضح التقرير "توثيق المركز لما يزيد عن 500 بلاغ للحقوق الرقمية الفلسطينية في الفترة المذكورة بالتعاون مع مؤسسات شريكة، ما يشير لازدياد ملحوظ لرقابة وسائل التواصل الاجتماعي على الخطاب السياسي الفلسطيني، حيث تصاعدت كثافة رقابة شركات التواصل الاجتماعي على المحتوى الفلسطيني منذ تاريخ 6 مايو/ أيار ما أدى إلى إزالة جزء كبير من المحتوى الفلسطيني من المنصات وتعليق حسابات وإغلاق أخرى بالإضافة إلى انتهاكات أخرى يفصلها التقرير، على إثر النشر عن قضية الشيخ جراح، والاعتداءات على القدس، ثم لاحقاً عن العدوان على غزة والاحتجاجات والمظاهرات، ولم تقدم المنصات تفسيراً مقنعا لذلك، فيما يرجح أن تكون وحدة السايبر الإسرائيلية التابعة لوزارة العدل الإسرائيلية، والتي قدمت خلال السنوات الماضية عشرات آلاف الحالات للشركات دون أي إجراء قانوني، خلف هذه الانتهاكات الأخيرة".

وبشأن استمرارية التضامن العالمي قال المحلل السياسي حرب: "إن استمرار هبة التضامن هذه يعتمد بشكل رئيسي على نفس الشعب الفلسطيني واستمراره، من أجل قطف ثمار هذه التضحيات بمعنى أن استثمار ما حصل خلال الفترة الأولى يحتاج إلى تعزيزه عن طريق وحدة الشعب الفلسطيني وإنهاء الانقسام، وتوحيد البرنامج السياسي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا جميعه يؤدي إلى المزيد من التعاطف والتضامن الدولي، أما إذا خفتت هذه الهبة، سينفَض الالتفاف العالمي حول القضية .

وأكمل بقوله: "العالم عندما يرى الشعب الفلسطيني موحداً في الميدان، ويستخدم الوسائل المختلفة في خطاب المجتمع الدولي، فهذا يظهر حقيقة الحكومات، ومن المهم جداً هنا أن إسرائيل فيما يتعلق بالرأي العام العالمي لا تنافس الفلسطينيين، ذلك لأن المنافسة تتعلق بمجموعة من الدول المتحكمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والواضح أن هناك اختراقات على مستوى الكونغرس الأمريكي، ففي هذه الفترة شهدنا خطابات في الكونغرس الأمريكي بلغة غير معهودة، وأظن أن جزءا من الاختراقات التي أحدثتها هذه المواجهة والتي تحتاج البناء عليها وتأطيرها وتنظيمها، ونريد المزيد من التدخلات لأجل وضع القضية الفلسطينية بشكل جوهري داخل الكونغرس الأمريكي ودعم النواب الذين يساعدون الحقوق الفلسطينية أو يقفون إلى جانب الحق الفلسطيني".

في ذات السياق يقول أستاذ الإعلام الرقمي أبو الرب إن لهذا التضامن العالمي أبعادا كبيرة، لأنه حتى ومع انتهاء العدوان على غزة، ما زالت هناك مظاهرات في لندن ودول أخرى، ولأول مرة هناك صحف بريطانية وأمريكية تنتقد إسرائيل ولأول مرة يكون غلاف النيويورك تايمز عن قصص إنسانية للفلسطينيين تحت الاحتلال، وبشكل واضح كتبت نيويورك تايمز "حياة فظيعة تحت الاحتلال"، بالتالي هناك تغير في وسائل الإعلام التقليدية دفعتها لها السوشيال ميديا، والخطوة التي تتبع هذا الأمر حسب د. أبو الرب هي أن تستغل جاليات وسفارات فلسطين في العالم وتوظف هذا التعاطف الدولي الآن، وليس بعد أن تُنسى القضايا، وتوظيف هذا التوجه العالمي المؤيد للقضية الفلسطينية في التواصل مع الأحزاب، ومسؤولي بعض الدول الأجنبية سيحول هذا التعاطف إلى سياسة وإجراءات مُتبعة.

كذلك يرى أبو الرب أننا بحاجة إلى تكثيف الأصوات الشعبية بلغات أخرى مثل الفيديوهات التي انطلقت بالإنجليزية كالطفلة من غزة التي قالت إنها تبلغ من العمر 10 سنوات وتحلم أن تصبح طبيبة لكنها لا تستطيع أن تصلح ما أفسده الاحتلال، وكذلك المقاطع التي انتشرت لمحمد الكرد في مقابلاته مع وسائل عالمية مثل CNN، ووصول هذه الأصوات أسرع لأنها ليست أصوات سياسيين ودبلوماسيين إنما أصوات من الشعب، وهذا ما نفتقده دائماً، أن يتحدث كل المتضررين لوسائل الإعلام الأجنبية، لأن كلامهم فيه شحنة عاطفية وانفعالية وهذا ما نحتاجه في وسائل الإعلام الدولية، وليس فقط كلام الناطقين والمسؤولين".