العلاقة بين قطر وجيرانها/ أشقائها في الخليج لم تزد يوماً على التنافس في "البر والتقوى". ويشمل ذلك لسوء الحظ التنافس في إرضاء الولايات المتحدة وذراعها الماسي في المنطقة المدعوة إسرائيل.
لا نتوهم أن أي صراع عميق قد وسم العلاقة بين قطر ودول الخليج في أي وقت. لكن قطر طمحت إلى القيام بدور أكبر من حجمها مستفيدة من فورة النفط والغاز. قطر في الحقيقة تمثل أفضل نموذج للنظرية الواقعية في العلاقات الدولية التي تنص على أن الدولة تسعى تلقائياً، إن سمحت الموارد والظروف، إلى التوسع على حساب غيرها بغض النظر أكانوا أصدقاء أم أعداء.
استفادت قطر من بعدها النسبي عن الفكر الوهابي الخالص لصالح نسخة قريبة جدا منه هي نسخة الإخوان المسلمين. ولكنها زاوجت بين ذلك وبين لبرلة إعلامية استعراضية لا تخطئها العين مثلها في الإعلام السياسي قناة الجزيرة الذائعة الصيت.
كانت المزاوجة مذهلة بالفعل: تم جمع ياسر زعاترة وعزمي بشارة ويوسف القرضاوي في مركب واحد. كما تم جمع حماس وإسرائيل وتركيا في مركب الصداقة والمحبة والتنسيق. وفي سياق نشاط محموم لركوب موجة الربيع العربي بدا أن قطر تقوم بالفعل بدور ريادي قيادي لا لبس فيه على حساب السعودية وغيرها. وقد ُتوج ذلك في لحظة معينة بوجود أحزاب الأخوان المسلمين في السلطة في تونس ومصر. وكانت سوريا على وشك التحول إلى معقل قطري بالفعل عندما دعا الرئيس محمد مرسي إلى التحرك القوي والعاجل للتخلص من حكم طاغية دمشق بشار الأسد. لكن التاريخ الساخر أوقع مرسي بسرعة عجيبة في أزمة أنهت حكمه ووضعت حداً لنمو الظاهرة الإخوانية.
تراجع المد "الثوري" القطري منذ العام 2014، ولكن قيادة الولايات المتحدة لم تتبن بديلاً لمشروع الشرق الأوسط الإخواني الجديد. فقط عندما وصل ترامب إلى السلطة تغيرت الأشياء. وكانت رصاصة الرحمة على مشروع الإخوان وقطر وأردوغان قرار إدارة ترامب بوضع الإخوان وحماس في سلة واحدة مع حزب الله وداعش...الخ. لقد تم إخراج المشروع الإخواني من دائرة المشروع الأمريكي المباح. وبالطبع يمكن لقطر أن تلقي بيوسف القرضاوي والجزيرة وزعاترة ...الخ خارج المركب وتواصل المسيرة بوصفها دولة خليجية صغيرة تسير في فلك السعودية التي تسير في فلك أمريكا وإسرائيل.
انتعشت الآمال بالطبع بمجيء الرئيس الديمقراطي بايدن العجوز تلميذ أوباما الشاب. ولا بد أن تسعير الحرب ضد الصين وروسيا وإيران يؤدي إلى تعمق الحب ناحية تركيا والخليج كله. وقد جاءت مواجهة المقاومة الأخيرة في غزة بنتائج ملتبسة تعلي من شأن محور المقاومة من ناحية، وتعزز الدور القطري من ناحية أخرى.
وهكذا أصبح بإمكان قطر أن تؤجل التخلي عن أحلامها بعد أن تهيأت لها الفرصة من جديد للمحافظة تحافظ على شيء من مكتسباتها التي مكنتها من ارتداء زي الدولة الكبرى الإقليمية. لكن هيهات: على قطر في نهاية المشوار، وهو ما ينطبق على المقاومة في غزة، أن تختار بين مركب ايران والمقاومة ومركب السعودية وأمريكا. نرجح أن قطر ستختار المركب الأمريكي لأنها بنيوياً لا يمكن أن تكون في موقع المقاومة الذي يعني انتحار الطبقة السياسية الريعية فيها. مهما ناورت قطر، راوغت وماطلت، فإن مصيرها هو العودة إلى ثدي الأم السعودية مع البقاء بالطبع جزءاً لا يتجزأ من الأقمار التي تدور في فلك الشمس الأمريكية.
في هذا السياق يبدو خيار المقاومة في غزة أشبه بقياس إحراج مريع يستدعي منها الاختيار بين الجوع والحصار والعزلة عند الانحياز لمحور المقاومة أو وضع بيضها كله في سلة مشروع التسوية القطري/التركي المتناغم ضمناً مع المشروع الصهيوني على الرغم من وجود المنافسة "المشروعة" بين أنقرة التي تحلم بأمجاد الهيمنة العثمانية وتل أبيب المنتشية بقيادة حلف واسع في المنطقة يشمل الخليج كله وأجزاء واسعة من إفريقية العربية. على المقاومة أن تخترع الخلطة السحرية للسير في حقول الألغام التي تسم الوضع السياسي في منطقتنا في هذه اللحظة.