الحدث الاقتصادي
قريبا من مكان وصول حافلات المسافرين العائدين من الأردن، داخل الحدود الفلسطينية في مدينة أريحا، يبدو الوضع عاديا مألوفا.. حافلات تصل، مسافرون يصلون، عناصر من الشرطة تنتشر في المكان، أشخاص يتجولون بين المسافرين؛ هؤلاء بالذات هم المألوف الذي يخفي قصة في اليوم التالي، أو لا يكاد يخفيها.
معرفة مهربي وتجار السجائر أمر سهل يسير، لا يحتاج لبحث أمني وضابط أمن أو دورية ضابطة جمركية. يكفي أن تسأل عن تاجر سجائر، حتى يحضر عدد منهم. بعضهم لن يتعامل معك، إذا كنت تريد شراء كمية للاستخدام الشخصي. أما الشراء بالجملة فله تجاره الذين يوصفون بـ"الحيتان"، وهؤلاء لا يخفون سرا وقد يناقشك في السعر والكمية على مسمع ومرأى الأمن الموجود.
يقول إبراهيم حسن صاحب محل لبيع السجائر في رام الله إنه كان يتوقع أن التهريب يتم بطرق خاصة، ولذلك كان يشتري من تجار يصلون إلى محله، دون الذهاب إلى منطقة أريحا لاعتقاده أن الأمر يحمل مخاطرة عالية، لكن هذه الفكرة تغيرت تماما عندما توجه بالفعل إلى هناك، وبدأ يتعامل مع تجار الجملة دون الحاجة إلى بائع وسيط.
لكن ظروف تخزين السجائر سواء خلال وجودها في الأردن أو في أريحا، كانت سببا في عزوف كثيرين عنها، كما يقول إبراهيم، موضحا أن الطعم الغريب الذي يفاجئ أحيانا الزبون، يتسبب له بمشاكل مع عدد من زبائنه الذين أعادوا له علب السجائر، ما اضطره لمحاولة عقد اتفاق مع تجار الجملة بأن ما يتم إعادته من علب السجائر هم من يتحمل مسؤوليته.
لكن تجار السجائر المهربة يرفضون ذلك، وفق إبراهيم، بل ويمارسون نوعا من الابتزاز بحق المشترين، ويعقب إبراهيم: العملية ككل غير قانونية، أنا لا أقول إنها ملاحَقة من قبل أي جهة، لكنها في النهاية غير قانونية، وهذا بكل تأكيد جعلنا كأصحاب محال لبيع السجائر عرضة للخداع والغش وأيضا للمشاكل، دون أن يكون باستطاعنا عمل أي شيء.
ويكشف سهيل عزت أحد تجار السجائر المهربة، وهو تاجر وسيط، أنه بالإضافة إلى تغير طعم السجائر بسبب تعرض علب السجائر للرطوبة والماء وغيرها من الظروف، طرأت أيضا مسألة أخرى تتلخص في قيام بعض التجار بتعبئة علب سجائر في الضفة ونقلها إلى منطقة أريحا وبيعها على أنها مهربة، حتى أصبح من غير الممكن التمييز بين الدخان المهرب والمزيف، وهذا كله يؤدي إلى اختلاف الطعم ومشاكل مع الزبائن، "وفي النهاية نحن نقع في كمائن التجار الكبار".
ويضيف عزت: أنت عمليا تبيع الزبون سمكا في بحر، لا أنت تعلم حقيقة طعم علبة السجائر ولا حتى هو، ثم قد يعود لك يشتكي ويتذمر، أو لا يعود نهائيا لأنك أصبحت في نظره شخصا يمارس الغش، وفي الحقيقة ليست هذه الحقيقة، هذه خديعة تنتقل من مرحلة إلى مرحلة، ولا أخفي أننا مستفيدون من بيع هذا النوع من السجائر، لكن المستفيد الأكبر ليس نحن، والثغرة المهمة ليست من طرفنا، بل من طرف الجهات الأمنية والقضائية.
التواصل مع "حيتان السجائر" سهل في حال كنت تريد الشراء، لكن إن كنت تريد السؤال كصحفي فإنهم يتحفظون على الإجابة، ليس خشية في الملاحقة لأن "الكل يتذوق طعم التهريب" كما يقول التاجر موسى -اسم مستعار بسبب رفضه الكشف عن اسمه، مضيفا أنهم لا يخشون الملاحقة لأن "طعم المصاري أهم من طعم الدخان، واحنا يا خال بنرش ع الشباب الطيبة".
وينصحنا موسى أن لا نكمل كتابة التقرير الذي استدعى وجودنا في أريحا، لأن ظاهرة تهريب السجائر وانعكاس ذلك سواء على طبيعة وطعم الدخان ليس من اهتمامات أحد كما يقول: يعني إنت هون شايف وإنت واقف معي أنه الأمن سامع وشايف، والتجار هون عينك عينك وما حد مخبي حاله، ولهيك يعني ما حد راح يهتم يلاحق مسألة تخزين الدخان أو تزييفه.. لو محلك ما بطرح الموضوع من أساسه، ولو محلك تعال نفتح خط تجارة معك! ختم ممازحا.