لم تكد معركة سيف القدس تضع أوزارها ويلمع في الأفق بريق انتصارها حتى سارع بعض المشككين للتقليل لا بل التخفيف من وطأتها على المحتل وكأني بهم هم من ذاق وبال الهزيمة… وبدأوا بالتنظير والتحليل لنظرية المؤامرة… فإذا كان المحتل نفسه قد اعترف بهزيمته ومعظم المحللين العسكريين المحايدين أقروا بذلك فلماذا تكونوا ملكيين أكثر من الملك؟، وقبل هذا وذاك فإن غالبية الشعب الفلسطيني قد شعرت ولمست وعايشت هذا النصر لحظةً بلحظة ليس هو فقط إنما كل الشعوب العربية والإسلامية التي خرجت وتمردت على حكامها وبدأت بمظاهرات ومسيرات مليونية نحو حدود فلسطين حتى أن هناك قيادات عسكرية في بعض البلدان كادت تتحرك من تلقاء نفسها… أليس هذا نصراً؟ نعم كل هؤلاء شركاء بالنصر وهذا لا بد أن يــُراكم ويُبنى عليه بانتظار معركة التحرير الكبرى والتي بدأت ملامحها بالظهور.
أعتقد أنه من باب احترامنا للشهداء الذين ارتقوا وللجرحى الذين سقطوا وللجهد المبذول والنفق المحفور والعَرَق المصبوب والدم المنزوف أن نؤكد وندافع عن هذا النصر الملحوظ وأن نبني عليه وحدةً وطنيةً حقيقيةً تخرجنا من نفق الانقسام المظلم إلى غير رجعة لأن في نهايته وبلا شك سيكون النصر الحقيقي.
إن من لا يستمع إلى نبض الشارع ويراعي مشاعره أعمى بعيون صهيونية... إذاً فهل كانت معركة بيروت واجتياح عام 1982 هزيمة؟… مع أننا منذ أربعين عاما نتغنى بنصرها… إن عدم تحقيق العدو لأهدافه هو لاشك نصر(القوي إذا لم ينتصر فهو مهزوم والضعيف إذا لم ينهزم فهو منصور… عسكرياً طبعاً) وإذا ما أجرينا مقارنةً بسيطةً حسب النسبة والتناسب ما بين قوة المقاومة وقوة العدو الهائلة فإن مجرد الصمود لعدة ساعات هو نصر مؤزر فمن وجهة نظر عسكرية بحتة فإن أرضاً مساحتها ٣٦٠ كم مربع منبسطة لا يوجد بها جبال أو هضاب ولا أية عوائق طبيعية ولا يملك المدافعون عنها مضادات طيران فهي بالكاد تحتاج لسرية دبابات تجتاحها من أولها إلى آخرها بعدة سويعات.... لكن من المفارقات أن جنرالات العدو لم يجرؤوا حتى على مجرد التفكير بهكذا عملية لا بل أن كثيراً منهم صرحوا وبلا خجل قائلين: إن المقاومة تحاول جرنا لمواجهة برية لكننا متنبهون لهذه المصيدة ولن نقدم على ذلك...هذا هو خامس أو سادس أقوى جيش بالعالم… لقد مرغت المقاومة أنف هذا الجيش بالتراب وأهانت غروره وعقيدته العسكرية وقلبت كل نظريات العلوم العسكرية...
الجميع شاهد خسائر المقاومة المحدودة وعدد الشهداء لكن ما من أحد شاهد أو علم خسائر العدو من عدة وعتاد وانعكاس ذلك على الاقتصاد تحت بند أن الرقابة العسكرية تمنع ذلك... والأهم من كل هذا وذاك هو الهزيمة النفسية المُرة لمستوطني الكيان الغاصب والهجرة المعاكسة وانقلاب الرأي العام العالمي وانعكاساته على السياسة الدولية برمتها.. إن ارتدادات زلزال النصر لا زالت تكبر وتتسع وعلى من يشكك بذلك أن يعيد النظر والسمع...
ومرة أخرى أقول للمشككين بهزيمة العدو ونصر المقاومة: لا تكونوا مثل النعامة التي تضع رأسها بالرمال غير مكترثين بنبض الشارع وأحاسيس الجماهير التي انتفضت وقاتلت وتظاهرت ورابطت وسبقت القيادات التي لا زالت تراهن على التفاوض والاستجداء وسيلة ونهج و قانون حياة … هذه الجماهير التي وحدت الوطن من البحر إلى النهر وكسرت حاجز الخوف والرهبة من المحتل هذا الجيل الصاعد لابد أن يكون النصر على يديه وفي زمنه ...
فالتحية لكل فصائل المقاومة وأجنحتها العسكرية: في كتائب القسام وسرايا القدس وألوية الناصر وكتائب شهداء الأقصى وأبو علي مصطفى والمقاومة الوطنية ولغرفة العمليات المشتركة فلقد أعدتم بصمودكم ونصركم إشراقة ولمعان قبة الصخرة وعفرتم بغبار بساطيركم وجوهاً كالحة استمرأت طعم الذل والهوان والتطبيع وبرهنتم عملياً أن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بها...
في ال ٦٧ هزمت إسرائيل 6 جيوش عربية في ٦ ساعات وكاد البعض أن يعتبر ذلك نصراً !!!لماذا ؟ بحجة أن العدو لم يُسقط الأنظمة !!
إن السيف الذي استُل من غمده في غزة لأجل القدس أحرج كثيرين ممن يدعون أنهم حماة للأقصى والقدس ومن أجلهم وُجدوا لذلك رأينا فيما بعد كيف أقسموا وتعهدوا بأنهم وفي أي معركة قادمة سيكونوا جزءاً منها وَلَيُحولُنها إلى حرب إقليمية… وهنا لا يسعنا إلا أن نقول: إن غداً لناظره لقريب....
لقد أخذت المقاومة بالأسباب وأعدت للعدو ما استطاعت من قوة وتجهزت بكل حزم وحسم ودهاء… نعم هكذا كان الشيخ القسام قبل مائة عام بالضبط عندما وصل إلى فلسطين… فقوة العدو وكثرته لم ترهبه أو ترهبهم فالقسام في زمنه قاتل الاحتلال الإيطالي بداية ومن ثم الاحتلال الفرنسي وليس آخراً الاحتلال البريطاني الذي في حينها لم تكن تغرب عن أراضيه الشمس والصهيونية العالمية... قاتل بلفور وسايكس بيكو لقد كاد أن يغير وجه الشرق الأوسط… فإن لم يكتب له حينها بالنصر فإني أعتقد جازماً أن تلاميذه وأحفاده على وشك تحقيقه الآن...
نشر كاتب كندي مؤخراً كتاباً عن القسام باللغة الإنجليزية أعطاه عنواناً لم يجرؤ أو يفكر به أي كاتب
عربي و هذه صورة الغلاف وأعتقد أن ترجمته كما قال متخصصون باللغة وكما أخبرني المؤلف الذي حضر من كندا خصيصاً لمقابلتي سعياً منه خلف أي معلومة عن القسام والذي كان بنظرهم ظاهرة تستحق الدراسة:
"برق خلال السحاب… عز الدين القسام وصناعة الشرق الأوسط الحديث".
فقد كان الكاتب يعتقد ومَن خلفَه من مؤسسات سياسية أنه لو قُدر للقسام أن ينتصر بثوراته لكان غيّر وجه الشرق الأوسط(إلغاء وعد بلفور وسايكس بيكو ومن ثم توحيد بلاد الشام ) وصنع شرقاً أوسطاً جديداً..
هذا بعيداً عن القناعة والعقيدة الدينية والتي نؤمن بها نحن كمسلمين والتي لولاها لما كنا انخرطنا في طريق النضال والجهاد.. (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا)
أعتقد أننا في الربع ساعة الأخيرة من تحقيق النصر وتحقق وعد الله الآت لا محالة… لذلك ومن باب تواضع المنتصر والثقة المطلقة بنصر الله...لذا فأنا أنصح المستوطنين الصهاينة في فلسطين والمحتلين بشكل عام بالاستعداد للرجوع من حيث أتوا ويحزموا أمتعتهم قبل أن تزدحم بهم الموانئ وصالات المطارات....
يرونه بعيداً ونراه قريباً وإنا وباذن الله وحتماً لمنتصرون...
*أحمد محمد عزالدين القسام/ حفيد الشهيد عزالدين القسام