الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"كل الإحتمالات واردة على جبهةِ التسوية الباردة !!"/ بقلم: بقلم: رائد دحبور

2015-03-25 10:25:52 PM
صورة ارشيفية

رُبَّما يعتبرُ كثيرٌ من النَّاس أنَّ الحديثَ في موضوعِ التّسويةِ السِّياسية، يُشبِهُ الضَّربَ بالميِّتِ، أو أنَّهُ يُشبِهُ طحنَ الماءْ، ولهم في ذلك كل العذر، ولكنَّ مشروع التسوية في جوهره يمثِّلُ تعبيراً عن إرادةٍ دوليَّة وإقليمية تتجاوز قدرة الفلسطينيين الواقعية على تجاوز مفاعيلها وحيِّزات ضغطها، كما تتجاوز قدرة الدبلوماسيَّة الإسرائلية على الإعلانِ صراحةً وبفجاجةٍ عن تنصُّلها النهائي منها، وإنْ كانت ممارسات إسرائيل على الأرض تنافي أيَّ التزامٍ بمقتضياتها وحتَّى بالحدود الدُّنيا.
إنَّ ما اصطُلِحَ على تسميته بقوَّةِ الدَّفع لعمليَّة السلام، وإجراءِات بناء الثِّقة – وهي بالمناسَبَةِ مصطلحاتٌ أمريكيَّة استخدمتها جميع الأطراف – لم تكن سوى أفكارٍ كان يتمُّ استنساخها بصيغٍ مختلفة من جانب الدبلوماسية الأمريكية حيناً، وأحياناً من قبل الإتحاد الأوروبي، أو الرُّباعيَّةِ الدَّوليَّة، وكانت تلك الأفكار تَتِكسَّرُ كمعاوِلٍ نَخِرَةٍ على الجدرانِ الصَّلدةِ والمرتفعة للقضايا الجوهريَّة – قضايا الحل النِّهائي - الَّتي تمّ تأجيل بحثها المرَّة تلو الأخرى، والَّتي كان الخلافُ حولها وباستمرارٍ مدعاةً لنَسفِ أي بيئةٍ للثِّقة بمستقبلِ واقعي لعمليَّة التسوية.
ثمَّ إنَّ عمليَّةً سياسيَّةً قامت برُمَّتها على حسنِ النَّوايا، وعلى إجراءاتٍ لبناءِ الثِّقةِ المفقودةِ، وبِضغوطٍ دوليَّةٍ وإقليميَّة كانت على الدَّوام توجَّهُ نحو الطَّرَف الفلسطيني الأضعف في حسابات موازين القوى؛ سيكونُ وبالتأكيد هذا هو سياقها الطَّبيعي الَّذي نراه الآنْ، وستكونُ صيرورتها المنطقيَّة والواقعيَّة ما سوفَ نراهُ في النِّهايةِ، من انغلاقٍ تامٍّ لأيِّ آفاقٍ تبعثُ على بصيصِ أملٍ، أو تبررَ أيَّ تفاؤل بالمستقبل !!.
على صعيدِ النَّوايا – الَّتي لم تكن ربَّما تخفى على أحد – كشفَت الدِّعاية الإنتخابيَّة الإسرائليَّة، وهي مناسبةٌ موسميَّة للكشفِ عن الأفكارِ الإستراتيجيَّة أكثرَ من الكشفِ عن النَّوايا، عن حقيقةِ الفكر الإستراتيجي المشترك الَّذي يجمعُ مختلف الرؤى والأحزاب والإتِّجاهات السِّياسيَّة في إسرائل وعلى اختلافها حول الإيمان والتَّمسُّك بفكرةِ عدم إنهاء الإحتلال بشكلٍ نهائي وتام لأراضي الضِّفة الغربيَّة، خصوصاً في الأغوارِ وفي القدسِ ومحيطها، وكذلك عدم الإستعداد لإخلاء التَّجمُّعات والكتل الإستيطانيَّة الكبرى، الَّتي تمتدُّ من الخليل حتَّى جنوبي مدينة نابلس على الأقل، بما في ذلك التَّجمُّعات الإستيطانيَّة في غور الأردن، وكذلك عن عدمِ استعدادِ أحدٍ في إسرائيل للعودة الى حدود الرَّابع من حزيران عام 67  بشكلٍ كامل.
إزاءَ ذلك ماذا بوسع الأطراف الدَّوليَّة أنْ تفعلَ، وهي الَّتي تُعيدُ الآن تكرار نفسَ الخطاب الدُّبلوماسي الآمل باستئناف مفاوضات السَّلام، والموجَّه لنتنياهو بالدَّرجة الأساسيَّة، ووفق الأعراف الدُّبلوماسيَّة، والمُفعم فقط بكلمات الرَّجاء والأمل، وبالثِّقة العائمة على المياه الرَّاكدة الآسنة لعمليَّةٍ فقدت أيَّ روحٍ لها عبرَ عقدين من الزَّمن، وأخيراً في بيئة الشِّعارات الَّتي كانَ قد أطلقها نتنياهو وبكلِّ صراحة في السَّاعات الأخيرة من دعاية حزبه الإنتخابيَّة ؟!.
تلك الشِّعارات الَّتي ترفض قيام دولةٍ فلسطينيّة بشكلٍ قاطع، وتتجاوزُ حتَّى الى التَّحريض على العربِ الفلسطينيين داخل حدود عام 1948.
يبدو في الظَّاهر أنَّ نتائج الإنتخابات الإسرائليَّة أتت على غيرِ هوى إدارة الرَّئيس أوباما وعلى غير هوى وزير خارجيَّته، كما على غيرِ هوى كثيرٍ من الأطرافِ الدَّوليَّةِ والإقليميَّة والعربيَّة، لكنَّ الجميعَ سارع الى بثِّ ذات الرَّسائل المكرورة حول الأمل مجدداً بإحياءِ عمليَّة التَّسويَة من جديد وضمن شروطٍ أكثر ملاءَمةً، وهم في الحقيقةِ يدركون أكثر من الفلسطينيين أنفسهم أنَّ هذا مستحيل !!. وما هي الشُّروط الأكثر ملاءَمة في ظلِّ الإستمرار في فرضِ منطق القوَّة وحقائق الدِّيموغرافيا الإستيطانيَّة المُستحدثة ؟!.
وماذا بوسعِ الفلسطينيينَ أنْ يفعلوا إزاءَ كل ذلك، وإزاءَ هذا الإستهتار الدَّولي بما ستؤولُ إليه أوضاعهم، وبما تحمله الأيَّام من احتمالاتٍ مفتوحةٍ على اندياح دوائر العنف، وعلى فقدانِ كل مقومات وأسباب الأمل بالمستقبل، وفقدانِ أيَّ ثقة بهذه العمليَّة الَّتي استهلكت كل أوراقها ؟!.
هذه الأسئلة، تدورُ في خَلَدِ كل فلسطيني، وإنْ اختلفت درجة اهتمامه، أو مقدار اقتناعه، بمجريات وتفاصيل التّحلُّل الجاري في جثَّةِ عمليّة التَّسوية الميِّتة، وحيالَ الرَّماد الخامدْ، واحتمالات نيران العنف الكامنة تحتَ رمالِ جبهتها الباردة !!.