الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"مثقفون في فخ الطائفية" / بقلم: تيسير الزّبري

صريح العبارة

2015-03-25 10:32:42 PM
صورة ارشيفية


منذ مدة طويلة، وموضوع بعض تيارات المثقفين العرب يثير في النفس القلق والشعور بالأسى من هذا الانحراف عن فهم حقيقة ما يدور في منطقتنا العربية منذ بدء التحركات الشعبية والتي أطلقنا عليها مسمى الربيع العربي. ما زال البعض حتى اليوم يرفض الإقرار بحقيقة ما جرى، بل ويعتبره "مؤامرة" مستندين بذلك على بعض النتائج السلبية بالرغم من أنها، أي تلك النتائج، لم تتبلور بعد، ولم تصل إلى نهاياتها.
سوف أتوقف في هذا المقال، وأنا ملزم بعدم الإطالة، أمام محطات ومواقع لا بد منها وذلك للتدليل على ما سوف أقول.
*الثورة الشعبية في تونس ومصر هي ثورة ضد الظلم والقهر والفساد بكل ما تركته تلك الأوضاع من فقر ومرض وهجرة تبحث عن لقمة العيش، وبالرغم من أن محاولات قد تمت من تيارات دينية إسلاموية بعينها السيطرة على تلك الثورات والذهاب بها إلى حيث تريد، إلا أن الأشقاء في مصر وتونس استطاعوا استرداد جوهر ثورتهم بالرغم من أنهم لم يسلموا تماماً من ثارات من فشلوا في سرقة الثورة وتضحيات أبنائها (كما حصل قبل أيام في مذبحة المتحف الوطني في تونس).. والسؤال هو كيف تراوحت مواقف بعض التجمعات "اليسارية" والشبابية المتطرفة من هذه التحولات وماذا كان دورها فيها؟!
*وعندما انتقلت التحركات إلى سوريا، وهي تحركات كانت في جوهرها تحركات بريئة وديمقراطية جرى قمعها بقوى من قبل النظام، وهو بذلك أضاع فرصة تاريخية في الاستجابة للمطالب الشعبية آنذاك. في المقابل جرى استثمار تلك الحالة من قبل قوى خارجية استهدفت إسقاط سوريا وتفتيتها خدمة لأغراض إقليمية لم تكن القوى الرجعية والولايات المتحدة وإسرائيل بعيدة عنها. لقد تحول الصراع في سوريا من كونه تحركاً شعبياً إلى صراع إقليمي ودولي كما هو الحال اليـوم. لم يدرك جمهور واسع من المثقفين "وذوي الأصول القومية واليسارية" أن دائرة الصراع قد انتقلت إلى دوائر أخرى أوسع وأخطر وأن الحديث عن "قمع النظام الأسدي" ما هو إلا خدمة إلى ذات القوى الإقليمية والدولية المعادية لسوريا خاصة ولقوى التحرر عامة، ولم يتحسس هؤلاء "المثقفون" مواقع أقدامهم، ولم يدركوا أنهم يلعبون في ذات الملعب الأمريكي– الوهابي أو التركي العثماني ولم يرغبوا في رؤية الدور الإسرائيلي حاضراً في كل ما يدور، وما زالوا لا يرون في التاريخ السياسي الحديث إلا أشهر من الصراع الدموي المؤسف ما بين النظام السوري وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية قبل ما يزيد عن أربعة عقود، وكأن السياسة تحركها نوازع الكراهية والانتقام وليس المصالح المشتركة!
*الأمر الأن يتكرر في العراق الذي يواجه معركة تهدد مصيره ووحدته الإقليمية واقتصاده ومكوناته الثقافية والتاريخية. ما نراه أن اتجاهاً (من التيارات القومية وشبه اليسارية) لا يرى في العراق سوى الدور الإيراني (وهو يسميه احتلالاً!!) وعندما كانت بعض دول الخليج تعمل دعماً لاتجاهات طائفية وتصب أموالها في جيوب ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش) وتطالب بتمزيق وحدة العراق إلى دويلات طائفية (سنة، شيعة، قومية كردية) لم يقل أصحاب هذا التيار شيئاً عن حجم تلك المؤامرة. الدور الخليجي المدعوم أمريكياً يراه كل الناس، ولا شك أنهم سمعوا عن محاولة الإدارة الأمريكية دعوة شيوخ العشائر (السنية) إلى واشنطن من أجل تمويلهم وتسليحهم واحتوائهم في إطار المخطط الأمريكي، وعندما قررت الحكومة العراقية (حكومة العبادي) أن تواجه المجموعات الإرهابية بقواها الذاتية فإن الإدارة الأمريكية رفضت تسليم العراق الأسلحة التي اشترتها ودفعت ثمنها سلفاً. العراق الآن تقاتل بدعم إيراني وهي لا تخفي ذلك، فلماذا ينبري "مثقفونا" بالهجوم على إيران التي تدعم وحدة العراق وصموده في وجه قوى الإرهاب التي تهدد كل منطقتنا أيضاً؟ ونذّكر المحذرين مما يسمى بالاستعمار الفارسي أن إسرائيل هي رأس الحربة ومعها الكونغرس الأمريكي (الجمهوري) وعدد من القوى الخليجية البترولية هي التي تقف في ذات الموقف من إيران. كل الدعوات الإيرانية للتعاون مع دول الخليج ورسائل التطمين والزيارات الرسمية لم تنفع في وقف هذا الاندفاع نحو التذيل للموقف المعادي لإيران!
ما نراه وما نسمعه من البعض لا يمت إلى سياسة المصالح بصلة، فنحن مصالحنا مع من يقف في صفنا ضد الاضطهاد وضد من ينهب ثروتنا ويبددها وضد الاحتلال الإسرائيلي وضد كل المؤامرات التي تستهدف تفتيت بلادنا إلى ممالك طائفية لا تخدم في البداية والنهاية سوى مصلحة إسرائيل ودعواها في إقامة دولتها اليهودية على حساب مصالح الشعب الفلسطيني مستفيدة من هذا العنوان الطائفي الدارج في منطفتنا والمسوغ لكل القوى الرجعية السوداء.