السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مراقبون: التوطين أصبح «واقعاً» والأمن الأردني لا يحتمل تواصلاً جغرافياً وديمغرافياً مع الفلسطينيين!

2014-01-21 00:00:00
مراقبون: التوطين أصبح «واقعاً» والأمن الأردني لا يحتمل تواصلاً جغرافياً وديمغرافياً مع الفلسطينيين!
صورة ارشيفية

عمان – بثينة السراحين

تتصاعد في الأردن دعوات فردية وتكتلات جماعية لمناهضة مشروع وزير الخارجية الأميريكي جون كيري بما يتضمنه من تنازلات تمهد لفكرة الوطن البديل المرفوض أردنيا، وتفرط بحق العودة المأمول فلسطينياً. وتبدو صورة الدور الأردني في المرحلة النهائية للمفاوضات مبهمة، خاصة في ظل التصريحات الرسمية “المتناقضة” وغير المطمئنة، وشحّ المعلومات المتوفرة عما نجمت عنه المباحثات مع الوزير كيري.

شحّ المعلومات بدا واضحاً من إعراض الناطق بإسم الحكومة الأردنية محمد المومني عن الرد على أسئلتنا حين هاتفناه على جواله الشخصي، وردّ علينا مدير مكتبه طه الخصاونة مؤكدا “أن الوزير صرح سابقا في موضوع المفاوضات” ما يعني كذلك أن لا جديد يمكن التحدث عنه في هذا الإطار. 

الغموض وخطورة الطروحات

السرية والتكتم على النتائج الأولية للمباحثات يعللها مدير مكتب القدس العربي في عمان بسام البدارين بأنها «مؤشر واضح على وجود تنازلات مؤلمة تطال حقوق تاريخية للشعب الفلسطيني، والسرية مطلوبة (حتى تزبط الطبخة) وهي مستمرة إلى أن يتم إنجاح المشروع بالتوافق ما بين كافة الأطراف، ما يفسر غياب الشفافية في المعلومات، والتي تنتظر غطاء غربيا للتجرؤ بالكشف عنها».

التوقعات حول المرحلة التي وصلت إليها المباحثات، حسب البدارين ومصادره الخاصة تفيد أن: «الملامح العامة للاتفاق تم إنجازها، من بينها موضوع الحدود، غير أن الاشتباك الأردني- الفلسطيني ظل متمحورا حول قضية اللاجئين والجهة المخولة بتمثيلهم، ويبدو أن الفلسطينيين لن يحظوا بعاصمة في القدس الشرقية، حيث مقترح كيري يقضي بوجود مركز فلسطيني إداري إستثماري في شعفاط أو أبو ديس لتحويله لعاصمة مستقبلية للدولة الفلسطينية”.

المفكر الفلسطيني، جواد البشيتي يشدد على أن «كل ما ينشر في وسائل الإعلام هو مجرد تكهنات وتحليلات وليست بمعلومات، والمباحثات مع الوزير كيري لا يعلم مجرياتها إلا الملك عبد الله الثاني ووزير خارجيته ناصر جودة فقط» مفسراً الغموض في العملية التفاوضية القائمة «بخطورة طروحاتها وبالتحسّب من الغضبة الشعبية في حال تم التوصل لشيء يتعارض وإرادتها».

وخلافاً للشائع، يلمح البشيتي إلى أن “اتفاقا ما لم ينجز بعد، وكل ما يجري مجرد طروحات وأفكار قدمها الوزير كيري للأطراف المعنية دون وجود إتفاق إطار مكتوب، ولا تزال الأفكار المطروحة قيد البحث والدراسة، وللعلم فإن الطرف الإسرائيلي أبدى اعتراضه على هذه الأفكار، فيما أبدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس تشددا في رفضها، غير أن الوزير كيري طلب من الطرفين بحث هذه الأفكار ودراستها إلى حين إنجاز إتفاق أمريكي /إيراني”.

ويفسر البشيتي قائلاً: «كما هو معلوم فإن السقف الزمني للمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي هو نيسان القادم، إلا أن الإدارة الأمريكية معنية باستمرارها إلى ما بعد هذا التاريخ، وتحديدا إلى حين إنجاز إتفاق مع إيران؛ قد تحصل أمريكا من خلاله على تنازل في إطار (الموّال الفلسطيني)، هذه الصفقة التي تقوم السعودية فيها بدور الضاغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتقديم تنازلات وتحديدا فيما يخص القدس، وأما بالنسبة للأردن فأنا أجد أنه يتعامل بحذر شديد مع هذا المسألة لينأى بنفسه عن التورط بأية عواقب وتبعات لهذه الصفقة، كما لا يريد أن يظهر بدور الضاغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات محتملة».

المحلل السياسي محمد الدعمة، مراسل الشرق الأوسط السعودية من عمان، يكشف نقلا عن مصادر عليمة أن “الخلاف عميق ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبأن أي اتفاق لم ينجز بعد”، مبينا، ونقلا عن مصادره أيضا بأن «التفاوض والتباحث ما يزال يتمحور حول نقطة واحدة وهي الملف الأمني، وحتى حول هذه المسألة لم يتم التوصل لشيء، حيث تصر إسرائيل على الإحتفاظ بالأغوار وإبقاء سيطرتها على بؤر ونقاط إستراتيجية؛ وتحديدا في بعض المستوطنات الموجودة في قلب الضفة الغربية، والتي تصر على بقائها ضمن أية حلول نهائية؛ ما يتعارض مع الرؤية الفلسطينية ويرفضه الرئيس عباس بشدة”.

ويستند الدعمة في نفيه للتصريحات القاضية بالتوصل لاتفاق ما بالتذكير “أن الإتفاق منذ البداية، وخلال أول اجتماع جرى بين المتفاوضين في وزارة الخارجية الأردنية، اشترط أن يكون الجانب الأمريكي (فقط) المخول بالتصريح رسميا حول مجريات المباحثات، وهذا الجانب، أي الأمريكي لم يصرح بشيء (مفيد) حتى اللحظة ولم يقدم أية معلومات هامة، بل إن الوزير كيري خرج مؤخرا خلال وجوده في باريس نافيا كافة التصريحات الصادرة فلسطينيا وإسرائيليا، ما يؤكد إستمرار التنافر في وجهات نظر الأطراف المتفاوضة”.

المُعارضة الأردنية البارزة والنائب البرلمانية الأسبق توجان الفيصل تستغرب الضجة والإثارة التي يُحاط بها مشروع كيري، مفسرة ذلك بأنه «لا يوجد سرية في الأمر، وما يتم إنجازه اليوم متفق عليه منذ زمن، وتاريخيا ومنذ بداية المفاوضات مع إسرائيل وما تلاها من معاهدة وادي عربة وإتفاقية أوسلو، كان من المسلم به الوصول لمثل هذه النتائج التي كانت معروفة مسبقا لكافة الأطراف، ولهذا لا أرى جديدا فيما يطرح اليوم من تنازلات هي محسومة من السابق، لكن تم إختيار التوقيت المناسب لتمريرها؛ الربيع العربي”.

وتستدرك الفيصل «في حال تم الإعلان عن مثل هذه التنازلات؛ فإن ذلك سيكون بمثابة برميل بارود سينفجر، فالشعبين الأردني والفلسطيني لن يتقبّلا بأي حال أن يُفرض عليهما مثل هذا الأمر الخطير، والحال كذلك فإن الخوف وعدم الجرأة في الكشف عن تفاصيل تفاهمات المفاوضين الأردنيين والفلسطينيين مع الوزير كيري يبدو طبيعيا”.

التوطين واقع ولا عودة للاجئين

المحلل السياسي محمد الدعمة؛ وهو لاجىء فلسطيني، يشدد على أن «إسرائيل لن تسمح نهائيا بعودة أي لاجىء فلسطيني لبلدته أو مدينته الأصلية، وشخصيا في حال لم أرجع لقريتي صبّارين/ قضاء حيفا، فلن أقبل بالعودة لأراضي الضفة الغربية؛ لأنّ اللجوء سيظل قائما، وبالنسبة لي التعويض المالي أيضا غير وارد لأن هناك أشياء لا يمكن تعويضها بالمال، وللعلم فإن الأردن ضمنيا لا يمانع التوطين، لأن التوطين ببساطة أصبح واقعاً ملموساً منذ زمن بعيد، بدليل أن العديد من رؤساء حكومات ومسؤولين سابقين أردنيين مثل عبد الرؤوف الروابدة وعلي أبو الراغب وفيصل الفايز وغيرهم عرّفوا اللاجىء الفلسطيني في الأردن بأبناء غزة ومن يماثلهم من حملة الوثائق، وقد جاءت تصريحاتهم واضحة بأن تعريف الفلسطيني في الأردن هو من لا يحمل الرقم الوطني الأردني، وبأنّ كل من يتمتع بالجنسية الأردنية يعتبر مواطنا ويتمتع بكامل الحقوق السياسية والمدنية، وعليه؛ فالأردن يتوقع تلقي التعويضات المالية عن إستيعابه للاجئين الفلسطينين والتي لا نعرف حتى اللحظة إن كانت ستقدم للدولة أم للأفراد”.

المُعارضة توجان الفيصل تجزم بأن «اللاجئين الفلسطينيين لن يعودوا لبلدهم، وبأن إنجاز عملية التسوية الحالية، سيعقبه موجات أخرى من التهجير القسري لعرب 48، هذا هو المُخطط الإسرائيلي، وليس خاف على أحد أن الأردن وفقا لتقارير صحفية عربية يطالب بتعويضات بقيمة 55 مليار دولار مقابل توطين اللاجئين الفلسطينيين ضمن الصفقة القادمة”.

الكاتب الصحفي بسام البدارين ردّ على سؤال لـ “الحدث” حول السند القانوني لتعريف اللاجىء الفلسطيني الذي صرح به رئيس الوزراء عبد الله النسور وحصره (فقط) بمن تحرك من فلسطين قسرا للأردن بين عاميّ 1946م و1949م، بالإشارة إلى أن “التصريحات التي استندت لسجلات الأونروا تعتبر من وجهة نظري متسرّعة وغريبة وهي بمثابة بالون اختبار لرغبة واضحة بتلقي التعويضات عن توطين اللاجئين، والتي يدور الخلاف حولها مع الجانب الفلسطيني، الذي يبدو بدوره جاهزا للموافقة على مسألة التوطين في البلاد المضيفة للاجئين”.

ويواصل البدارين “التوطين في الأردن (واقع) كما يقول السياسي البارز عدنان أبو عودة، ومنصوص عليه في البند الثامن من إتفاقية وادي عربة ولا يوجد مشكلة تجاهه من قبل الأردن؛ لأنه واقع موجود بالمعنى السياسي، ولكن بالمعنى القانوني والدستوري غير موجود، ما يفسر حرص الأردن على عدم تعريف المواطن الأردني”.

الأردن وهواجس الحدود

يعلل مصدر فلسطيني مطلع، في عمان، المخاوف الأردنية من سيطرة أمنية فلسطينية مفترضة، ضمن أية حلول مستقبلية، على الأغوار المحتلة «بالضرورات الأمنية التي توجب وجود فصل جغرافي وديمغرافي لفلسطينيي الضفة وغزة وعرب 48 عن أبناء جلدتهم؛ ممن أصبح توطينهم أمرا ممارسا فعليا منذ عقود في الأردن، الذي يخشى القائمون عليه من أن يؤدي التواصل الديمغرافي الفلسطيني لتحويل فزاعة الوطن البديل لحقيقة ملموسة حال صارت حدوده متصلة بحدود فلسطينية مباشرة».

المصدر يُسند تحليله السابق “لرفض الأردن مطلبا فلسطينيا قديما عُرض عليه مرارا لترسيم حدوده مع إسرائيل مستثنيا منها حدود الضفة الغربية. وهذا الرفض يدلل أن الأردن على دراية بآفاق التسوية النهائية؛ والتي يحاول الوزير كيري التوصل إليها في جولاته الأخيرة؛ وإن تحقق هذا الأمر، فإن فلسطين المستقبلية، وفق خارطة التسوية المقترحة، ستكون دولة داخل دولة، على غرار دولة نتسوانيا/ جنوبي إفريقيا”.

ويكشف المصدر الفلسطيني لـ “الحدث”: “أطلعني أصدقاء مقيمون في رام الله على مخاوف الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي عبر عنها خلال جلسة جمعتهم به، وتتمحور هذه المخاوف حول الضغوطات التي تمارس عليه أميركيا لترجمة الرؤية الإسرائيلية لترسيم الحدود الفلسطينية المستقبلية. كما ألمح الرئيس عباس، حسب تعبيرهم، عن توجسه من الموقف الأردني بهذا الخصوص”. 

في ذات السياق، يعتقد الكاتب الصحفي بسام البدارين أن “الأردن يفضل أن لا يكون هناك أمنا فلسطينيا على حدوده، وعلى الرغم من الموقف الأردني الرسمي العلني المؤيد لحدود له مع الفلسطينيين، إلا أنه في حقيقة الأمر يُخفي ثقته بأن مصلحته الأمنية في بقاء حدوده متصلة مع إسرائيل؛ ذلك أنه – أي الأردن- لا يثق بالتجربة الأمنية الفلسطينية المتواضعة، وهي تجربة غير ناجحة وفصائلية مشتتة كما هو واضح للجميع”.

في المقابل، يرى المحلل السياسي محمد الدعمة أن «الأردن وخلافا لما يُروج له إعلاميا بتأييده سيطرة إسرائيلية على الأغوار، يجد أمنه في ترسيم حدوده مع فلسطين على نحو مباشر، للتخلص من فكرة الوطن البديل التي تراود الفكر الصهيوني المتشدد، وبالتالي يرغب الأردن بحدود فلسطينية معلنة ومحددة بما يمكنه من القول هذه حدودنا وهذه حدود فلسطين؛ وليس إسرائيل بما يحمله ذلك من تهديدات لأمنه».

عبارة مرنة وفضفاضة

ما سبق محاولات لفهم الموقف والدور الأردني في المفاوضات التي سيظل خلالها، ووفقا لبيان صدر مؤخرا عن الديوان الملكي يحرص على «مراعاة مصالحه الوطنية العليا” وهي عبارة يراها المحلل السياسي بسام البدارين «سياسية مرنة مفتوحة على كافة الاحتمالات، وأعتقد أن المقصود أن تكون كذلك، حيث الميكانيكية في العبارة أن يُعرّف الأردن مصلحته في أي وقت يشاء حسب بوصلة عملية التفاوض والتسوية السياسية. ولكن أنا كمراقب أفهم من هذه العبارة أن الأردن - الذي يركز في الآونة الأخيرة على موضوع أحقيته في تمثيل اللاجئين- يلمح لهذه الرغبة من خلال العبارة التي ستظل مفتوحة على كافة الإحتمالات كما أسلفت”