غادر بنيامين نتنياهو مقعد رئاسة الحكومة الإسرائيلية رغم أنفه، ورغم أن حزبه الليكود هو أكبر حزب في الكنيست حيث يمتلك ثلاثين مقعدا ودعم اثنين وعشرين عضو كنيست من الأحزاب الدينية والمتطرفين اليمينيين وجلس على كرسي رئاسة الحكومة بنيت الذي لا يملك حزبه سوى سبعة مقاعد. لقد سئم السياسيون في الكيان الإسرائيلي من بنيامين نتنياهو ولم يفلح في أربع جولات انتخابية خلال عامين في تشكيل ائتلاف حكومي برئاسته رغم ألاعيبه السياسية ومهارته في تفكيك وتركيب الأحزاب حتى باتت الحياة السياسية في الكيان الإسرائيلي في يد شخص واحد ودولة بلا موازنة وقضاء مستهدف وكنيست معطل وسخر كل جهده لحماية نفسه من الملاحقة القضائية له، لتورطه في قضايا رشوة وفساد، لم يقر نتنياهو بالهزيمة وشكك في شرعية الحكومة وسرقة أصوات الناخبين وحاول حشد أنصاره أمام الكنيست لإرهاب بعض الأعضاء وتعطيل جلسة منح الثقة للحكومة الجديدة في سلوك أشبه ما يكون بمغادرة حليفه في البيت الأبيض دونالد ترامب، الذي لوحق قضائيا في الكونغرس لعزله حتى بعد سقوطه في الانتخابات بتحريض أنصاره على الهجوم على مبنى الكابيتول وتهديده حياة ممثلي الشعب الأمريكي والولايات الأمريكية، كلاهما ترامب ونتنياهو متهم بإفساد الحياة السياسية في بلاده وكلاهما ترك خلفه شعبا منقسما على نفسه وكلاهما أورث بلده أوضاعا اقتصادية سيئة وبطالة مرتفعة.
أبرز ما جمع الرجلين أن كلاهما يعد بالعودة إلى الحلبة السياسية فاتحا ومنتصرا، بنيامين نتنياهو يقول إنه عائد خلال أسابيع بينما ترامب لا يستطيع قول مثل ذلك لأن أمامه أربع سنوات حتى نهاية ولاية خلفه جو بايدن وهي مدة كافية لينسى الشعب الأمريكي رئاسة الأحمق الذي شق الشعب الأمريكي وغذى العنصرية واستخف بالقانون الدولي وعلاقات أمريكا مع حلفائها، وأبرز ما جمع هذين الرجلين أنهما حاولا معا تصفية القضية الفلسطينية وعدم قيام دولة فلسطينية عبر ما أطلق عليه "صفقة القرن" والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وهما قضيتان اعتبرهما بنيامين نتنياهو التهديد الأكبر لوجود إسرائيل وهو أمر كشف عنه نتنياهو في خطابه أمام الكنيست عن التصويت بالثقة على حكومة بينت – لبيد وفي تعداد إنجازاته خلال فترة حكمه التي امتدت لأكثر من 12 سنة متواصلة.
لقد سيطرت رواية بنيامين نتنياهو للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والعربي – الصهيوني والأوضاع في الشرق الأوسط على دونالد ترامب ومستشاريه المقربين ورضخت بعض الدول العربية لهذه الرواية التي أنتجت صفقة القرن واتفاقات التطبيع التي تدعى اتفاقات أبراهام وقلبت أولويات الصراع العربي الصهيوني رأسا على عقب واستطاع نتنياهو أن يحدث خرقا في أولويات الصراع في المنطقة ويقنع ترامب أن يتبنى سياسة مغايرة للسياسة الأمريكية التي انتهجها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ونائبه جو بايدن ووزير خارجيتهما بخصوص حل الدولتين والاتفاق النووي الإيراني.
لقد خلف ترامب و نتنياهو وراءهما إرثا ثقيلا يحتاج من خلفيهما جهدا مضاعفا لتجاوز آثاره السلبية سواء في شأن الاتفاق النووي الإيراني وانسحاب ترامب منه أو في الشأن الفلسطيني كاعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وإغلاق القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وقطع المساعدات الأمريكية عن الأونروا ومستشفيات القدس ومشاريع التنمية في الضفة والقطاع والتفكر لحل الدولتين وقتل أولويات المبادرة العربية للسلام وحل الدولتين وبشرعنه الاستيطان وضم الجولان وكثير من القضايا التي باتت تخدم شخص ترامب للفوز بولاية ثانية وتخدم نتنياهو ليظل في رئاسة الحكومة الإسرائيلية.
لقد أفحم نتنياهو إسرائيل في السياسة الداخلية الأمريكية منذ عهد باراك أوباما ونائبه جو بايدن عندما تحدى الإدارة الأمريكية وألقى خطابا في الكونغرس الأمريكي لدعم الحزب الجمهوري ودونالد ترامب على وجه الخصوص وتحالفه الوثيق مع إدارة ترامب، وباتت إسرائيل نتيجة هذه السياسة قضية تجاذب داخلي أمريكي. وشكل فوز جو بايدن برئاسة البيت الأبيض في الانتخابات الأخيرة ضربة موجعة لبنيامين نتنياهو بدأها جو بايدن بتجاهل نتنياهو وعدم السماح له بالاتصال به لتهنئته بالفوز ليشعره بأنه غير مرغوب به كصديق وكرئيس لحكومة إسرائيل ويبدد أن سياسة إسرائيل الذين التفوا حول نتنياهو خلال فترة رئاسته للحكومة الإسرائيلية الطويلة قد شعروا بالفجوة بين الإدارة الأمريكية الجديدة وبنيامين نتنياهو فانقضوا من حوله وتركوا سفينة تغرق في أوحال عجرفته، الإدارة الأمريكية الجديدة أبدت ارتياحها للتخلص من حكومة نتنياهو وعبرت عن هذا الارتياح باتصال الرئيس بايدن برئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت بعد نصف ساعة من نيل الحكومة الإسرائيلية ثقة الكنيست وكذلك فعل وزير الخارجية ووزير الدفاع الأمريكي مع نظيريهما في إسرائيل ورغم هشاشة حكومة بنيت المكونة من ائتلاف ثمانية أحزاب متناثرة في التوجهات السياسية والاجتماعية فإن إدارة بايدن ستعمل على تثبيت واستقرار هذه الحكومة أطول فترة ممكنة في مواجهة محاولات بنيامين نتنياهو إسقاطها ووصفها بالضعيفة وغير القادرة على حماية مصالح إسرائيل ودق أسافين بينها وبين الإدارة الأمريكية.
ووفق تقديرات المحللين السياسيين فإن حكومة الكيان الإسرائيلي الحالية لن تقدم على خطوات دراماتيكية وإنما هي مع توجهات إدارة بايدن في ما يتعلق بالتسوية السياسية مع الفلسطينيين وحل الدولتين ووقف الاستيطان ولكنها لن تقوى على رفض توجهات الإدارة الأمريكية الأخرى كإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس وتقديم المساعدات للأونروا ومستشفيات القدس والمشاريع الإنمائية في الضفة والقطاع وتحسين أوضاع الفلسطينيين بشكل عام.
إن التحول في موقف إدارة بايدن تجاه القضية الفلسطينية يعود إلى تيار الشباب في الحزب الديمقراطي المؤيد للقضية الفلسطينية وتحولات في نشاط جيل جديد عربي أمريكي على مستوى الانتخابات المحلية وتأييد حملة بايدن الانتخابية العمل على دعم حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ومطالبة إسرائيل بإنهاء التوسع الاستيطاني ووضع حد للتهجير القسري للمواطنين الفلسطينيين من حي الشيخ جراح. ويرجع محللون تقدم القضية الفلسطينية في المجتمع الأمريكي وخاصة بين الديمقراطيين إلى منظومة القيم التي تؤمن بها أمريكا التي تركز على أهمية الحياة الإنسانية وطالما أن الفلسطيني يسعى إلى التحرر من الاحتلال بالسلاح فإنه يعتبر من الناحية الأمريكية "إرهابيا" ولذلك صنفت حماس تنظيما إرهابيا واستطاعت إسرائيل أن تختزل فلسطين بحماس وبالتالي بالإرهاب لقد خطت إدارة بايدن خطوات هامة في إعادة بناء العلاقة مع السلطة الوطنية والشعب الفلسطيني بعد سنوات من القطيعة فرضيتها سياسة إدارة ترامب وعادت إلى لغة غابت عن واشنطن في عهد ترامب كدعم حل الدولتين كسبيل وحيد لإحلال الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وأن التطبيع بين إسرائيل ودول عربية لن يكون بديلا عن العلاقة مع الفلسطينيين ولكن تترجم تصريحات وتوجهات إدارة الرئيس بايدن أفعالا لا بد من وحدة الموقف الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي تمثل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده وتفعيل دور المنظمة للحفاظ على مكتسبات الشعب الفلسطيني عبر سنوات نضاله الطويل وتضحياته العظيمة.