الحدث- غريس هالسل
قراءة: نبهان خريشة
يُعَدّ كتاب "إجبار يد الله" أهم ما صدر في الشأن الديني الأمريكي وربما هو من أهم الكتب التي عالجت باقتدار قضية التوظيف السياسي الذي يصل إلى حد الابتزاز للنبوءات الدينية في القرن العشرين .. والمؤلفة هي الكاتبة الأمريكية غريس هالسل التي عملت محررة لخطابات الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون، وهي صحفية مرموقة صدرت لها عدة كتب، أكثرها شهرة "النبوءة والسياسة".
والكتاب عبارة عن إجابات على أسئلة جمعتها المؤلفة من سلسلة مقابلات شخصية مع مسؤولين من فعاليات دينية ومراجع كنسية أمريكية مختلفة. وتتصدى فيه غريس هالسل لظاهرة المنصّرين التوراتيين التلفزيونيين، الذين يمثّلون اليمين المسيحي المتطرف في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يُعرف إعلاميًّا بـ (الصهيونية المسيحية). وهي الظاهرة التي تجسد أغرب وأسوأ أشكال الدجل السياسي الديني ربما على مستوى العالم كله، والتي صنعها عدد من المنصّرين التوراتيين الذين احترفوا تقديم برامج تليفزيونية عن النبوءات التوراتية التي تبشر بقرب نزول المسيح المخلص ونهاية العالم فيما يعرف بأسطورة "معركة الهرمجدون"، واستطاعوا من خلال نشاطهم، الذي يُعدّ أكبر وأهم حركة تنصير في تاريخ المسيحية، إقامة ما يعرف بـ "حزام التوراة"، والذي يتكون من مجموعة ولايات الجنوب والوسط الأمريكي، والتي تكونت فيها قطاعات واسعة من المسيحيين المتشددين دينيًّا والمؤمنين بنبوءة (الهرمجدون)، أو نهاية العالم الوشيكة والمرتبطة بنزول المسيح المخلص من الشر والخطيئة.
ويعتمد خطاب المنصّرين التوراتيين على رؤية سهلة للحياة، مفادها أن العالم أصبح تملؤه الشرور والخطايا، وهو ما سيعجّل بظهور "المسيح الدجّال" وجيوش الشر، ولن يصبح هناك حل لإنقاذ البشرية والخلاص من الشرور إلا عودة المسيح المخلّص لانتزاع المسيحيين المؤمنين من هذا العالم المليء بالخطيئة والشر، وهذا الخلاص رهين بعودة المسيح فقط، أما المطلوب عمله من هؤلاء المؤمنين فهو السعي لتحقق هذه النبوءة أو الإسراع بإجبار يد الله لتحقيق "النبوءة"!.
وتحقق النبوءة عندهم رهن بقيام إسرائيل الكبرى وتجميع كل يهود العالم بها، ومن ثَم فلا بد من تقديم وحشد كل التأييد المادي والمعنوي، المطلق وغير المحدود أو المشروط لإسرائيل، لأن ذلك هو شرط نزول المسيح المخلّص.
والطريف أن هذا التأييد لا يعني الإيمان باليهود أو حتى مبادلتهم مشاعر الحب أو التعاطف معهم، لأن هؤلاء التوراتيين يعتقدون أن المسيح المخلّص سيقضي على كل اليهود أتباع المسيح الدجّال الذين سيرفضون الإيمان به، أي أنهم يدعمون إسرائيل باعتبارها وسيلة لتحقيق النبوءة فقط.
هذه العقيدة تلقفها كبار القادة اليهود وخاصة من اليمين الديني المتطرف الذي يسيطر على مجريات ومقاليد اللعبة السياسية في إسرائيل واستغلوها جيداً للحصول على كافة أشكال الدعم والتأييد، وهم لا يعنيهم محبة اليمين المسيحي المتطرف في أمريكا أو إيمانه بهم بقدر ما يعنيهم ما يُدرّه عليهم الإيمان بهذه النبوءة من أموال ودعم سياسي واقتصادي غير محدود.
وتكشف جريس هالسل في كتابها عن أن هناك اقتصاديات ضخمة تقوم على هذه النبوءة التي تُدِرّ مليارات الدولارات سنويًّا على نجوم التنصير التوراتي، الذين يمتلكون عشرات المحطات التلفزيونية والإذاعية في أمريكا وأنحاء العالم، وتُعَدّ برامج هؤلاء المنصرين التوراتيين من أمثال هالويل، وجيري فالويل، وتشارلز تايلور، وبول كراوسي، وتشال سميث، وروبرتسون، وبيوكاتن، من أكثر البرامج جماهيرية في الولايات المتحدة. كما تشهد أشرطة الفيديو والكاسيت التي تحمل هذه البرامج رواجاً كبيراً في أوساط الطبقة المتوسطة الأمريكية، وكذلك الكتب الخاصة بها والتي صارت تباع كالخبز، حتى أن كتاب "الكرة الأرضية العظيمة المأسوف عليها" للمنصّر التوراتي هول ليفدسي ثاني أكثر الكتب انتشاراً في أمريكا بعد الكتاب المقدس.