السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

اغتيال نزار بنات.. بارقة أمل أمام المعارضة الفلسطينية المغيبة

2021-06-30 12:42:51 PM
اغتيال نزار بنات.. بارقة أمل أمام المعارضة الفلسطينية المغيبة
من المظاهرات المنددة بمقتل الناشط السياسي نزار بنات

عبيدات: الأحداث الأخيرة ستؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية وما يجري الآن يعجل في حفر قبرها

عرابي: شعور الغضب لدى الفلسطيني بدأ ينعكس في الشارع والمتظاهرون رفعوا سقف الخطاب والهتافات

الحدث- سوار عبد ربه

اغتيال نزار بنات "سيفجر آلاف الأصوات على شاكلته، وستنادي بمحاربة الفساد وتطرح قضايا الناس المختلفة"، كلمات قالها الناشط السياسي فايز السويطي في عدة لقاءات إعلامية، عقب انتشار نبأ وفاة الناشط السياسي نزار بنات على أيدي الأجهزة الأمنية في الخليل. لم تكن توقعات السويطي عبثية، إذ تجسدت بعد ساعات قليلة على أرض الواقع، وامتلأت الشوارع  بالمتظاهرين الرافضين لمقتل نزار، وعلت أصوات المعارضين للسلطة الفلسطينية في مختلف محافظات الضفة الغربية وعلى رأسهم مدينة رام الله التي تعتبر العاصمة الإدارية المؤقتة للسلطة الفلسطينية.

وكما طارق محمد البوعزيزي في تونس، ذاك الشاب الذي أضرم النار في نفسه احتجاجا على المساس في لقمة عيشه، ما أدى إلى انتفاضة شعبية وثورة دامت قرابة الشهر وأطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، كان اغتيال نزار بنات بالنسبة للفلسطينيين القشة التي قسمت ظهر البعير.

عرف بنات بمواقفه الحادة ومعارضته القوية للسلطة الفلسطينية، وكان صوتا للكثير من الشباب الفلسطيني المعارض، وفقا لتعبيرات كثيرين مما هبوا للتظاهر، احتجاجا على اغتياله فجر الخميس 24 حزيران 2021.

ويرى الباحث والكاتب السياسي ساري عرابي أن الفلسطيني لا يدافع عن مظلومية إنسان قتيل بقدر ما يدافع عن نفسه وكرامته وحقه بالحرية، خشية من مستقبل مظلم، لأن الأمر في قضية اغتيال نزار مس الكرامة الإنسانية، فقتل إنسان خارج إطار القانون على هذه الشاكلة، إذا ما مر دون محاسبة قد يتسبب في القتل لأي إنسان آخر.

وأضاف عرابي في لقاء مع صحيفة الحدث: "الفلسطيني قد يصبر على الفلسطيني بقضايا كثيرة سياسية واقتصادية، لكن الأمور الآن أصبحت تمس الكرامة، وفكرة مس الكرامة وإدارة الخوف وأن الإنسان رخيص إلى هذه الدرجة وقد يقتل لمجرد رأيه المعارض، مع أبنه بالإمكان التعامل معه بشكل مختلف، اغتياله أغضب الناس ورفع سقف الخطاب والهتافات".

وشهدت مدينة رام الله على مدار الأيام الخمسة الماضية، مظاهرات حاشدة طالبت بإسقاط النظام ورحيل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لكنها قوبلت بالقمع والسحل والاعتداء على المواطنين والصحفيين.

وفي شهادة لإحدى المواطنات اللواتي تواجدن بالمظاهرة ريتا عمار، كتبت عبر حسابها على فيسبوك: " تعرضنا للضرب من قبل عسكريين بزي مدني،  وبحماية من الشرطة التي غضت النظر عن الأمر، ولاحقاً ومع ازدياد أعداد المتظاهرين واتساع رقعة الاشتباك مع الأجهزة، بدأت الشرطة بالتقدم ومن خلفها عناصر أمن بزي مدني وباشروا في إطلاق الغاز المسيل للدموع باتجاه المتظاهرين".

وأضافت: "سحلنا وضربنا بالعصي والأرجل، وعندما سقطت أرضا، أتى مدني وضربني مرة أخرى برجله، بالإضافة إلى الهراوات والعصي".

وقالت: "جاءت سيارة الإسعاف ونقلتني إلى المستشفى بسبب موقع الضربة وحالتي في تلك اللحظة، وبقيت أتنقل بين المستشفيات 5 ساعات للاطمئنان على صحة أعضائي الداخلية وللتأكد من عدم وجود كسور أو نزيف داخلي".

وحول ما إذا كانت هذه الأحداث المتصاعدة التي تشهدها مدينة رام الله ستستمر أم أنها مجرد سحابة صيف وستمضي يقول ساري عرابي: "لا يوجد شيء ضمن الظروف التي نتحدث عنها من الممكن أن نسميه هبة وتنتهي بعد أيام، لأنها لو انتهت يمكن أن تتجدد مع أي خطأ لاحقا، مضيفا أنه إذا لم تكن هناك محاسبة حقيقية وقانون حقيقي وعدالة حقيقية وإذا شعر أي إنسان مخطئ بأنه قد ينجو من العقوبة، هذا الخطأ قد يتكرر في أي وقت لاحق، وبالتالي ينعكس الغضب من جديد داخل الشارع.

وأكد عرابي أنه لا يوجد أحد من الفلسطينيين يرغب بوجود فتنة داخلية واقتتال داخلي ولا بالفوضى والذي يمكنه أن يمنع هذه الأمور ليس القمع لأنه قد يستمر لفترة لكن الأمور قد تنفجر من جديد لأن الغضب يتراكم.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن فلسطين تعرضت لأحداث الانقسام  عام 2006 نتج عنها انقسام مستمر منذ 17 عاما بين الضفة وغزة.

كما أن اتفاق أوسلو (1993) أفضى إلى قيام سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأخذ معه النظام السياسي الفلسطيني إلى حالة استقطاب كبرى بين الفصيلين الرئيسيين على الساحة، ما جعل الأصوات المعارضة وبالتحديد غير الفصائلية مغيبة.

عوامل أدت إلى تغيرات في توجهات الشارع الفلسطيني

في سياق متصل، يقول الكاتب والباحث السياسي ساري عرابي في لقاء مع صحيفة الحدث، إن الشارع الفلسطيني يمر بتحولات منذ فترة طويلة، أولا بسبب انسداد المشروع السياسي إذ لا يوجد أفق سياسي بمشروع التسوية، كما أن المفاوضات مع الاحتلال وصلت إلى أفق مسدود، الأمر الذي أقرته السلطة نفسها، مشيرا إلى الإجراءات السياسية للولايات المتحدة خلال فترة تولي دونالد ترامب منصب الرئاسة والهدايا التي قدمها لـ"إسرائيل" على حساب فلسطين والفلسطينيين، والاعتراف بالقدس كعاصمة لـ"إسرائيل" وصفقة القرن ومشاريع الضم، هذه كلها قضايا سياسية يلاحظها المواطن الفلسطيني ويشعر أن المشروع السياسي وصل إلى طريق مسدود".

ويضيف عرابي: بالإضافة إلى ما سبق لا يوجد إنجاز اقتصادي، إذ تمر دول العالم أجمع بأزمة اقتصادية نتجت عن فيروس كورونا، وفلسطين واحدة من تلك الدول، التي يعتبر الفلسطيني جزء كبير منها، والمواطن الفلسطيني الذي يرى المخالفات والأخطاء الفساد، يستطيع أن يلاحظ عدم وجود حلول واضحة".

ويتابع: "إلغاء الانتخابات أيضا شكل نقمة للمواطنين الفلسطينيين"، حيث أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يوم الخميس 29 نيسان الماضي، قراره بتأجيل الانتخابات العامة الفلسطينية، التي كانت مقررة في الثاني والعشرين من أيار 2021 بعد انقطاع لـ17 عاما بذريعة عدم سماح الاحتلال للمقدسيين المشاركة فيها.

ويردف عرابي: ما يراه المواطنون الفلسطينيون من ضعف الموقف تجاه الأحداث التي كانت في القدس وتغول المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية والأحداث التي كانت في غزة بالإضافة إلى صفقة اللقاحات وما قيل فيها، وصولا إلى أن يموت الناس بهذه الطريقة أي أن يقتل الإنسان بشكل خارج القانون، رغم وجوده ووجوب أن يمشي على الجميع، ثم ردود الفعل البائسة والسكوت وتشكيل اللجان كلها مواقف دفعت باتجاه إثارة الناس وزادت من نقمتها".

ويرى عرابي أنه كان من المفترض أن يكون التعامل مع كل هذه الحالة بطريقة مختلفة بمعنى أن تكون العدالة أكبر على مستوى القانون وتوزيع الموارد والثروات ما بين الناس وأن يشعر المواطن الفلسطيني أن هناك سعيا لإيجاد أفق سياسي وأن يكون هناك أفق للوحدة الوطنية، وغيرها من الخطوات، معتقدا أن هذه التحولات قابلة للتمدد والاستمرار إذا لم يكن هناك علاج عاقل لهذه القضايا.

التحول الجوهري

في هذا الجانب يوضح عرابي أن المواطن الفلسطيني  دائما ما كان ينقد ويشكك بالسلطة الفلسطينية، ويشعر بعدم ثقة وتمييز وانعدام العدالة، لكن هذه المرة مختلفة بسبب شعور الغضب الذي تولد عند المواطن، وبدأ ينعكس في الشارع، مضيفا أن هناك تجليات لهذه النقمة واستعدادا لدى شرائح من المواطنين لمواجهة السلطة والخروج إلى الشارع ورفع السقف في الخطاب.

ولفت الباحث والكاتب السياسي إلى وجوب تنبه قيادة السلطة لهذا التحول وضرورة معالجته بعقلية حكيمة، لأننا كفلسطينيين نختلف عن البلدان العربية بسبب وجود الاحتلال  فكيف للفلسطيني أن يتعرض لأكثر من سجن وأن يمر على أكثر من حاجز؟، داعيا إياها لأن تتعظ وتأخذ العبرة من الأحداث التي جرت في البلدان العربية.

ما المصير الذي ينتظر السلطة الفلسطينية؟

في هذا الجانب يرى الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات أن السلطة الفلسطينية ليست سلطة تخدم الكل الفلسطيني، بل هي مجرد مشروع استثماري لبعض القائمين عليها، من أجل تحقيق منافع وامتيازات شخصية وفئوية.

ويضيف عبيدات أن حالة من الغليان الشعبي تجتاح الشارع الفلسطيني بسبب سياسة الاعتقال السياسي وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات والقمع  والتنكيل والبطش الذي لا يشبه سوى قمع وبطش الاحتلال على حد تعبيره، كل هذه العوامل دفعت باتجاه أن تكون الأمور ذاهبة نحو تحول كبير في الشارع الفلسطيني.

ويتابع: "هناك تغيرات عميقة تجري في المجتمع الفلسطيني خاصة بعد معركة سيف القدس وكشف حقيقة هذه السلطة التي لم تقدم على المشاركة في أي فعل أو نشاط شعبي فاعل في المعركة، لذلك الجماهير مستمرة في أعمالها الاحتجاجية والفعاليات الضاغطة ضد السلطة الفلسطينية، التي لم تعط أي إشارة إيجابية حتى هذه اللحظة، باتجاه أن لديها نية في تغيير تعاملها وسياستها".

وشهدت فلسطين في شهر رمضان الماضي معركة وجود مع الاحتلال، بدأها المقدسيون على إثر أحداث الشيخ جراح وإغلاق ساحة باب العامود واقتحامات المسجد الأقصى، وهبت غزة والداخل الفلسطيني المحتل لنصرتهم، وسط عجز واضح للسلطة الفلسطينية التي لم تأخذ موقفا جادا بهذا الخصوص.

ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي أن الجماهير ستستمر وستضاعف جهدها الشعبي وحراكاتها من أجل أن تشكل عامل ضغط على هذه السلطة، مشيرا إلى أنها ستنهار قريبا وما يجري الآن يعجل في حفر قبرها لما تقوم به من ممارسات قمعية بحق المواطنين.

ويدلل عبيدات على ذلك بالشعارات المستجدة في الشارع الفلسطيني والتي تعكس حالة الغضب الشعبي والجماهيري وحالة من فقدان الثقة واليأس من هذه السلطة التي تتحدث منذ 27 عاما عن شعار التفاوض من أجل التفاوض والتهدئة من أجل التهدئة وهي لم تقدم أي شيء مفيد في المشروع الوطني الفلسطيني، وفقا لعبيدات.

ويعتقد عبيدات أن السلطة في وضعها الحالي غير قادرة على تحقيق أي من طموحات للفلسطينيين كما أنها غير مؤتمنة على حقوقنا وآن الأوان لرحيلها، في مرحلة تحتاج لأن تكون هناك قيادة قادرة على إدارة الصراع مع الاحتلال.

منتسبون يبرئون ذممهم

في سياق متصل أعلن عدد من منتسبي حركة فتح الذين يشغلون وظائف حكومية، استقالتهم من وظائفهم على خلفية الأحداث الأخيرة. وكتب المواطن زيد عم علي: "أعلن استقالتي من منصب منسق الدبلوماسية الرقمية في دائرة الدبلوماسي والسياسات العامة بمنظمة التحرير الفلسطينية مضيفا: "اعتبروا استقالتي هذه مشاركة بالعصيان المدني ضد السلطة".

 وجاء في منشور للصحفي نعيم سائد: "أعلن أمام الجميع أنني في حل من كل ما تمثله اللجنة المركزية الحالية لحركة فتح"، مضيفا: "أعلن التنحي الكامل عن أي مسؤولية تقع على عاتقي داخل أروقة الجامعة (بيرزيت) أو خارجها كابن لحركة فتح، وسأبقى على موقفي هذا حتى تنبثق قيادة ثورية جديدة تعيد للحركة أمجادها وثوريتها".

وفي السياق ذاته، أعلن مجلس نقابة المحامين الفلسطينيين، يوم الأحد 27/6/2021، أن نقابة المحامين اعتذرت عن المشاركة في لجنة التحقيق الخاصة بوفاة الناشط نزار بنات برئاسة وزير العدل الفلسطيني محمد الشلالدة.
وأكدت في بيان صحفي، على أن اعتذارها عن المشاركة جاء انسجاما مع موقفها المعلن والسابق بضرورة تشكيل لجنة حيادية ومستقلة وفورية بعيدا عن الصفات الرسمية وذلك بالتوازي مع مسار التحقيق الجنائي في الواقعة والذي يفترض أن تقوم به النيابة العامة فورا .