الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من اللقاحات إلى الاحتجاجات.. السلطة الفلسطينية تستمر في إثبات عدم جدواها

2021-07-01 12:41:23 PM
من اللقاحات إلى الاحتجاجات.. السلطة الفلسطينية تستمر في إثبات عدم جدواها
الرئيس محمود عباس

ترجمة الحدث - براء بدر

 نشرت مجلة "972mag"، تقريرا للكاتبين جورج زيدان وميران خويس حول الاحتجاجات في الضفة المحتلة وأزمة السلطة في اتفاقها مع إسرائيل حول تبادل اللقاحات.

ترجمته الحدث وجاء فيه:

يشهد الفلسطينيون خلال الشهرين الماضيين فترة ساحقة وتحويلية بالنسبة لهم، لقد كانت هذه  فترة مليئة بالحزن والخوف في وجه العنف الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، لكنها، في ذات الوقت، كانت مليئة بالإلهام لإحداث التغيير ووضع حد للقمع الإسرائيلي للشعب الفلسطيني. وفي خضم هذه الفترة التاريخية، لم يتغير أحد العوامل الحاسمة على الإطلاق وهو تراجع دور السلطة الفلسطينية ومعه الوقف الكامل لعملية اتفاقات أوسلو.

في الأسبوع الماضي تورطت السلطة الفلسطينية في "فضيحة كبرى" عندما وجدت تقارير إعلامية أن الحكومة الفلسطينية وافقت على شحن مليون جرعة فائضة من لقاح فايزر من إسرائيل لمحاربة فيروس كورونا في الأراضي المحتلة.

وبعد الغضب الشعبي من "الصفقة المهينة"، ألغت السلطة الفلسطينية الاتفاقية التي تمثلت في استبدال مليون جرعة من لقاح فايزر ضد كورونا التي شارف تاريخ صلاحيتها على الانتهاء في غضون أسابيع مقابل شحنة لقاحات جديدة سوف تعطى لإسرائيل. وهذا لا يعفي إسرائيل من مسؤوليتها في هذه الصفقة الناقصة وغير الكافية كما أوضحت غادة مجادل من أطباء لحقوق الإنسان في قولها: "بدلاً من تحمل المسؤولية وتوفير اللقاحات دون تأخير لجميع السكان، تقوم إسرائيل باستخدام (مقايضة الخيول) على حياة وصحة الملايين من الناس".

هذا الخطأ الفادح هو أحدث دليل ليس فقط على عجز السلطة الكبير، بل أيضا على انفصالها المطلق عن حياة وتطلعات الشعب الفلسطيني. في الشهر الماضي، في الأيام التي سبقت القرار المرتقب للمحكمة العليا الإسرائيلية بشأن التطهير العرقي للعائلات من حي الشيخ جراح في القدس، نظم الفلسطينيون مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء الأراضي المحتلة والمدن العربية في الداخل المحتل. وقد قاد هذه الاحتجاجات -إلى حد كبير- شبان فلسطينيون، وكثير منهم لا ينتمون إلى أي حزب سياسي.   

من نواحٍ عديدة، كان هذا النوع من الانتفاضة الشعبية حتميًا تقريبًا. فعلى مدى سنوات، لم تقم السلطة الفلسطينية، التي تدعي أنها القيادة الوطنية للفلسطينيين، بدورها في تمثيل مصالح شعبها. ولأن قادة الشعب الفلسطيني في رام الله لن يفعلوا شيئًا لمساعدتهم، لم يكن أمامهم خيار سوى التوحد والنزول إلى الشوارع بأنفسهم، مستخدمين تكتيكات تذكر بالانتفاضة الأولى للتعبير عن غضبهم. لقد كانت مطالبهم واضحة جدا، يريدون إنهاء اضطهاد شعبهم، والسير معًا نحو حريتهم.

وللأسف، لا يبدو أن السلطة الفلسطينية مهتمة بالسير معهم. خلال تلك الأسابيع من الاحتجاجات، كانت السلطة الفلسطينية صامتة تمامًا تقريبًا، بينما كانت كل مدينة فلسطينية، سواء كانت محتلة عام 1948 أو 1967، تنتفض . وبدا أن قيادة السلطة الفلسطينية تراقب من بعيد وكأنها هيئة مراقبة. وفي غضون ذلك، كانت قواتها الأمنية مشغولة في تنفيذ اعتقالات للعديد من النشطاء أو مضايقة وترهيب المتظاهرين في محاولة يائسة لتأكيد سلطتها.  تُظهر فضيحة اللقاح الأخيرة ورد الفعل العام تجاهها مدى ضآلة القوة والاحترام الذي تمارسه السلطة الفلسطينية اليوم.

نهج سلبي

منذ تسعينيات القرن الماضي، حاولت اتفاقيات أوسلو تحويل القضية الفلسطينية إلى مسألة إدارية بدلاً من نضال من أجل الحرية.  وقد قادت السلطة الفلسطينية شعبها إلى الاعتقاد بأن الحد الأقصى الذي يجب أن نهدف إلى تحقيقه في حياتنا هو تصريح إسرائيلي أو تنسيق ناجح للعلاج الطبي في مستشفى إسرائيلي. وهذا نهج سلبي يتظاهر بأن مشكلتنا تتعلق فقط بقضايا لوجستية يومية، وأنه بمجرد حل هذه الأمور، سيكون الفلسطينيون راضين.

أظهرت الانتفاضة الأخيرة مدى عدم تواصل نهج السلطة الفلسطينية مع شعبها. و في الواقع، ربما تكون السلطة الفلسطينية هي المؤسسة الفلسطينية الوحيدة المتبقية التي تؤمن بجدية بإمكانية تحقيق حل الدولتين، أو أن اتفاقيات أوسلو يمكن أن توفر طريقًا نحو أي نوع من التحرير، لكن بالنسبة للفلسطينيين، فقد أبحرت تلك السفينة منذ وقت طويل.

 منذ توقيع أوسلو، قامت إسرائيل ببناء آلاف المستوطنات غير القانونية ونقل عشرات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين إلى الأراضي المحتلة - وهي جريمة حرب تنتهك بشكل صارخ القانون الدولي. ولا تزال حركة السلع والخدمات الأساسية - بما في ذلك الإمدادات الطبية مثل لقاحات COVID-19 تخضع لسيطرة وفرض الضرائب من الاحتلال. هذه الحقائق على الأرض هي الشيء الوحيد الذي يحدد المسار الذي يسلكه الفلسطينيون: نظام فصل عنصري من النهر إلى البحر.   

ليس من المستغرب إذن أن السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس، فقدا كل الثقة والشرعية تقريبًا بين الفلسطينيين. تصريحات مسؤوليهم لا تفهم إلا على أنها مجرد كلام. يكاد يكون من المستحيل تتبع عدد المرات التي هددت فيها السلطة الفلسطينية بإنهاء التنسيق الأمني مع إسرائيل، لتتراجع بعد لحظات.

فكيف لا يزال الكثيرون ينظرون إلى السلطة الفلسطينية على أنها تمثل الشعب الفلسطيني، على الرغم من كونها هيئة غير شرعية؟

الحقيقة القبيحة هي أن السبب الرئيسي وراء استمرار وجود السلطة الفلسطينية هو أن إسرائيل والمجتمع الدولي بحاجة إليها للحفاظ على ما يسمى بـ "الوضع الراهن". إنهم يحتاجون إلى السلطة الفلسطينية للحفاظ على "الاستقرار" من خلال الاستمرار في دفع رواتب عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ومراقبة مجتمعاتهم في خدمة جيش الاحتلال الإسرائيلي.

كما بذل الاتحاد الأوروبي كل ما في وسعه لإبقاء السلطة الفلسطينية على قيد الحياة. وأكمل الاتحاد الأوروبي، وهو أكبر مزود للمساعدات الخارجية للسلطة الفلسطينية، مؤخرًا برنامجًا استراتيجيًا مشتركًا بعنوان "نحو دولة فلسطينية ديمقراطية وخاضعة للمساءلة". ركزت هذه المساعدة الثنائية، التي تضمنت تخصيصًا ماليًا متعدد السنوات بقيمة 1.28 مليار يورو، على قطاعات محددة ذات أولوية بما في ذلك إصلاح الحوكمة ورواتب المسؤولين وأفراد قوات الأمن.

قيادة يستحقها الشعب الفلسطيني

لقد أظهرت أحداث الشهرين الماضيين كيف أن الدعم المستمر للسلطة الفلسطينية على نحو متزايد له عواقب سياسية كبيرة. إن الحكومة التي تقودها فتح لا تقود الفلسطينيين إلى فقدان الثقة في مفاوضات السلام فحسب، بل إنها تعمل في الواقع على تقوية حركة حماس المنافسة ونهجها في الكفاح المسلح باعتباره البديل السياسي الوحيد القابل للتطبيق.

ليس من المستغرب أن تحظى حماس واستراتيجياتها بارتفاع كبير في الشعبية خلال الأسابيع الماضية. على الرغم من حقيقة أن العديد من الفلسطينيين لا يتفقون مع ايديولوجيتها ولديهم استياء عام من حكمها في غزة، إلا أن البعض لا يزال ينظر إلى حماس على أنها الطرف الوحيد الذي يحقق أي تأثير أو نتائج للشعب الفلسطيني.

ويدرك المجتمع الدولي ذلك ويخشى ما قد يحدث بعده؛  فهم يعلمون أن التمكين غير المسؤول لكل من السلطة الفلسطينية وحماس يقلل من أي فرصة لظهور وجوه جديدة في قيادة جديدة - ومع ذلك فهم لا يفعلون شيئًا لعكس ذلك، لكن هذا لا يعني أن الأوان قد فات بالنسبة لهم لتغيير المسار.

حتى بدون تحول دولي في السياسة، تظهر مجموعات ومبادرات جديدة بين النشطاء الفلسطينيين لتمهيد مستقبل مختلف. على سبيل المثال، جيل التجديد الديمقراطي يسعى إلى إنشاء قائمة برلمانية افتراضية بديلة للشباب الفلسطيني من جميع أنحاء العالم. في حين أنها بدأت كتحدٍ للانتخابات الفلسطينية التي تم إلغاؤها، إلا أنها استمرت في تقديم نموذج لطرق بناء هوية وطنية شاملة يمكن أن تنظم من أجل التغيير الديمقراطي وإحياء النظام السياسي الفلسطيني.

يظهر نمو مثل هذه المبادرات، جنبًا إلى جنب مع الحركة الشعبية في شوارع فلسطين، أن هناك حاجة متزايدة لإحياء قيادة مختلفة من خلال انتخابات نزيهة، حيث يمكن للفلسطينيين اختيار قادتهم بحرية.  الفلسطينيون  بحاجة إلى منهجيات أحدث من تلك التي تم استخدامها لمقاومة اضطهادهم. وهم أيضا بحاجة إلى قادة جديدة وشباب ذوي تفكير جذري لإدارة المشهد، وفي النهاية يمثلون إرادة الفلسطينيين بالطريقة التي يستحقونها.