الحدث الاقتصادي
يعاني الأردن وفلسطينيو الضفة الغربية وقطاع غزة من نقص مريع في المياه؛ وتتفاقم الأزمة المائية في الأردن نتيجة تدفق اللاجئين من سوريا، فيما تستغل "إسرائيل" نهبها للمياه العربية، من ناحية، وتقنياتها الخاصة بإنتاج المزيد من المياه المحلاة، من ناحية أخرى، كي تبيع المياه للعرب مباشرة من محطات التحلية، أو كي تنخرط في إنشاء مرافق تحلية مماثلة في البلدان العربية.
وفي الأردن تحديدًا، تتواصل أزمة المياه الحادة، بل تفاقمت خلال فصل الشتاء الأخير بسبب كميات الأمطار الشحيحة نسبيًا في أنحاء المملكة الهاشمية، وبسبب الخلافات مع العائلة المالكة، رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مؤخرًا الموافقة على طلب الحكومة الأردنية الحصول على إمدادات مياه إضافية.
ومنذ بضعة عقود، يعاني الأردن من عجز مستمر ومتراكم في المياه بسبب النمو السكاني ونقص مصادر المياه الطبيعية، وتفاقمت الأزمة إثر دخول أكثر من مليون لاجئ سوري إلى شمال الأردن، وبخاصة في محيط مدينة إربد. معهد "هيلمهولتز" لأبحاث البيئة، والذي يعمل في جامعة لايبزيغ الألمانية، نشر مؤخرًا تقريرًا شاملاً يتناول تأثير وجود اللاجئين على مصادر المياه في الأردن، ويشير التقرير إلى أنه في العقد الأخير ارتفع استهلاك المياه في شمال الأردن بنسبة 40٪ .
المصدر الرئيسي للمياه يتمثل في خزانات المياه الجوفية الآخذة في الاضمحلال، فيما شبكة الأنابيب ومرافق معالجة مياه الصرف الصحي في المنطقة لم تعد تحتمل العبء الهائل عليها، فضلًا عن الأعطال المستمرة فيها. كما أن المياه لا تصل في بعض الأماكن سوى ليوم واحد فقط شهرياً.
ويشير التقرير الألماني إلى أن الوضع حرج أيضًا في العاصمة عمان، إذ يحصل السكان على المياه مرة واحدة أسبوعيًا؛ ويستغل السكان الساعات القليلة التي تتدفق خلالها المياه كي يملئوا أوعية تخزين المياه المثبتة على أسطح منازلهم (كما حال الفلسطينيين في الضفة وغزة)، وبالتالي تُستخدم مياه الخزانات (على الأسطح) حتى وصول إمدادات المياه في الأسبوع التالي.
ونفذّت السلطات الأردنية بعض الإصلاحات البسيطة لزيادة كفاءة عمل الأنظمة المائية؛ إذ أخذت مناطق عمان تستخدم مياه الصرف الصحي المعالجة للري؛ إلا أن اقتصاد المياه الأردني لا يزال يعاني من مشاكل حادة مزمنة، يتمثل أبرزها في فاقد المياه بالشبكات والذي يصل إلى نحو النصف بسبب التسرب ووصلات القرصنة التي يمارسها العديد من المستهلكين، ناهيك عن الأعطال العديدة في نظام الصرف الصحي والتي تتسبب في تلوث المياه الجوفية.
وزارة المياه والري الأردنية استثمرت أموالاً كثيرة في رسم الخطط والاستراتيجيات لتحسين الوضع المائي، وبخاصة في منطقة إربد، إلا أن ما نُفّذ من كل ذلك هامشي.
وبخصوص سرقات المياه، كشف مؤخرًا وزير المياه الأردني محمد النجار عن أن "خمسة متنفذين بخلفيات عشائرية مسؤولون عن أضخم سرقة مياه في تاريخ الدولة الأردنية" (بحسب الفضائية الحكومية)؛ إذ أنهم "يسرقون سنويًا مياه جوفية ومياه من الأحواض الحكومية، بمعدل 8 ملايين متر مكعب، وهي نفس الحصه التي يحصل عليها الأردن من إسرائيل".
لصوص المياه يستخدمون تلك المياه في مزارعهم ومصالحهم الخاصة أو يبيعونها للمواطنين. والمثير أن "هيئة مكافحة الفساد" الأردنية لم تعلن عن فتح تحقيق مستقل حول ما أعلنه الوزير النجار.
وفي إطار اتفاقية وادي عربة بين إسرائيل والأردن، يتلّقى الأخير إمدادات مائية منتظمة من بحيرة طبريا. إلا أن بعض الخبراء الإسرائيليين يحثون حكومتهم بأن تزيد كثيرًا كميات المياه التي تبيعها للأردن (والتي تنهبها "إسرائيل" أصلا)، لمنع حدوث أزمة إنسانية خطيرة، ستنعكس عواقبها السياسية والاقتصادية على "إسرائيل" أيضًا. ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة بسبب النمو السكاني والتقديرات حول انخفاض هطول الأمطار في المنطقة بسبب أزمة المناخ.
المفارقة أن الحكومة الأردنية تشتري من الاحتلال الإسرائيلي المياه التي يسرقها الأخير أصلًا من أصحابها الفلسطينيين، بينما ترفض الحصول على نفس كمية المياه وأكثر عبر نهر اليرموك من سوريا.
وبالرغم من هيمنتهم المطلقة على الموارد المائية وحوض نهر الأردن، ونهبهم للمياه الجوفية والسطحية، وتعطيشهم للفلسطينيين والأردنيين، يعمد الإسرائيليون إلى ترويج أكاذيب من قبيل أن جميع مواطني المنطقة (عرب وإسرائيليين) يعانون من أزمة المياه بشكل متساوٍ. لذا، وتحت مظلة هذه الأكاذيب عملت وتعمل "إسرائيل" عبر منظماتها البيئية والسياسية المختلفة، على تجنيد متواطئين فلسطينيين وأردنيين "للتعاون المشترك" لحل هذه المسألة الحساسة التي افتعلها الإسرائيليون أنفسهم.
وبحسب اتفاقية "وادي عربة" (بين إسرائيل والأردن) تزود "إسرائيل" الأردن بفتات مائي مقداره 50 مليون متر مكعب من المياه سنويا من نهري الأردن واليرموك، في حين يضخ الأردن المياه من المنطقة المقابلة لوادي عربة في جنوب فلسطين لري المحاصيل الإسرائيلية هناك. وقبل بضع سنوات، قررت "إسرائيل" في الخفاء تقريبًا، زيادة المعروض من مياه نهر الأردن (إلى الأردن) بمقدار20 مليون متر مكعب سنويًا.
كما أن النظام الهاشمي اتفق مبدئيا مع "إسرائيل" على حل مشكلة عجزه المائي من خلال عملية تبادل مياه عربية بمياه عربية أخرى، وذلك عبر إقامة الأردن لمنشأة تحلية في العقبة تزود المستعمرات الإسرائيلية في جنوب فلسطين بالمياه، وتحديدا مستعمرات جنوب العربة. ومقابل كل متر مكعب من المياه التي سيزودها الأردن للمستعمرات الإسرائيلية الجنوبية، ستزود "إسرائيل" الأردن بالمياه من بحيرة طبرية المنهوبة إسرائيليا أصلا، أو من منشآت التحلية الإسرائيلية في شمال فلسطين.
ومن المثير أن الخبير الاقتصادي الإسرائيلي المعروف "يوفال إليتسور" كشف في حينه أن فكرة بناء محطة التحلية في العقبة جاءت أصلا من شركة "ميكوروت" الإسرائيلية؛ إذ عرض وفد الشركة الأخيرة على الأردن فكرة بناء محطة التحلية و"مساعدته" في تنفيذ المشروع، وذلك في منطقة تبعد نحو 50 كيلومترا إلى الشمال من العقبة، بحيث تغذيها المياه من البحر الأحمر.
الوقائع الهيدرولوجية تُكَذِّب المزاعم الإسرائيلية حول الجفاف المائي
قبل بضع سنوات، كشف الخبير الاقتصادي المذكور سابقا ("يوفال إليتسور") بأن إسرائيل تتمتع حاليًا بفائض مائي للاستهلاك البشري وللزراعة؛ وذلك، إلى حد بعيد، بسبب إقامتها بضع منشآت جديدة لتحلية المياه، وتطويرها حقول الغاز الطبيعي الذي يمكنه تشغيل تلك المنشآت بثمن بخس. ولكن، رغم ذلك، ولأسباب سياسية واقتصادية واضحة، تحرص الجهات الحكومية الإسرائيلية على التقليل من شأن هذه الحقيقة، وتواصل زعمها بأن "البلاد" (أي فلسطين التاريخية إجمالا) تعاني من شح الموارد المائية، ويجب، لذلك، "الحفاظ على كل قطرة ماء".
منذ عام 2008، طرأ تحولان تكنولوجيان نوعيان انطويا على آثار سياسية بعيدة المدى وغيرا جذريًا الوضع المائي في "إسرائيل".
التحول الأول تمثل في الهبوط الكبير بتكلفة عملية التحلية، وذلك من دولار واحد سابقًا للمتر المكعب، إلى 40 سنتاً بل وأقل من ذلك في منشآت التحلية الكائنة في الخضيرة ومستعمرة "بلماخيم"، وعسقلان ومستعمرة "سوريك". ومن المتوقع أن تزداد أكثر الوفورات بفضل استخدام الغاز الطبيعي المنهوب من الأرض الفلسطينية لتشغيل منشآت التحلية، بدلاً من الكهرباء.
أما التحول الثاني فتمثل في نجاح عمل محطات معالجة المياه العادمة، والتي أقيمت بمحاذاة المدن والبلدات. وبفضل تكرير المياه العادمة واستعمالها الفعال، فإن معظم المحاصيل الحقلية الإسرائيلية تروى حاليًا بالمياه العادمة المعالجة. الغريب في الأمر، أن الجهات الإسرائيلية التي جلبت "الوفرة" المائية للمجتمع الإسرائيلي، وهي تحديدًا الحكومة، شركة "مكوروت" والشركات التي استثمرت المليارات في إنشاء مرافق التحلية والتنقية، تحافظ على نبرة منخفضة.
السبب السياسي الكامن خلف الغموض الإسرائيلي الخاص بحقيقة الواقع المائي الإسرائيلي؛ يكمن في أن "إسرائيل" تستخدم مسألة المياه كوسيلة ضغط على العرب؛ فتستغلها لتحسين موقعها التفاوضي وعلاقاتها مع كل من الأردن والفلسطينيين وابتزاز الأخيرين.
ورغم التعتيم الإسرائيلي الذي لا يزال يجعل من الصعب على "إسرائيل" أن تصبح قوة مائية إقليمية (كما الغاز الطبيعي الذي تنهبه حاليا إسرائيل من البحر المتوسط)، لم يعد هناك أدنى شك في أن الوفرة المائية الإسرائيلية المتوقع تعاظمها، ستحدث تغييراً كبيرًا في الوضع الاقتصادي والسياسي لـ "إسرائيل".
خلال العقود الأخيرة مارست "إسرائيل" سياسة التهويل بخصوص شح المياه المزعوم؛ إذ طالما حاولت أوساط إسرائيلية رسمية تسويق الزعم القائل بأن فلسطين (التاريخية) تعاني من الجفاف المائي، لتبرير مواصلة هيمنتها المطلقة على المياه الفلسطينية، وحجبها بالتالي عن الفلسطينيين الذين يعانون أحيانًا من العطش الحقيقي، كما في قطاع غزة ومنطقة الخليل في فصل الصيف على سبيل المثال؛ ناهيك أن أكثر من 95% من المياه "العذبة" في غزة ملوثة وغير صالحة للشرب.
الوقائع الهيدرولوجية على الأرض، وعمليات النهب الإسرائيلي الضخم للموارد المائية الفلسطينية والعربية، تُكذب المزاعم الإسرائيلية حول الجفاف المائي. فالمعدل السنوي طويل الأمد (عشر سنوات) لهطول الأمطار في منطقة القدس على سبيل المثال لا الحصر، قريب جدًا من معدل الأمطار في العواصم الأوروبية؛ فكمية الأمطار في القدس أعلى من برلين، وكمية الأمطار في رام الله أكثر من باريس! (مسرشمد، كلمنس2011. أزمة المياه في فلسطين).
والحقيقة أن حوض المياه الجوفية الجبلي الغربي الذي يمتد على طول الضفة الغربية والجليل، يُعد الحوض المائي الأكبر والأغنى والأكثر جودة في فلسطين ويتمتع بتغذية عالية، وتنهب "إسرائيل" جُل مياهه.
وبالرغم من النهب الإسرائيلي الضخم لمياه هذا الحوض، فقد تبين وفقًا للأرقام الإسرائيلية حتى نهاية السنة الهيدرولوجية المنصرمة، بأن بضع ملايين قليلة من الأمتار المكعبة فقط تنقص الحوض الأخير كي يستقر عند المنسوب النموذجي الموصى به.
تكريس فلسطيني رسمي للنهب المائي الإسرائيلي
تتمتع الضفة الغربية تحديدًا، بكميات كبيرة من المياه الجوفية، والقليل من المياه السطحية مثل الأنهار والبحيرات؛ بمعنى أن معدل الجريان السطحي فيها منخفض، بينما معدل تغذية المياه الجوفية مرتفع. وفي الواقع، المقولة الشائعة بأن فلسطين بلد جاف مائياً عبارة عن مغالطة، وبخاصة لدى الحديث عن المناطق الجبلية مثل الجليل والضفة الغربية؛ إذ أن فلسطين تعد من بلدان المشرق العربي القليلة التي تحوي كميات مستدامة من مصادر المياه المتجددة.
علاوة على ذلك، تُعد منطقة الأغوار غنية بالموارد المائية الطبيعية. والجدير بالتنويه أن معظم الحفريات الإسرائيلية لآبار المياه في الضفة الغربية تتم في الأغوار الفلسطينية. المياه المستخرجة من تلك الآبار تنقل بالكامل إلى مستعمرات الأغوار.
واللافت أن "إسرائيل" لا تمتلك كميات كبيرة من الموارد المائية في نطاق حدود الأرض المحتلة عام 1948، وإنما تعتمد على مصادر مائية خارج هذه الحدود، وتحديدًا في الضفة الغربية وحوض نهر الأردن ولبنان وسوريا.
ويقدر حجم المياه المنهوبة إسرائيليا من مصادر تقع خارج نطاق الأرض المحتلة عام 1948 بنحو 1103 مليون متر مكعب سنويا، منها حوالي 453 مليون متر مكعب من أحواض الضفة الغربية، والباقي، أي نحو 650 مليون متر مكعب، من حوض نهر الأردن. وتعادل هذه الكميات ما يقارب 57% من مجمل الاستهلاك الإسرائيلي.
الوضع المائي الذي كان سائدًا منذ ما قبل اتفاقيات أوسلو وحتى اليوم لم يتغير في الجوهر، بل وضعت تلك الاتفاقيات قيودا ضخمة على أية عملية تطوير لقطاع المياه الفلسطيني، وثبتّت وكرّست الهيمنة الإسرائيلية المطلقة على مصادر المياه في الضفة الغربية والتي كانت قائمة أصلاً قبل الاتفاقيات. إذ أقرت تلك الاتفاقيات للاحتلال تحكمه الكامل بسقف المياه "المسموح" للفلسطينيين؛ فهو يرفض مطلقًا ليس فقط "السماح" للفلسطينيين بحفر آبار مياه جديدة، بل يرفض أيضا "منح" تصاريح لترميم الآبار المتهالكة. أي أن "إسرائيل" تسيطر وتتحكم بشكل فعلي وكامل ومطلق بموارد المياه الفلسطينية واستخداماتها وإدارتها وتوزيعها.
علاوة على ذلك، تَحَدَّدَ مسار الجدار العنصري على طول الحوض الغربي والآبار الإسرائيلية التي تمتص مياهه، تحديدًا. وضمت "إسرائيل" المستعمرات الواقعة فوق مناطق هذا الحوض الغنية بالمياه إلى غرب الجدار؛ علما أن هذه المناطق تحديدًا تحوي أضخم احتياطي من المياه يمكن أن تعتمد عليه أي "دولة فلسطينية مستقبلية". وبالتالي، فإن سلخ هذه المناطق لصالح "إسرائيل"، يعني منع الفلسطينيين من تطوير مصادرهم المائية في الحوض الغربي، وبالتالي فإن مثل هذه "الدولة" ستكون دون مخزون استراتيجي من المياه.
إذن، يرتكز الجدار بالأساس إلى ضم أراضٍ واقعة في الحوض الغربي، ما يعني سيطرة الاحتلال سيطرة مطلقة على مصادر المياه في هذا الحوض، ومنع أي تأثير فلسطيني عليه. وليس الادعاء الإسرائيلي الأمني لإنشاء الجدار سوى ستار مضلل لإخفاء حقيقة الأهداف الجيوسياسية - الإستراتيجية الحقيقية المتمثلة أساسًا في تخليد السيطرة على الموارد الطبيعية والمائية ونهبها. بمعنى، تتعامل إسرائيل مع موارد المياه الفلسطينية باعتبارها مسألة أمنية استراتيجية وجودية من الدرجة الأولى. وهذا يؤكد ما قاله، في حينه، شمعون بيرس: "إسرائيل لن تسمح للفلسطينيين بالحصول على أية قطرة ماء إضافية من المصادر المائية التي تسيطر عليها "إسرائيل" حاليًا".
مفارقة مثيرة للاشمئزاز
يستخدم الاحتلال المياه سلاحاً للتنكيل المنهجي والمنظم بالفلسطينيين، والتلذذ بتعطيشهم وإذلالهم، لتخليد تبعيتهم له، ليس فقط في لقمة عيشهم، بل أيضا في قطرة مياههم. بل، ويستخدم سلاح التعطيش أيضًا لإخضاع الفلسطينيين وإرغامهم على الرضوخ للاحتلال ومشاريعه.
وفي هذا السياق، من المفيد التذكير بأنه أثناء حصار الجيش الإسرائيلي لبيروت عام 1982 نصح يتسحاق رابين زميله أريئيل شارون وزير الحرب الصهيوني آنذاك، بأن يبادر الأخير إلى قطع الماء والكهرباء عن بيروت الغربية وتعطيشها، بهدف إخضاع المقاومة الفلسطينية المحاصرة هناك. وقد أخذ بالنصيحة، إذ قطع الماء والكهرباء لبضعة أسابيع أثناء الحصار.
الرفاهية المائية التي يتمتع بها الإسرائيليون هي الوجه الآخر البشع للمشروع الاستعماري الاستيطاني الاقتلاعي الذي وكي يتمتع بالوفرة الرخيصة غير المحدودة من المياه العربية المسروقة، وكي يضمن تعزيز هذا المشروع واستمراريته، يجب عليه ضمان استمرارية التسول الفلسطيني والعربي لمياهه المنهوبة من المحتل.
ولو استعرنا جوهر قول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام (ما جاع فقير إلا بما متع به غني) وطبقناه على حالتنا العربية، لأصبح القول كما يلي: "ما عَطِش طفل عربي إلا بما مُتِّعَ به مُسْتَعْمِرٌ إسرائيلي".
المفارقة المثيرة للاشمئزاز أن الكيان الإسرائيلي لا يستخدم سلاح المياه ليعطّش الفلسطينيين فحسب، بل أيضًا الشعوب العربية التي وَقَّعَت حكوماتها معه اتفاقيات استعمارية وتتعاون معه أمنيًا ومخابراتيًا، مثل الأردن ومصر؛ علمًا أن "إسرائيل" دعمت أثيوبيا فنيا وتقنيا لإنشاء سد النهضة الذي إن أنجزت المرحلة الثانية من عملية تغذيته بمياه نهر النيل، فسيتسبب ذلك في تعطيش ملايين المصريين وجفاف مساحات زراعية مصرية واسعة. كما أن "لإسرائيل" وجود أمني وعسكري في أثيوبيا، فضلًا عن الدفاعات الجوية الإسرائيلية لحماية السد الإثيوبي.
المفارقة المثيرة للاشمئزاز أن الكيان الإسرائيلي لا يستخدم سلاح المياه ليعطّش الفلسطينيين فقط، بل أيضاً الشعوب العربية التي وقعّت حكوماتها معه اتفاقيات استعمارية، وتتعاون معه أمنيًا ومخابراتيًا، مثل الأردن ومصر؛ علمًا أن "إسرائيل" دعمت أثيوبيا فنيًا وتقنيًا لإنشاء سد النهضة الذي إن أنجزت المرحلة الثانية من عملية تغذيته بمياه نهر النيل، فسيتسبب ذلك في تعطيش ملايين المصريين وجفاف مساحات زراعية مصرية واسعة. كما أن "لإسرائيل" وجود أمني وعسكري في أثيوبيا، فضلا عن الدفاعات الجوية الإسرائيلية لحماية السد الإثيوبي.
المفارقة الأخرى أن الحكومة الأردنية تشتري من الاحتلال الإسرائيلي المياه التي يسرقها الأخير أصلا من أصحابها الفلسطينيين، بينما ترفض الحصول على نفس كمية المياه وأكثر عبر نهر اليرموك من سوريا.
وبحسب اتفاقية "وادي عربة" (بين إسرائيل والأردن) تزود إسرائيل الأردن بفتات مائي من بحيرة طبريا، في حين يضخ الأردن المياه من المنطقة المقابلة لوادي عربة في جنوب فلسطين لري المحاصيل الإسرائيلية هناك.
وبالرغم من هيمنتهم المطلقة على الموارد المائية وحوض نهر الأردن، ونهبهم للمياه الجوفية والسطحية، وتعطيشهم للفلسطينيين والأردنيين، يعمد الإسرائيليون إلى ترويج أكاذيب من قبيل أن جميع مواطني المنطقة (عرب وإسرائيليين) يعانون من أزمة المياه بشكل متساوٍ. لذا، وتحت مظلة هذه الأكاذيب عملت وتعمل "إسرائيل" عبر منظماتها البيئية والسياسية المختلفة، على تجنيد متواطئين فلسطينيين وأردنيين "للتعاون المشترك" لحل هذه المسألة الحساسة التي افتعلها الإسرائيليون أنفسهم.