الحدث-تل ابيب
في تقرير مُطوّل ومفصّلٍ كشفت صحيفة (هآرتس) الإسرائيليّة النقاب عن معطيات جديدة بشأن هجرة يهود العراق إلى إسرائيل، من شأنها أنْ تُبدد المزاعم الإسرائيلية حول حقوق اليهود الذين هاجروا أوْ استُجلبوا إلى فلسطين من الدول العربية، خلال الخمسينات من القرن الماضي، وخاصّة أنّ الرواية الإسرائيلية تؤكّد أنه جرى تهجيرهم قسرًا، مخلّفين وراءهم ممتلكاتهم. وغنيٌ عن القول إنّ هذه المزاعم تهدف فيما تهدف من قبل المؤسسة الإسرائيلية، إلى إيجاد نوع من التوازن مع المطالب الفلسطينية بالعودة إلى منازلهم وممتلكاتهم، التي هُجّروا منها عام 1948.
الرواية التي أوردتها الصحيفة الإسرائيليّة، نقلاً عن نائب الرئيس الأسبق للموساد الإسرائيليّ، ميناحيم ليفوبسكي، الذي لعب دورًا مهّمًا في نقل يهود العراق إلى إسرائيل، تؤكد على أنّ أن عملية الهجرة كانت تجري بتخطيط وإدارة إسرائيليتين، ولا علاقة لها بالمزاعم عن الهجرة القسرية التي تروجها الدولة العبريّة. وتناول الضابط في مذكّراته علاقات إسرائيل مع أكراد العراق منذ ستينات القرن الماضي، ودورهم في مساعدة إسرائيل على هجرة يهود العراق.
أمّا عن الكيفية التي جرت بها عملية الهجرة، فيورد الرجل، وهو في الـ83 من عمره، أنّه ورجاله كانوا مزودين بقائمة أسماء وعناوين اليهود في بغداد، ومدن عراقية أخرى، حيث كان يجري تسليم هذه القوائم إلى من أسماهم بالأصدقاء الأكراد الذين كانوا يتوجهون بدورهم إليهم، ويبلغونهم الاستعداد للرحيل، بعد ذلك، يؤكّد ضابط الموساد في مذكراته، على أنّه كانت تجري عملية نقل العائلات بواسطة آليات كردية إلى الحدود العراقيّة الإيرانيّة، ومن هناك إلى داخل إيران، ومن ثمّ إلى إسرائيل، جدير بالذكر أنّه في تلك الفترة كانت العلاقات الإسرائيليّة-الإيرانيّة في ذروتها.
أمّا فيما يتعلّق بيهود المغرب، فقد قال ضابط الموساد إنّه في ذلك الحين، استجاب الملك الحسن الثاني لطلب إسرائيل بالسماح بهجرة اليهود من المغرب، وبناءً على ذلك، أضاف قائلاً، تمّ توقيع صفقة بين الموساد وبين قائد المخابرات المغربيّة، وبموجبها دفعت إسرائيل مبلغ 250 دولار مقابل هجرة كل واحد من 80 ألف يهودي مغربيّ، وهكّذا تمّ نقل ربع مليار دولار بأكياس كبيرةٍ، على حدّ قوله.
وفي ما يتعلّق بإيران، ذكرت الصحيفة الإسرائيليّة أنّه في أيلول (سبتمبر) من العام 1978، ومع بداية تقوّض نظام شاه إيران، أنيطت بليفوبسكي مسؤولية أمن الجالية اليهودية في إيران، والاستعداد لإخلائها، في ضوء المخاوف من الثورة الإسلامية في حينه، ومن عودة الإمام الخميني إلى إيران. وأضافت أنّ أوّل الفارين كان رئيس الصناعة العسكرية لإيران، الجنرال توفينيان، وتلقى مساعدة من عناصر الموساد في طهران، من أجل الوصول إلى المطار، والهروب من الدولة في إحدى طائرات شركة (العال) الإسرائيليّة، ولفتت الصحيفة إلى أنّ ليفوبسكي تمّ إنقاذه في نهاية المطاف على يد الأمريكيين، بعدما استكمل مهمته في طهران.
علاوة على ذلك، نقلت الصحيفة عن الضابط ليفوبسكي، الذي اعتزل العمل في الموساد في العام 1985، بعد اتهامه بالضلوع في مجزرة صبرا وشاتيلا، إنّه عمل في بيروت بدءً من عام 1980، حتى غرقت إسرائيل في المستنقع اللبنانيّ، على حدّ وصفه. بالإضافة إلى ذلك، أشار ليفوبسكي إلى أنّه منذ تسلّم منصبه، عرف أن الحرب على لبنان أمر حتمي. ووصف في الفصل الذي تناول لبنان، لقاءً تمّ عقده في منزل مناحيم بيغن، في القدس المحتلة، بحضور الرئيس المنتخب، بشير الجميل، ووزير الخارجية الإسرائيلي، اسحاق شامير.
وبحسب ليفوبسكي، فخلال اللقاء انفجر بيغن بالقول: سنذهب إلى بيروت ونسحق وندمر، وشعب إسرائيل حي، لكنّ ضابط الموساد أشار إلى أنّه وقف إلى جانب بيغن مذهولاً من هذا الحديث، ومن قوة هذه المقولة، حسبما ذكر. وبرأي ليفوبسكي، فقد اتضحّ في وقتٍ لاحقٍ ما هو السبب الذي دفع إسرائيل إلى خوض حرب لبنان الأولى، عام 12982، أيْ اجتياح لبنان، ويقول في هذا السياق إنّه مع مرور الأيام اتضح لي لماذا وافق بيغن على العملية: في (كامب ديفيد)، أيْ مفاوضات السلام مع مصر، أعطى بيغن موافقته على منح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا. ويبدو أنّه ندم على ذلك، وعبّر عن أسف عميق على موافقته، خشية أن يؤدي الحكم الذاتي إلى إقامة دولة فلسطينية، وبناءً على ذلك، يُضيف ضابط الموساد، كان من السهل إقناعه بأنّه من أجل منع إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، ينبغي اقتلاع القيادة الفلسطينية من لبنان، وإبعادها عن المنطقة.
جدير بالذكر أنّ ليفوبسكي خدم في الموساد على مدار أربعة عقود، وخلال عمله تبوأ منصب قائد وحدة (تيفيل) في الجهاز. وقسم (تيفيل –Tevel)، أيْ العالم، يُعتبر أكبر دائرة في دوائر الموساد، ويتولى المهمات السياسية والعلاقات مع الأجهزة الأجنبية، وهي الدائرة التي تعاظم دورها منذ أحداث 11 أيلول 2001 في إطار التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب.
ويعتبر معظم من عمل في هذه الدائرة (تيفل) بحسب المصادر الأمنيّة في تل أبيب، هم ممّن تقلدوا مناصب سفراء لإسرائيل، مثل تعيين رؤفين دانيال، الذي كان سفيرًا لإسرائيل في تركمانستان وهو الأمر الذي أثار غضب موسكو.
علاوة على ذلك، فإنّ عناصر (تيفيل) هم ذوي خلفية عملياتية لا موظفين، وأنصاف دبلوماسيين، من اجل أن يعرفوا كيف يتحدثون مع نظرائهم.