"وضع السلطة الفلسطينية أشبه بغابة جافة تنتظر أحدًا ما ليشعل النار فيها"، هذا هو الانطباع الذي خرج به المبعوث الأمريكي هادي عمرو بعد زيارته لرام الله مؤخرا، وأبلغ به المسؤولين الإسرائيليين الذين التقاهم بعد تلك الزيارة، وشدد عمرو في حديثه مع الإسرائيليين، على أن الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها السلطة، بالإضافة إلى غياب الشرعيات فيها، أدى إلى نشوء وضع خطير وغير مستقر، وطالبهم باتخاذ خطوات لمنع انهيارها.. دعوة عمرو هذه إن دلت على شيء فإنما تدل على أن بقاء السلطة الفلسطينية هو مصلحة أمريكية، وبالنتيجة مصلحة إسرائيلية، بالإضافة إلى أنها أيضا مصلحة لدول فاعلة في الإقليم .
إن الوضع في الأراضي الفلسطينية اليوم، ليس كما كان عليه عشية رحيل الرئيس ياسر عرفات، فحركة فتح آنذاك كانت موحدة لا تتنازعها الخلافات، ولم تتشكل فيها المحاور، كما أن الشرعيات كانت لم تزل قائمة، وفي مقدمتها المجلس تشريعي، الذي ساعد على انتقال سلس للسلطة بعد وفاة الرئيس عرفات، أما اليوم فإن الوضع في فلسطين مختلف تماما ويتميز بالتالي:
- انقسام سياسي شطر الوطن، ولم تنجح كافة الجهود للوحدة رغم التوصل إلى أكثر من تفاهم واتفاق لرأب الصدع، ورافق هذا الانقسام السياسي والجغرافي انقسام في الوعي الفلسطيني بفعل ماكينات التحريض السياسي والإعلامي لطرفي الانقسام.
- مفاوضات عبثية استغلت إسرائيل طول أمدها بمصادرة الأراضي، وتكثيف الاستيطان، وبزيادة 42% في عدد المستوطنين في الضفة الغربية (دون القدس) في العام 2020 مقارنة بالعام 2010.
- نشاط دبلوماسي "دونكيشوتي" على الساحة الدولية، أسفر عنه اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين بصفة مراقب، وما تلى ذلك من توقيع السلطة الفلسطينية على عشرات الاتفاقيات والمواثيق الدولية نتيجة لهذا الاعتراف (لم تطبق الكثير منها داخليا ولا سيما تلك المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات العامة) .. هذه "الانتصارات" لم تغير شيئا في الواقع الذي يعيشه المواطن الفلسطيني، بل على العكس من ذلك ازدادت معاناته وشعوره باليأس.
- عدم القدرة أو بالأصح عدم الرغبة، بتنفيذ قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير والقاضية بتعليق العمل باتفاق أوسلو، ووقف التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل..
- نظام سياسي نخره الصدأ لعدم تجدد الشرعيات فيه، من خلال تعطيل الانتخابات التشريعية والرئاسية في العام 2010، بدعوى عدم إمكانية إجرائها في قطاع غزة، وتأجيلها إلى أجل غير مسمى في العام 2021، بدعوى عدم سماح إسرائيل للمقدسيين بالمشاركة فيها.
- الانقسامات وتَشَكُل المحاور في حركة فتح، وتجلت هذه الانقسامات في العام 2021 لأسباب متعددة منها المواقف المتضاربة من الانتخابات التشريعية، وعدم تمكن اللجنة المركزية للحركة من جسرها، إضافة إلى التفرد في اتخاذ القرارات وغيرها من العوامل الأخرى.
وحتى حلول اليوم التالي لغياب الرئيس عباس عن المشهد، فإنه ليس من مصلحة إسرائيل، وبالتالي ليس من مصلحة أمريكا أو أوروبا ودول في الإقليم، استمرار الوضع في الأراضي الفلسطينية على ما هو عليه الآن، فلا بد لإسرائيل وللغرب من ترتيب بيت السلطة الفلسطينية قبل انتهاء حقبة الرئيس عباس التي تشارف على الأفول، بما يضمن بقاء النظام فلسطيني في المستقبل، بإعادة إنتاج رموز من النظام السابق "ديموقراطيا"، وبما يضمن أيضا بقاء أداء السلطة الفلسطينية لوظيفتها في المستقبل كما هي عليه اليوم، مع إبقائها غير قادرة على التحول لدولة بكل ما تعنيه كلمة الدولة من معنى..