الحدث: محمد مصطفى
أجبر الفقر الطاحن، الذي غزا مناطق واسعة في قطاع غزة، لاسيما الريفية والنائية، عشرات الأسر لابتكار مهن وطرق متنوعة، في محاولة لتوفير ولو الحد الأدنى من الدخل، ليعيلوا أبنائهم.
مزارع صغيرة
فلم تجد العديد من الأسر الريفية، التي تمتلك مساحات خالية داخل منازلها، أو أسطح مجهزة، سوى تحويل تلك المنازل لمزارع صغيرة، لتربية الدواجن المنزلية المتنوعة.
واللافت أن تلك الدواجن، تعقد لها أسواق خاصة، ويأتيها الزبائن من كل حدب وصوب، لاعتقادهم باختلاف مذاقها، وأن لحومها صحية أكثر من غيرها، لعدم إعطائها أدوية كما يحدث مع الدواجن البيضاء، التي تربى في مزارع كبيرة.
وبدا الركن المخصص للدواجن المنزلية في سوق مدينة خان يونس الأسبوعية "الأربعاء"، يغص بالدجاج والبط والحبش، والأرانب وأنواع أخرى.
المواطنة أم يوسف جابر، أكدت أن زوجها مريض منذ عدة سنوات، ولا يقوى على العمل، كما أن نجلها الذي لم يكمل دراسته بعد الثانوية العامة، لم ينجح في العثور على عمل ثابت يساعد في توفير نفقات العائلة، ما اضطرها لإقامة عدد من الحظائر الصغيرة والمتوسطة في فناء منزلها، وتربية الدواجن بمختلف أنواعها.
وأوضحت جابر، أنها خصصت حظيرة لتربية الدواجن البلدي، وأخرى للحمام، وثالثة للأرانب، وتهتم بطيورها، وتستيقظ مبكرة من أجل وضع الحبوب لها، وتقوم طوال الأسبوع بتجميع البيض، وتجهيز فراخ الحمام الناضج، والأرانب إن وجدة، وتذهب مبكرة إلى السوق المذكورة، لبيعه إما على التجار أو الزبائن، وتشتري بنصف ما تحصله أعلاف والنصف الأخر متطلبات للأسرة.
مهنة إجبارية
أما المواطن إسماعيل يونس، وكان قد جلب كمية من البيض وفراخ الحمام لبيعها في السوق المذكورة، فأشار إلى انه ورغم صعوبة الظروف التي واجهته، وفقده كل طيوره ودواجنه التي نفقت خلال العدوان، إلا أنه عاد لإنشاء مزرعته المتواضعة داخل منزله، وجلب دواجن جديدة لتربيتها في المنزل، فعائلته التي ينهشها الفقر منذ سنوات، لا تمتلك مصدر دخل آخر سوى تربية الدواجن.
وأكد يونس أنه يعمد إلى إطلاق الدجاج والحمام، ليبحث عن رزقه في محيط المنزل أو في المزارع، أملا بتقليل نفقات إطعامه، لصالح شراء متطلبات أسرته الأساسية.
وتساءل يونس عن دور المؤسسات الزراعية والاغاثية، التي من المفترض أن تسانده وأمثاله ممن تضرروا خلال العدوان، بتقديم مساعدات تدعم مشاريعهم الناشئة.
وتمنى يونس لو كان بإمكانه توسيع نشاطه، بتربية الأغنام، ومزيداً من الطيور والدواجن، لكن هذا بحاجة إلى إمكانات مادية هو يفتقر لها.
دواجن مطلوبة
وبدت الدواجن المذكورة، ورغم ارتفاع أسعارها مقارنة بنظريتها التقليدية، مطلوبة من قبل المواطنين، حيث يقول المواطن هيثم صيام، وكان يتجول في السوق باحثاً عن بط ناضج، إنه غالبا ما يبحث عن الدواجن التي تربى في المنزل، ولا يفضل تلك التي تباع في الأسواق.
وأوضح أنه اعتاد وعائلته على تناول الدواجن البلدية مرة أو مرتين كل شهر على الأقل، وغاباً ما يشتريها من مربين يعرفهم.
وأشار إلى أن قطاع الدواجن المنزلية تأثر خلال العدوان، وقلت الكميات المعروضة في السوق، لكنها عادت وبدأت تغزو الأسواق من جديد.
وأكد صيام أن هؤلاء المربي والمزارعين الصغار هم مكافحون، ويجب دعمهم، ويسهموا في إمداد السوق بجزء هام من احتياجاتها، من أجود وأشهى أنواع الدواجن.
ظاهرة جديدة
وكان أحد كبار تجار الدواجن جنوب قطاع غزة، أكد أن الفقر وارتفاع نسب البطالة، أنتج ظاهرة جديدة، لم تكن معروفة من قبل، وتتمثل في إنشاء مزارع صغيرة متفرقة داخل المنازل، لتربية الدجاج اللاحم.
وقال التجار عبد الجبار العرجا، العديد من الشبان أصبحوا يتوجهوا إلى فراخات الصيصان، "الفقاسات"، لشراء الكتاكيت وتربيتها في منازلهم، مستغلين مساحات خالية، أو حتى غرف على الأسطح.
وبين العرجا إن العديد من المربين الصغار، وبعد نضج دواجنهم، يتوجهون إلى محال بيع الدواجن ويعرضون على ملاكها شراء الدواجن بأقل بنصف شيكل في الكيلو غرام الواحد، وهم كتجار يذهبون وراء الربح الأعلى، خاصة وأن السلعة متشابهة، لذلك يتوقفوا عن الشراء من كبار التجار، ممن يحصلون على الدواجن من الزارعين والمربين.
وأكد العرجا، أن ثمة عشرات الآلاف من الدواجن الناضجة تطرح في الأسواق أسبوعيا من خلال مربين صغار، وهذا يؤثر على كبار التجار والمزارعين المحترفين للمهنة، ويخلق حالة عرض أكبر من الطلب.