محمد وتد - الناصرة
تراوغ إسرائيل بمقترح ضم منطقة المثلث ووادي عارة المتاخمة لحدود الرابع من حزيران إلى السلطة الفلسطينية في إطار أي تسوية سياسية مستقبلية، وتسوق تل أبيب لفكرة تعديل الحدود ليكون مسار شارع «عابر إسرائيل» المعروف برقم «6» هو الحد الفاصل بين الدولتين، وذلك بحال تم تبادل الأراضي والسكان بمنطقة المثلث التي يقطنها نحو 300 ألف فلسطيني من حملة الجنسية الإسرائيلية مقابل عدم إخلاء الكتل الاستيطانية من الضفة الغربية التي يقطنها نحو 700 ألف مستوطن.
ورفضت الفعاليات السياسية والشعبية والحقوقية بالداخل الفلسطيني المقترح الإسرائيلي واعتبرته بمثابة نظام أبرتهايد وتطهير عرقي للفلسطينيين، ويأتي في سياق المشروع الصهيوني وصراع المؤسسة الإسرائيلية على الهوية لتكريس يهودية الدولة، إذ أن منطقة المثلث التي تطرح حاليا للتبادل كانت بموجب قرار التقسيم في العام 1947 ضمن الدولة الفلسطينية، وتم ضمها قهرا وقصرا بموجب اتفاقية رودس في العام 1949 إلى إسرائيل التي صادرت مئات آلاف الدونمات من أصحابها.
وترى فيما يتم تداوله وتسويقه من قبل شخصيات في إسرائيل على أنه «تصحيح حدود» كذبة وخداعاً للمؤسسة الإسرائيلية، فحوالي %64 من أراضي الضفة الغربية المحتلة عام 1967 هي الآن تحت السيادة الإسرائيلية، ومساحة كل الأراضي التي تنوي إسرائيل «إرجاعها» هي أقل من مساحة الشوارع الالتفافية بالضفة الغربية وأراضي منطقة المثلث.
وأجمع رؤساء بلدات وادي عارة والمثلث الشمالي رفضهم لمثل هذه المخططات مؤكدين على أن فلسطينيي 48 هم أصحاب الأرض والوطن الأصليين، رافضين تصريحات وزير الخارجية ليبرمان القاضية بنقل أراض ومواطنين من المثلث لمناطق السلطة الفلسطينية ضمن مشروع التسوية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ويعتقدون بأن مخطط تبادل السكان مطروح بقوة على طاولة المفاوضين، مطالبين عدم الاستهتار بمثل هذه التصريحات والمخططات داعين إلى عقد جلسة طارئة للجنة المتابعة للجماهير العربية واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية وإصدار بيان شديد اللهجة يوصل رسالة واضحة إلى كل المفاوضين بأن الداخل الفلسطيني ليس سلعة للمساومة والتفاوض.
وأعد أستاذ القانون المحاضر في الجامعة العبرية المحامي قيس يوسف ناصر دراسة قانونية حول مقترح تحويل بلدات المثلث ومنطقة وادي عارة للسلطة الفلسطينية مقابل الحفاظ على المستوطنات الإسرائيلية التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية، وأرسل المحامي ناصر دراسته إلى رؤساء مجالس وبلديات ومجموعة من النواب العرب بالكنيست وجهات أخرى لاستخدامها في نضالهم ضد هذا المخطط المرفوض، وأثبت من خلال الدراسة أن هذا المقترح باطل حسب القانون الدولي وحسب القانون الإسرائيلي.
المحامي ناصر “المقترح غير شرعي حسب القانون الدولي، المخطط سيسقط فورا إذا أعلنت السلطة الفلسطينية رفضها وذلك بالطبع بالإضافة إلى معارضة المواطنين من سكان البلدات المقترحة”
وبين المحامي قيس ناصر من خلال دراسته واستعراضه للقانون الدولي والتشريعات الدستورية، أن إسرائيل لا تستطيع تنفيذ المخطط بصورة أحادية الجانب وبقرار فردي من الحكومة، بل أن المخطط منوط أولا بموافقة السلطة الفلسطينية كما أن تمرير المخطط يحتاج إلى قانون أساس يبحث ويناقش في الكنيست ولا يمكن تمرير المخطط من خلال قرار إداري للحكومة، إذ أن المقترح باطل حتى حسب القانون الدستوري الإسرائيلي نفسه وذلك لمساسه بحقوق المواطنين العرب بصورة غير معقولة وليس لغاية مشروعة وهو ما ينافي المقاييس الدستورية التي نصت عليها المحكمة العليا الإسرائيلية.
وشدد المحامي ناصر على أن المقترح غير شرعي حسب القانون الدولي وذلك لمساسه بالحقوق الأساسية للسكان وأن القانون الدولي لا يرى في المسببات التي تحرك هذا المقترح، كالهاجس الديموغرافي أو الحفاظ على المستوطنات التي هي غير شرعية أصلا حسب القانون الدولي، مبررا قانونيا لتحريك وتمرير المخطط. كما ونوه إلى حالات أخرى بالقانون الدولي لتنظيمات تبادل سكان مثل اتفاقية ألمانيا وفرنسا، والتي نصت دائما على إعطاء السكان حق اختيار الجنسية وعدم منح جنسية الدولة الجديدة من المواطن أو سلب جنسية الدولية الحالية منه بالإكراه والفرض.
وخلص إلى القول: “حين رأيت أن المقترح المذكور يطرح في فترة حرجة لمفاوضات الحل النهائي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، رأيت أن علي إعداد دراسة قضائية بهذا الخصوص وذلك لتمكين كل المواطنين العرب وكل الجهات المعنية للتعامل مع هذا المقترح على المستوى المهني والسياسي. في رأيي أن المخطط المذكور سيسقط فورا إذا أعلنت السلطة الفلسطينية رفضها وذلك بالطبع بالإضافة إلى معارضة المواطنين العرب من سكان البلدات المقترحة والذين حفظت حقوقهم في القانون الدولي وفي القانون الدستوري في إسرائيل من خلال قرارات مختلفة للمحكمة العليا”.
عثامنة:»انتماؤنا الفلسطيني يشرفنا ونحن رمز للقضية والبقاء الفلسطيني ونحن أصحاب هذه الأرض ولا يحق لأي أحد أن يساوم ويفاوض علينا وعلى أرضنا»
وأعرب المحامي حسن عثامنة رئيس مجلس محلي كفر قرع، عن رفضه لأي مقترح يقضي في تبادل الأراضي والسكان ما بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ضمن عملية التسوية، مؤكداً أن الأقلية العربية الفلسطينية بالداخل كانت وما زالت رمز القضية والوجود والنضال الفلسطيني، وقدمت الغالي والنفيس من أجل الحفاظ والبقاء على أرض الآباء والأجداد رغم كل المعاناة والسياسات الظالمة المتمثلة بالتمييز والملاحقة وعدم الاعتراف بحقوق الأقلية العربية.
وشدد الرئيس عثامنة على ضرورة التصدي لمثل هذه المقترحات لإصدار موقف واضح للحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية بأن الأقلية العربية بالداخل ليست سلعة على طاولة المفاوضات ولا يحق لأي أحد أن يساوم عليهم، قائلا إن : «انتماءنا الفلسطيني يشرفنا ونحن رمز للقضية وللبقاء الفلسطيني ونحن أصحاب هذه الأرض ولا يحق لأي احد أن يساوم ويفاوض علينا وعلى أرضنا، هذا المشروع العنصري نهايته في سلة المهملات كباقي المخططات والمشاريع الترانسفيرية العنصرية».
ملحم “كافة الفعاليات الشعبية رفضت مبدأ مقايضة أصحاب الأرض والبلاد الأصليين بالمستوطنين والمستقدمين من شتى أنحاء العالم لسرقة أراضي الشعب الفلسطيني”
وانتقد رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن في المثلث أحمد ملحم طرح تبادل الأراضي والسكان واعتبرته محاولة من وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان لتطبيق البرنامج الانتخابي القائم على أساس التطهير العرقي، وحذر من مناقشة الموضوع على طاولة المفاوضين واعتبر تداول الفكرة بمثابة إنزال نكبة جديدة بالشعب الفلسطيني وتقطيع أوصاله.
وبين رفض كافة الفعاليات الشعبية مبدأ مقايضة أصحاب الأرض والبلاد الأصليين بالمستوطنين والمستقدمين من شتى أنحاء العالم لسرقة أراضي الشعب الفلسطيني، وكذلك رفض اعتبار الداخل الفلسطيني حلا لأزمات افتعلها الاحتلال الإسرائيلي ببناء المستوطنات سعيا منه للسيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية.
وأكد ملحم ضرورة التصدي لمثل هذه المقترحات لإصدار موقف واضح للحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية بأن الأقلية العربية بالداخل ليست سلعة على طاولة المفاوضات ولا يحق لأي أحد أن يساوم عليهم، قائلا إن : “انتماءنا الفلسطيني يشرفنا ونحن رمز للقضية والبقاء الفلسطيني ونحن أصحاب هذه الأرض ولا يحق لأي أحد أن يساوم ويفاوض علينا وعلى أرضنا، هذا المشروع العنصري نهايته في سلة المهملات كباقي المخططات والمشاريع الترانسفيرية العنصرية”.
عبد الفتاح “هدف إسرائيل من مخطط نقل 300 فلسطيني إلى دولة المعازل، الحد من تأثيرهم وتهديدهم السياسي والأيديولوجي ليهودية الدولة”
من جانبه، تساءل سكرتير عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي عوض عبد الفتاح، لماذا بالفعل يرفض الفلسطيني الحامل للمواطنة الإسرائيلية الانضمام إلى الدولة الفلسطينية؟ لا يمكن اتهامه بأنه يحب إسرائيل أو يتماثل مع مضامينها ورموزها وسياساتها، في قرارة نفسه هو يراها كيانا غريبا.
«ربما لا يريد هذا المواطن العادي»، -يجيب عبد الفتاح-، أن «يعترف أن الحياة هناك أسوأ، بعد أن حولت إسرائيل الحياة بالضفة الغربية والقدس المحتلة، بعد عقود من النهب والتهويد والقمع والاعتقال وتقطيع وعزل المدن عن بعضها، إلى جحيم، إذ من يقبل أن ينتقل من وطنه ومن ظروف صعبة إلى ظروف أكثر كارثية وخطورة، إلى جزء آخر من الوطن تريده إسرائيل سجنا كبيرا؟».
ويرى عبد الفتاح إن هدف إسرائيل من مخطط نقل 300 فلسطيني إلى دولة المعازل التي تتحدث عنها المؤسسة الإسرائيلية، وكذلك جون كيري وزير الخارجية الأمريكية هو تقليل عدد الفلسطينيين داخل الكيان الإسرائيلي، والحد من تأثيرهم وتهديدهم السياسي والأيديولوجي ليهودية الدولة، ولعنصريتها الممأسسة. ما معناه هو جعل دونية من يتبقى من الفلسطينيين أبدية، فإسرائيل كدولة محتلة مسؤولة عن الشعب الذي احتلته عام 1948 وعام 1967، أمام القانون الدولي. وبالتالي لا يحق لها مواصلة التلاعب بالمواطنين أصحاب الأرض الأصليين الذين فرضت عليهم المواطنة الإسرائيلية، ويناضلون ضد الظلم منذ النكبة.
حكيم “رفض التبادل نابع بالأساس من أنها فكرة استعمارية يطرحها الاحتلال كمسألة داخلية يقايض بها العرب في وطنهم باليهود المستعمرين”
بدوره، أوضح عضو المكتب السياسي للحركة الإسلامية عبد الحكيم مفيد رفض هذا النقل والتبادل بكونه عملية تنفذها المؤسسة الإسرائيلية لتفكيك فلسطيني الداخل بكونهم مجموعة عاشت ضمن ظروف خاصة، وصارت هذه تشكل جزءا من ذاتهم وهويتهم، فالتبادل بالنسبة لكثيرين هو نكبة جديدة على المستوى الاجتماعي والسياسي، وضرب لقوة التماسك لفلسطينيي الداخل، والمسألة الأخرى هي أن الحديث لا يدور عن الانضمام لفلسطين، إذ أن التبادل هو تخلص من العرب أولا، «ترانسفير» بطيء، ووضعهم تحت نظام «أبرتهايد» و «كنتونات» كما هو الحال في الضفة الغربية، التضييق عليهم ودفعهم للهجرة شرقي النهر، على المدى البعيد، فنحن غير ذاهبين إلى «دولة» بل إلى محطة انتقالية للطرد.
وقال حكيم إن: «رفض التبادل نابع بالأساس من أنها فكرة استعمارية يطرحها الاحتلال كمسألة داخلية يقايض بها العرب في وطنهم باليهود المستعمرين الذين لا يوجد شرعية لوجودهم بالمشروع الاستيطاني، وعليه يتم رفض فكرة التبادل ليس لأننا لا نريد أن نكون مع شعبنا، بالعكس نحن نرفضها لأننا فلسطينيون، فالكتل الاستيطانية قائمة على أراض محتلة، وهي غير شرعية، ولا يمكن مقايضتها بفلسطينيي 48 .
وحذر حكيم مما هو أخطر من ذلك على المدى البعيد وهو شرعنة «الترانسفير البطيء» في أماكن أخرى يسكنها الفلسطينيين، النقب مثلا والمناطق المحيطة بتخوم الضفة الغربية بالجليل، بقصد خلق محطات انتقالية تشرعن الطرد والاقتلاع على المدى البعيد يرتبط بعملية توطين الفلسطينيين بالوطن البديل أو الأوطان البديلة بالأردن وشمال العراق خاصة، إذ لا يختلف الداخل الفلسطيني من حيث النظرة الإستراتيجية عن باقي الفلسطينيين بالنسبة للمشروع الصهيوني