الحدث الثقافي- أحمد أبو ليلى
صدر مؤخراً كتاب وجه مرسوم في الرمال: التساؤل الإنساني وفوكو في الوقت الحاضر للمنظرة النقدية راي تشاو Ray Chow، والذي يركز بشكل أساسية على التعريف بمحنة العلوم الإنسانية في عصر التمويل العالمي والأعراف النيوليبرالية من خلال الاستعانة بميشيل فوكو وتحديداً بمفهوم "الخارج". تقدم الكاتبة اقتراحاً بضرورة اتباع نهج غير نفعي nonutilitarian في التعاطي مع الأهداف الفكرية والتربوية الأساسية للبحث الإنساني. إذ يمثل الكتاب انعكاسًا نقديًا للوضع الحالي للدراسات الإنسانية في الأكاديميا الأميريكية وتحديداً في أمريكا الشمالية.
وتسعى الكاتبة إلى التأكيد على المأزق العام الناجم عن اقتصاديات السوق النيوليبرالية في البحث الإنساني على المستوى التربوي اليومي، والتي لها آثار واسعة النطاق على المجتمع المعاصر، متسائلةً: هل نحن مجتمع يمكنه أو مستعد للاستغناء عن المعرفة الإنسانية لمجرد أنها لا تسفر عن حلول عملية فورية أو نتائج مادية؟ هل أنه لا لزوم لأشكال العمل الفكري المتخصص في تقنيات التفكير النقدي والتحليل وأنه لا طائل منها، في عالم مدفوع بآليات التمويل العالمي، والهوية الشعبوية، والأخلاق الموجهة نحو السوق؟ وتتساءل أيضاً: إذا كانت الإجابات على هذه الأسئلة سلبية، "كما أعتقد أنه ينبغي لها أن تكون، فما هي المساحات التي يمكننا إنشاؤها والحفاظ عليها من أجل البحث الإنساني دون مجرد تحويل هذا البحث إلى فرع من مجالات المعرفة الأخرى الموجهة نحو الحلول؟ وبأي شكل يتناقض عملك مع أيديولوجية سياسات الهوية؟ كيف يمكن أن يساعدنا عمل فوكو في التفكير بشكل أكثر نقدًا في الطريقة التي نتعامل بها مع التحديات التي تواجه المؤسسات التعليمية؟
في المقدمة، تناقش الكاتبة المنطق التنظيمي والسياسة النموذجية للجامعات الممولة من الشركات العالمية، حيث يستمر السعي وراء التخصصات الرسمية الأكثر تقليدية مثل الفلسفة والتاريخ والكلاسيكيات واللغة الإنجليزية هذه الأيام جنبًا إلى جنب مع دراسات الهوية ودراسات المنطقة. تتعلق دراسات الهوية بمصالح النساء والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية والمتحولين جنسياً والمعوقين والسكان الأصليين وغيرهم من السكان المسيسين، بينما تتعلق دراسات المنطقة بمختلف المناطق الجيوسياسية في العالم التي تم تحديد أهميتها فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد الحرب. وتقول الكاتبة: "أزعم أنه إذا اتبعنا تحليلات فوكو للعمليات الاجتماعية، ولخطابات المساءلة ذاتية التنظيم للمؤسسات، وللأجهزة الحكومية المتطورة تاريخيًا، فسيتعين علينا أن نرى أن دراسات الهوية ودراسات المنطقة مصممة لأداء مهام إدارة المخاطر والسيطرة على الأضرار في بيئة الجامعة، حيث يقدمون نوعًا من خدمة الصرف الصحي للروح الغربية الفاسدة والمثقلة بالذنب. بعبارة أخرى، كيف يُفترض أن يعمل المنهج الجامعي عندما يُفترض أن ينظف جزء من العلوم الإنسانية "قذارة" الآخر (التخصصات الرسمية الأكثر تقليدية) ولمصلحة من؟".
في الفصل الثالث، توجه الكاتبة انتقادا لاستشراق إدوارد سعيد، والذي شكل اتجاه دراسات ما بعد الاستعمار لدرجة أنه أدى في بعض الأحيان إلى تمثيل أقل دقة للثقافات غير الغربية. وفي سياق آخر تقول الكاتبة: "أطالب بقراءة أكثر دقة لمناقشات فوكو حول العرق والعنصرية، والتي تعد جزءًا لا يتجزأ من نقده الطويل الأمد للعقل السياسي الأوروبي الحديث. بالنسبة لفوكو، العنصرية هي نوع من آلية الحكم التي تنبثق من داخل (وليس من خارج) النسيج الاجتماعي. وبالتالي فإن العنصرية لا تنفصل عن الطبقية. هذه دروس ثمينة يجب وضعها في الاعتبار بينما نتحدى أيديولوجية سياسات الهوية التي تتخلل مؤسساتنا التعليمية حاليًا.