وسائل إعلام امريكية تحدثت عن خروج للقوات الأمريكية من العراق في نهاية عام 2021، وتحويل دور القوات الأمريكية هناك الى دور استشاري وتقديم خدمات امنية ولوجستية واستخبارية، وكذلك دعم جوي وسبق ذلك الإعلان عن خروج القوات الأمريكية من افغانستان، والإبقاء على عدد محدود من قواتها، وتحت نفس المبررات المطروحة بالخروج من العراق، ولا شك بأن فشل المشروع الأمريكي المتراكم، والمقاومة التي واجهتها وتواجها امريكا في تلك البلدان، هي عجلت بخروجها، وكذلك تعمق أزمتها الإقتصادية في الداخل الأمريكي وارتفاع مديونيتها التجارية الى أكثر من 29ترليون دولار، هي من العوامل التي تدفع وتعجل بخروجها من المنطقة والبحث عن وكلاء للإدارة مكانها،والوكيل التركي لديه خبرة وتجربة طويلة في هذا الجانب، فهو عضو في حلف الناتو وحليف موثوق، وجرب في أكثر من منطقة بدايتها في حرب الكوريتين ودوره في تدمير سوريا والعراق وليبيا وحتى الإمتداد الى اليمن ولبنان وإدخال مئات الألاف من المرتزقة من الجماعات الإرهابية و"الداعشية" الى تلك الدول بهدف تدميرها وتفكيك جغرافيتها ونهب خيراتها وثرواتها خدمة وارضاء للقوة الإستعمارية، وتطور أهداف تلك التدخلات للسيطرة على مناطق في الشمال السوري والجنوب العراقي لبعث ما يسمى بالخلافة العثمانية.
الوكيل التركي جاهز للقيام بدور الوكيل الأمريكي في حماية مطار كابول، فالخمسمائة جندي تركي الموجودين في إطار قوات حلف الناتو،غير قادرين على حماية مطار كابول من قبل حركة طالبان،التي تتقدم بشكل كبير نحو استعادة السيطرة بشكل كبير على الجغرافيا الأفغانية،وهروب المرتزقة والمتعاونين معها والذين تريد نقلهم الى قواعد لها في قطر والكويت ،بالبحث عن دور ومهام لهم في المنطقة استخباري ولوجستي وخاصة المترجمين منهم،ونقل جزء منهم الى أمريكا ولذلك سيعمل الأتراك على نقل جزء من المرتزقة والعصابات الذين تديرهم وتشرف عليهم من سوريا والعراق الى افغانستان،للقيام بمهمة الوكالة عن أمريكا،ويبدو بأن التركي لم يتعلم من التاريخ،فبريطانيا عندما كانت عظمى ولا تغيب الشمس عن مستعمراتها هزمها الأفغان،وكذلك هزم فيها الإتحاد السوفياتي ومن بعد خروجه منها تفكك، وأمريكا بعد حرب واحتلال لمدة عشرين عاماً،تهزم وتخرج مهزومة بعد خسارة 3500 جندي وأكثر من 2 ترليون دولار،وكل الدول التي احتلت افغانستان وأجبرت على مغادرته،يعلم التاريخ بأنها تفسخت وتفككت.
دولة الإحتلال الصهيوني أنشئت لكي تكون وكيلاً للقوى الإستعمارية في المنطقة،لمنع انبعاث أي مشروع قومي عربي وحدوي،ولكي تقوم بضرب أي حركة تحرر أو دولة تنادي بالخروج على إرادة القوى الإستعمارية وفي حرب تموز/2006 على لبنان وحزب الله والمقاومة اللبنانية، استخدمت أمريكا اسرائيل للقيام بحرب بالوكالة عنها،من أجل تدمير قدرات حزب الله العسكرية وبالذات الصاروخية منها وتحقيق إقامة ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به وزير خارجية امريكا الأسبق انذاك كونداليزا رايس،حيث كان مصير هذا المشروع الفشل الذريع، ودولة الإحتلال والعديد من المشيخات الخليجية تطرح نفسها كوكيل لأمريكيا في محاربة ايران وتدمير قدراتها وبرامجها النووية والصاروخية،ولكن هؤلاء الوكلاء لم ينجحوا في تدمير اليمن ولا بالسيطرة عليه،بل نجد جماعة أنصار الله " الحوثية" انتقلت من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم ومن ثم امتلاك زمام المبادرة،وقصف أهدافا استراتيجية اقتصادية وأمنية وعسكرية وحيوية في عمق الأراضي السعودية...وباتت السعودية تستجدي الحل بعد ان كانت تريد فرض شروطها وإملاءاتها على اليمن والحوثيين.
دولة الإحتلال المسألة بالنسبة لها متعلقة بالوجود تكون او لا تكون، ولذلك هي مارست كل اشكال الضغوط والتحريض والخداع والتضليل على الإدارات الأمريكية المتعاقبة من عهد بوش ومرورا بعهد اوباما ولتزيد من حدة ضغوطها في عهد الرئيس الجمهوري الغوغائي والحليف الأقرب لها ترامب من أجل شن حرب عدوانية على ايران ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في مسعاها....وليعمق هذا الفشل من أزمتها بعد قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن،والتي تعلن عن خطهها ومشاريعها وقرارتها بسحب القوات الأمريكية من المنطقة، ونقل جزء كبير من أسلحتها ومعداتها الثقيلة من دبابات ومدرعات واليات الموجودة في ثلاثة قواعد عسكرية لها في منطقة السيلة القطرية الى الأردن، وكذلك سحب 8 بطاريات دفاع جوي باتريوت من العراق والأردن والكويت والسعودية.
أمريكا لا تستخدم الوكلاء في المجال العسكري فقط،بل وتستخدمهم في الجوانب السياسية، فشعور الإدارة الأمريكية من بعد معركة " سيف القدس" والتي تهشمت فيها دولة الإحتلال عسكرياً وسياسياً، وتراجع الثقة بدور السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس عباس، والتي باتت أقرب الى السقوط والإنهيار بعد سلسلة الأخطاء التي ارتكبتها، سواء على صعيد الغاء الإنتخابات التشريعية مروراً بقضية اللقاحات منتهية الصلاحية، ومن ثم جريمة اغتيال وقتل المعارض السياسي نزار بنات،وتشكيل لجان التحقيق من داخل مؤسسات السلطة، والتي ليس فقط لا ثقة بنتائجها او الأطراف المشكلة منها، بل لأن كل لجان تحقيقها السابقة من اغتيال القائد أبو عمار الى اغتيال وقتل نزار بنات، لم تعلن عن أي نتيجة ولم يجر إدانة أي شخص او طرف من خلال تلك اللجان،بل كان تشكيل تلك اللجان يأتي كردود فعل على الغضب الشعبي والجماهيري والإحتقان ضد السلطة ،من أجل تنفيس الحالة الجماهيرية والشعبية وتبريدها واستقطاع الوقت وتمويت القضية والرهان على قصر ذاكرة الجماهير..وبالتالي خلصت الإدارة الأمريكية الى أن السلطة الفلسطينية قد أفلست وطنياً وسياسياً وشعبياً،وهي تقترب من الهاوية،وقد عبر عن ذلك نائب وزير الخارجية الأمريكي هادي عمرو،والذي طلب في زيارته الأخيرة للمنطقة ولقائه مع قيادات اسرائيلية ومن السلطة الفلسطينية من اسرائيل أن تعمل على مساعدة السلطة الفلسطينية من أجل البقاء والإستمرار،وشبهها بالغابة الجافة، وأي عود ثقاب قد يشعل النار فيها.
من بعد ما نجح الأمريكان في تطويع وترويض فتح العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية،ونجاح مشروعها في جعل مشروع التنسيق الأمني جوهر عمل المؤسسة الأمنية الفلسطينية،ومن بعد معركة " سيف القدس" وضمن الرؤيا والسياسة الأمريكية القائمة على ادارة الصراع وليس حله،ومن بعد 27 عاماً من التفاوض والدوران في نفس الحلقة المفرغة، يأتي دور تطويع وترويض حماس وبقية القوى لكسب 27 عاماً اخرى من التفاوض والتي عليها أن تتنبه جيداً الى الخباثة الأمريكي والاعيبها السياسية في إدارة الصراع، وأن لا تعود ل " تجريب المجرب" الذي جربته فتح والمنظمة ولذلك هناك شيء يجري لا يوحي بالثقة والإطمئنان،وهي الجولة التي قام بها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية بعد معركة" سيف القدس" الى قطر ومصر والمغرب وتركيا، الى دول هي تعتبر الوكيل الأمريكي وعراب مشاريعها السياسية في المنطقة.
والأيام القادمة ستجيب عن طبيعة الخطط والمشاريع السياسية التي تطبخ للمنطقة والقضية الفلسطينية.