الحدث المحلي
في ورقة موقف صادرة عن الائتلاف الفلسطيني للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (عدالة ) بعنوان "النظام السياسي الفلسطيني أصبح منغلقاً على نفسه"، حذر الائتلاف من خطورة انغلاق النظام السياسي الفلسطيني على نفسه في ظل غياب آليات المحاسبة والمساءلة من قبل مجلس تشريعي ونظام قضائي. وانتقد الائتلاف آلية تشكيل لجان التحقيق بالإضافة إلى عدم الأخذ بتوصياتها، مما سيؤدي إلى مزيد من إضعاف ثقة الناس في النظام السياسي. وأشارت الورقة إلى العديد من القضايا ذات الأهمية. النص أدناه هو البيان الكامل الصادر عن ائتلاف عدالة:
النظام السياسي الفلسطيني أصبح منغلقا على نفسه
جرت العادة في الملفات والقضايا التي تتحول لقضية رأي عام، وتتحمل الحكومة المسؤولية عنها، أن يتم المسارعة إلى تشكيل لجان تحقيق مستقلة. وذلك يُعزى في جانب كبير منه لانعدام ثقة المواطنين بالهيئات الرقابية والمؤسسات الرسمية القائمة التي يجب أن يُناط لها هذا الدور، مثل: النيابة العامة، وديوان الرقابة الإدارية والمالية، وهيئة مكافحة الفساد. علماً بأن الإنفاق على هذه الهيئات الثلاث من الميزانية العامة: على سبيل المثال، يتجاوز الـ 70 مليون شيقل سنوياً.
في الآونة الاخيرة تم تشكيل لجنة تقصي حقائق حول ملف تبادل اللقاحات مع الاحتلال، ولجنة تحقيق في ملف اغتيال الناشط السياسي نزار بنات، كلا اللجنتين وبغض النظر عن الميل إلى اللغة الهادئة التي حملت نتائج تحقيقاتها إدانة لمسؤولين وموظفين سواء في القطاع الصحي أو القطاع الأمني، إلا أنه لم يتم اقالة أو استقالة أي من المسؤولين واحتفظ الجميع بوظائفهم، فاستقالات المسؤولين الرسميين سواء في ملفات القمع الداخلي أو الفساد أو حتى الاخفاق في أداء مهاهم الوظيفية تعتبر نادرة الحدوث، و ثقافة ليست دارجة سواء في الوظيفة العمومية أو في النظام السياسي ككل. يُعزى ذلك بشكل أساسي إلى غياب المحاسبة، فبالنظر أيضاً إلى الوقت الطويل الذي يشغلونه في مناصبهم، واستمرارهم على رأس مهام عمرها الزمني يفترض أن يكون قصير فمثلا يحتفظ وزراء بوظائفهم منذ أكثر من 15 عام بالرغم من تغير ثلاث حكومات، من يجعل من المسائلة غائبة وإن تمت تكون محدودة الأثر.
ولا تتم الإقالات عادة إلا كنتيجة لصراعات، وعملية تصفية داخلية، كإقالة محمد دحلان وفصل ناصر القدورة ومؤخراً فصل وزير الثقافة السابق من أمانة المكتبة الوطنية لانتقاده قتل نزار بنات. وهناك شكل اخر وهو الاقصاء الى هامش الهامش. وهو أسلوب متبع في الوظيفة العمومية.
بالرغم من خطورة الملفين وما أثار ذلك من ضجة وشرخ في المجتمع الفلسطيني، فيمكن القول بأن قضية اغتيال نزار بنات، وملف التطعيمات وتبادل اللقاحات، إضافة الى ملف إلغاء الانتخابات التشريعية والرئاسية ساهمت بشكل كبير بتدمير صيت السلطة الفلسطينية، وأدت الى انخفاض شعبيتها الى الحد الذي لا تجرؤ السلطة على الاقدام على أي انتخابات سواء بلدية، أو رئاسية وتشريعية. إلا إذا ترافق ذلك للأسف مع ضغط دولي خارجي (هذا مستبعد الحدوث في الوقت الراهن)، مع ذلك يبقى الضغط الدولي خيار سيء لإحداث تحولات في النظام السياسي، وعلى الفلسطينين المسارعة إلى الحلول الداخلية قبل أن يتحول ذلك إلى تدخلات خارجية فظة. ويمكن استشفاف ذلك من بيان الاتحاد الاوروبي حول جريمة اغتيال الناشط نزار بنات، فالاتحاد الاوروبي الذي لم يقم بأي ضغط اتجاه تمكين الفلسطينين من اجراء الانتخابات في القدس ولومهم على تأجيلها، بالإضافة إلى الوقوف المطلق بجانب العدوان الاسرائيلي على غزة. كانت كلماته اتجاه السلطة الفلسطينية قاسية بالعرف الدبلوماسي ففي تعقيبه على حادثة الاغتيال للناشط السياسي نزار بنات "أعرب ممثل الاتحاد الأوروبي سفين كون فون بورغسدورف، نيابة عن الدبلوماسيين الزائرين لعائلة بنات عن حزنه العميق وقلقه الشديد إزاء هذه الجريمة النكراء، ويواصل الاتحاد الأوروبي دعوته إلى تحقيق مستقل وشفاف يقدم الجناة إلى العدالة، انطلاقاً من كون أن العنف بجميع أشكاله والموجه ضد المعارضين السياسيين السلميين ونشطاء المجتمع المدني والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان أمر غير مقبول ولا يمكن التسامح معه". وهذا يشير صراحة إلى العديد من القضايا، أولاً: أن الاتحاد الاوروبي غير راضٍ ولا يثق بلجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة الفلسطينية. ثانياً: إلى كون ممثل الاتحاد وجد في اغتيال بنات فرصة علنية لانتقاد السلطة ووصف سلوكها بالعنيف اتجاه المعارضين السلمين وفيه إدانة للسلطة في ملف حقوق الانسان، إضافة أن الاتحاد الأوربي بات يتعامل مع قيادة السلطة إلى كونها غير منتخبة ووصف سابقاً قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية بأنه "مخيب للآمال" داعياً إلى المسارعة لتحديد موعد جديد للانتخابات".
لجنة التحقيق في قضية اغتيال نزار، برئاسة وزير العدل محمد الشلالدة، وعضوية: ممثل عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وطبيب يمثل عائلة بنات، واللواء ماهر الفارس عن الاستخبارات العسكرية، واجهت العديد من الانتكاسات التي يمكن رصدها، بدأً من حيث التشكيل حيث اعتذرت الهيئة والعائلة عن المشاركة في تلك اللجنة، ولاحقاً رفضت أيضاً نقابة المحامين أن تكون جزءاً منها، بالتالي اقتصرت اللجنة في تشكيلها على الحكومة، واعلنت عن نتائج عملها بعد خمسة أيام من تشكيلها، وأشار الشلالدة خلال مؤتمر صحفي للجنة بكونها "أوصت بإحالة تقريرها ومرفقاته إلى الجهات القضائية لاتخاذ المقتضى القانوني اللازم وفق القوانين والتشريعات الفلسطينية". أما لجنة تقصي الحقائق في ملف اللقاحات تم تشكيلها من أطراف خارج الحكومة، وهم "عمار الدويك رئيس الهيئة المستقلة (لحقوق الإنسان)، باسم خوري ممثلاً للصناعات الدوائية في فلسطين، نظام نجيب نقيب الأطباء السابق ومنسق المستشفيات الخاصة، وممثلاً عن منظمة الصحة العالمية، والدكتورة سلوى النجاب ممثلة عن القطاع المدني في القطاع الصحي"، وقامت اللجنة بنشر النتائج بتاريخ 06/07/2021 وبالرغم من اختيار تعبيراتها بعناية فائقة، إلا انها لم تستطع تجاهل أن تلك الصفقة كانت مضرة بالمصالح الفلسطينية وأن توقيت إجراء هذه الصفقة لم يكن هناك احتياجا فلسطينيا لها. وطال تحميل المسؤلية للحكومة كجهة سياسية، اضافة إلى الوزيرة وبعض أطقم الوزارة ضمن مستويات مختلفة. اضافة الى العديد من الاشارات المتتالية التي وردت في التقرير أن البيانات الصحفية والتصريحات المتناقضة لوزيرة الصحة فيه تعمد لتضليل الجمهور. لكن هناك ما كشفت عنه الصفقة فبينما كانت الكثير من الدول تجاهد للحصول على لقاحات لمواطنيها، زودت شركة فايزر "اسرائيل" بكمية لقاحات تفوق حاجتها حيث كشفت الصفقة مع وزارة الصحة الفلسطينية أن لدى اسرائيل احتياطي 1.4 مليون لقاح ستنتهي صلاحيتها قريباً دون أن تكون هناك حاجة لاستخدامها. فوصفت منظمة الصحة العالمية محاولات بعض الدول ومنها اسرائيل تزويد مواطنيها بجرعة ثالثة بالسلوك الجشع، لا سيما أن العديد من الدول لم تتمكن لغاية الآن من البدء في عملية التطعيم.
فلا يمكن إنكار جشع الاحتلال وفساد شركة فايزر الذي قد حرم على الأقل 700 ألف انسان من الحصول على اللقاح، عشرات الآلاف ماتوا وهم ينتظرون اللقاحات بينما كانت اللقاحات في مخازن وزارة الصحة الاسرائيلية تشرف على انتهاء صلاحيتها، هذا عدا عن ازدهار السوق السوداء لبيعها في مناطق الضفة الغربية الخاضعة للاحتلال، وبعض تلك اللقاحات قدمت كرشاوي لأنظمة في المنطقة.
وبالرغم من أن تشكيل لجنة اللقاحات تم بقرار حكومي إلا ان الحكومة الفلسطينية لم تقم بأي تعقيب على نتائج التقرير الذي صدر عن هذه اللجنة وبالتالي لم تقم بأي إجراء. وكذلك الحال أعلنت عن اعتقال العسكريين المتورطين مباشرة في اغتيال بنات وبالرغم من مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على عملية التوقيف إلا أنه لغاية لوقت الراهن لا يوجد أي بيانات صحفية حول مستجدات عملية التحقيق مع المتهمين.
وبناء على التحليل أعلاه يسجل ائتلاف عدالة الملاحظات التالية التي تسترعي الانتباه:
أولاً- عدم التعامل بجدية مع نتائج اللجان المستقلة أو اللجان الحكومية ساهم في فقدان الثقة في الحكومات المتعاقبة وإجراءاتها. ففي ظل سنوات متتالية من غياب الشفافية والمحاسبة ودقة المعلومات التي يجري تزويد الجمهور بها، باتت الثقة في البيانات الرسمية معدومة، معمقة بذلك من الفجوة بين الشارع ونظام الحكم وأدواته.
ثانياً- عوضاً عن معالجة قضايا الرأي العامة بمسؤولية، يتم اللجوء الى التحشيد الداخلي والبدء بمعالجات وتغيرات سريعة، وتصدير خطاب المؤامرة بصورة مكثفة وغير مسوغة. فلم يعد من المقبول الاستمرار بالركون إلى خطابات المؤامرة على الشرعية والمشروع الوطني. فهذا غير كافي وسيجد النظام السياسي نفسه في نهاية المطاف معزولاً.
ثالثاً- تشير الاحداث المتعاقبة أن النظام السياسي أصبح يتضامن مع اقطابه المختلفة، ويتستر على أخطائهم وفسادهم، والذي بات مكون أساسي للمنظومة ككل بل إنه يسهم في زيادة تكتلها، لذا ما زلنا نرى عدم وجود اقالات او استقالات في المناصب العليا، وهذا السلوك جعل من فكرة اجراء عمليات محاسبة غير ممكنه وهذا ساهم في خلق مزيد من الانقسامات الداخلية.
رابعاً- في الوقت الذي تعتبر فيه الانتخابات فرصة لتعديل نظام الحكم، ولكن في المقابل فإن التعددية التي قد تنشأ عن أي انتخابات قادمة ستمس مصالح فئات متنفذة استسهلت حكم الشعب عبر القرارات بقوانين وسيظل مطلب الانتخابات قائماً على الاجندة الغربية لكن دون أن يتحول الى ضغط حقيقي الا حين تصبح الظروف الداخلية مواتية.