السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الوحدة 8200.. المال مقابل التجسس

2021-08-01 08:18:30 AM
الوحدة 8200.. المال مقابل التجسس
أرشيفية

 خاص الحدث

كثرت التقارير والتسريبات في السنوات الأخيرة عن الدور الذي تؤديه الوحدة 8200 في جيش الاحتلال في عمليات التجسس في المنطقة وحول العالم، وقد ساهم خريجوها في بناء تقنيات وبرامج تجسس استخدمت في مراقبة ومتابعة معارضين ومقاومين وصحفيين ومسؤولين سياسيين. لكن الوحدة التي تتبع للمؤسسة الرسمية الإسرائيلية تحاول إخلاء مسؤوليتها عن منتجاتها من خلال بناء منظومة شركات صغيرة يديرها من يطلق عليهم "خريجو 8200".

ما هي الوحدة 8200؟

في عام 1948 تشكلت الوحدة الاستخباراتية الإسرائيلية 8200 من مجموعة من المستوطنين العراقيين الذين شاركوا في احتلال فلسطين، وقد وقع الاختيار عليهم لاتقانهم الكامل للغة العربية بطبقاتها الغنية ومعانيها حمّالة الأوجه، ومستواهم المهني العالي، وحاجتهم الماسة للعمل، وقد أكسبهم ذلك زخمًا واندماجًا فوريًا وأدوارا مهمة في الوحدة الاستخباراتية.

يقول أحد مؤسسي الوحدة، يحزقيل كوهين، إن غالبية يهود العراقيين الذين قدموا إلى "إسرائيل" كانوا من خريجي الثانوية العامة، ومستوى الثانوية العامة في بغداد، مقارنة بنظيرتها في الدول العربية الأخرى، كان مرتفعا بشكل ملحوظ، وهذا شجع المؤسسة الإسرائيلية لاختيارهم لأداء مهام ذكية.

كان اليهود العراقيون من أكثر المستوطنين الجدد اطلاعا على الثقافة والقوانين العربية إلى جانب إتقانهم اللهجة المصرية العربية بحكم تعرضهم المستمر للسينما المصرية. في نهاية عام 1949 وخلال الخمسينيات من القرن الماضي، استثمر الاحتلال قدرًا كبيرًا من الجهد في تحديد وتعيين وتدريب موظفين محترفين في الترجمة من العربية للعبرية.

في عام 1950، كانت الوحدة بحاجة ماسة إلى خبراء من ذوي الخبرة في مجال الموانئ، والخدمة البريدية، وفي السكك الحديدية ونظام التجارة، من أجل المساعدة بشكل كبير في مجال تشفير الرسائل، وفي عام 1956، كانت هناك حاجة متزايدة لمتحدثي اللغة العربية لمرافقة الوحدات القتالية.

في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي تم تشكيل ثلاث وحدات قيادة تابعة للوحدة 8200، كل منها تتشكل من عشر فرق - معظمهم من العراق - وقد تم تدريبهم حسب المهام الموكلة لهم. وكان من أبرز مسؤولي الوحدة أفراهام شاروني، مؤلف القاموس العربي-العبري الشامل، الذي وضع الأسس لنظام تدريب الوحدة 8200، وعزرا ماني، مؤلف قاموس المصطلحات العسكرية، الحائز على جائزة إسرائيل في اللغويات السامية (1936).

لكن دور الوحدة بعد عقود من الزمن لم يقتصر على فك التشفير وترجمة المحادثات التي يتم رصدها بالوسائل التكنولوجية، بل أصبحت حاضنة تكنولوجية وبيئة خصبة لتشكل للعديد من الشركات في مجال التكنولوجيا الفائقة، والتي أصبحت أسماؤها مألوفة في عالم الصناعات التكنولوجية خاصة عندما يتم الحديث عن تصنيع تقنيات الدفاع والهجوم.

في سبتمبر 2010 كشفت مجلة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية أن إسرائيل تدير واحدة من أكبر قواعد التجسس في العالم ومقرها في النقب الغربي. وصف تقرير لوموند ديبلوماتيك، القاعدة الواقعة بالقرب من مستوطنة أوريم، بأنها جزء مهم من وحدة التجسس المركزية التابعة للوحدة 8200، التابعة لشعبة استخبارات جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وبحسب المجلة، فإن القاعدة وظيفتها الاستماع إلى المكالمات الهاتفية واختراق مراسلات البريد الإلكتروني لـ "الحكومات والمنظمات الدولية والشركات الأجنبية والمنظمات السياسية والأفراد"، وأن أحد الأهداف المهمة للقاعدة في أوريم هو التجسس على حركة البث وحركة السفن في البحر الأبيض المتوسط.

وتوضح المجلة الفرنسية أنه يتم نقل المعلومات التي يتم جمعها في قاعدة أوريم للمعالجة في مقر الوحدة 8200، والذي يقع في هرتسليا. تقول مجندة سابقة في 8200 كانت تعمل في مجال تحليل المعلومات، إن وظيفتها كانت اعتراض الاتصالات الهاتفية والبريد الإلكتروني من الإنجليزية والفرنسية إلى العبرية.

 

بيع الخدمات الأمنية

يقول أحد مسؤولي الوحدة 8200 إن ذكرها في أي سيرة ذاتية بهدف العمل في شركات التكنولوجية يفتح الباب سريعا أمام خريجيها لأنها تعتبر واحدة من أكثر الوحدات حرفية حول العالم في جمع المعلومات الاستخباراتية، وهو ما دفع بعض ضباطها لتأسيس شركات تكنولوجية.

 ومن بين خريجي الوحدة الثلاثي مؤسسي شركة أمن المعلومات Check Point وهم جيل شويد وشلومو كرامر وماريوس ناخت. والرئيس التنفيذي لمجموعة Zap، نير لامبيرت، الذي شغل منصب رئيس اتحاد خريجي 8200، وقد خرجت الوحدة الآلاف من المهندسين والخبراء في مجال التجسس، وتعتبر البيئة الأهم للشركات الناشئة في إسرائيل، على سبيل المثال الشركتين العملاقتين Verint و Nice والشركات الناشئة مثل Mintigo و Equise.

في عام 2017 أقام خريجو الوحدة 8200 الحفل الأول لهم والذي كان عبارة عن اجتماع موسع في مدينة نيويورك. في المدينة يسكن 300 من خريجي الوحدة، أي أكثر من أي مكان آخر في الولايات المتحدة. يوجد في وادي السيليكون حوالي 200 خريج، وتضم منطقة بوسطن حوالي 100 من كبار العاملين في الوحدة سابقا.

ليس من المستغرب أن تأتي الوحدة 8200 إلى نيويورك، التي تزدهر صناعة التكنولوجيا الفائقة والشركات الناشئة فيها. وفقًا لغاي فرانكلين، الرئيس التنفيذي لشركة Susa New York، ومؤسس خريطة الشركات الناشئة في نيويورك، يوجد حاليًا حوالي 350 شركة للتكنولوجيا الفائقة في المدينة، من الشركات الناشئة إلى الشركات الناضجة، التي يسيطر عليها الإسرائيليون.

وتكشف صحف غربية وإسرائيلية أن خريجي الوحدة يقومون بجمع الأموال في الولايات المتحدة لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي من خلال جمعية "أصدقاء جمعية جيش الدفاع الإسرائيلي"، التي تجمع عشرات الملايين من الدولارات سنويًا في مناسبات مختلفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

كان الهدف من حفل خريجي 8200 في نيويورك هو جمع الأموال، ولكن كان هناك هدف آخر أكثر أهمية وغير عادي بالنسبة لخريجي وحدات جيش الاحتلال الإسرائيلي العاملين في الولايات المتحدة هو محاولة ربط الشركات الناشئة المرتبطة بالوحدة 8200 بالعملاء وصناديق رأس المال الاستثمارية في الولايات المتحدة.

كانت فكرة منظمي الاحتفال هي الاستفادة من علاقات خريجي الوحدة مع عالم الأعمال، سواء كان ذلك في صناديق رأس المال الاستثماري، أو شركات التكنولوجيا الفائقة، أو المستثمرين، لمساعدة الشركات الناشئة التابعة لخريجي 8200 على تطوير علاقاتها الاقتصادية، وقد عمل ممثلو الوفد الاقتصادي الإسرائيلي في نيويورك على ترتيب لقاءات لخريجي الوحدة بمؤسسات اقتصادية.

يعتقد بعض خريجي الوحدة أنه من الأفضل عدم كشف أسمائهم وصورهم حماية لأمنهم والحفاظ على الصورة السرية للوحدة حتى وإن غادروها لعالم الأعمال. إنهم يدركون أن وجود العديد من الخريجين في نيويورك ليس سرا من أسرار الدولة، لكن لا يوجد سبب لجذب الانتباه الزائد. وقد يكون السبب الآخر هو أن الخلفية العسكرية لخريجي الوحدات الإسرائيلية دائما ما تلاحقهم علامات استفهام أيضًا. غالبًا ما يُنظر إلى الإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج على أنهم عملاء للموساد.

 

خريجو الوحدة.. تنوع أدوات التجسس والتجنيد

وتعترف مصادر إسرائيلية بأن عمل الوحدة تحول من الدفاع إلى الهجوم في مجال تكنولوجيا المعلومات، وتنوعت أدوات التجسس والتجنيد، لتشمل استخدام رسائل اختراق الهواتف المحمولة، التي تستخدمها أجهزة الاستخبارات في البلدان المتقدمة.

لكن الأمر يبدو إشكاليا بالنسبة للوحدة 8200 عندما يتعلق الأمر بشركة إسرائيلية معينة  كما NSO، التي خدم مؤسسوها في 8200، وهي الشركة التي تمكنت من اكتشاف ثغرة في iPhone، رغم أنه محصن أكثر من الهواتف المحمولة الأخرى، وقد ابتكر مهندسوها خطة للاختراق والهجوم والتجسس على iPhone.

لا شك أن هناك علاقة كبيرة بين الشركات الخاصة التي تتولى عمليات تطوير البرمجيات في إسرائيل والوحدة 8200، خاصة وأن مديريها من خريجي الوحدة نفسها. وهذا يسمح للمخابرات الإسرائيلية باستخدام هذه القدرات لصالح إسرائيل من خلال عمليتها التجسسية. الوحدة التي يتحدث فيها معظم موظفيها اللغتين العربية والفارسية. تم تأكيد هذه الفرضية من خلال ما يسمى بالمتدربين الذين وجدوا أن شركة "NSO" وحدها استهدفت حوالي 180 شخصًا من خلال برامج التجسس الخاصة بها في غضون عامين فقط. ويعتبر هذا التطور في العلاقة الوثيقة بين جيش الاحتلال والشركات في القطاع الخاص في إسرائيل "غير محدود". لا توجد قوانين تفرض قيودًا على المجندين حول ما يمكن استخدامه تقنيا لحماية الأمن السيبراني في إسرائيل.

 

الفضيحة الأخيرة

الشهر الجاري كشفت منظمتا "العفو الدولية" و"فوربيدن ستوريز" الفرنسية أنهما تعاونتا مع مجموعة من المؤسسات الإعلامية بينها "واشنطن بوست" و"غارديان" و"لوموند" في تحقيق للكشف عن آلاف عمليات التجسس التي تتم من خلال برنامج "بيغاسوس" الذي تصنعه "NSO" الإسرائيلية، والتي خدم معظم مسؤوليها في الوحدة 8200. التحقيق سبب لإسرائيل حرجا كبيرا واضطر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان على قائمة الأهداف المفترضة إلى تغيير رقمه وجهاز الهاتف الذي كان يستخدمه.

وأصبح برنامج بيغاسوس بحسب منظمة العفو الدولية قادرا على تشغيل كاميرا الهاتف أو الميكروفون وجمع بياناتهما، وقد تم تسريب قائمة تضم أسماء نحو 50 ألف هدف للمراقبة والتجسس. وفيما تبدو إسرائيل رسميا تحاول التنصل من هذه الفضيحة، إلا أنها بكل تأكيد ستلقي بثقلها مستقبلا على الوحدة 8200 وعالم الأعمال المرتبط بها والذي يرفد جيش الاحتلال والمؤسسة العسكرية بموازنات ضخمة.