يبدو أن السلطة اختارت تجاهل الأخبار السلبية المتصلة بها كأفضل وسيلة تراها فعالة لنفيها.
كانت هذه النظرية معمولا بها في كثير من الكيانات والحكومات خصوصا فيما يسمى بالعالم الثالث، وذلك حين لم يكن في حياة الناس هذا الكم الهائل من الإذاعات والفضائيات، والصحافة الورقية والإلكترونية التي رغم كثافتها تحتل المرتبة الثانية في تشكيل الرأي العام بعد وسائل التواصل الاجتماعي التي وفرت لكل مواطن منبرا حرا يقول فيه ما يشاء دون أن تتمكن أية جهة رسمية من الحجب، ذلك أن وسائل التحايل على الرقابة والملاحقة أقوى وأكثر فاعلية من كل الإجراءات التي تتخذها أي سلطة مهما بلغت من القدرات والإمكانيات.
الرأي العام الفلسطيني صار يتشكل مما ينهمر عليه من تسريبات وحتى شائعات يختلط فيها الحقيقي بالمفتعل ولا يلام المواطن حين يصدق ما يسمع ويقرأ ويرى فمن أين له معرفة الحقيقة الغائبة وراء تكتم السلطة على ما تتهم به وإحجام منابرها التي يمولها المواطن دافع الضريبة عن قول الحقيقة ولو بعضا منها.
إن سطوة المنابر على مختلف أشكالها ومصادرها وأجنداتها في زمن الانتقادات الكثيرة والمبررة الموجهة لأداء السلطة، أوصلت المجتمع كله إلى حالة من البلبلة والشك في كل شيء واليأس من كل شيء وحالة كهذه لم يألفها الفلسطينيون على مدى تاريخهم القديم والحديث، وإذا ما نظر للأمر من زاوية أن للفلسطينيين قضية وطنية مصيرية فيها احتلال واستيطان ومصادرة منهجية لأبسط الحقوق فإن ما وصل إليه الرأي العام الفلسطيني من تشوش وغموض في الرؤية هو في الواقع أفضل مناخ موات للاحتلال ليس كي يبقى فقط وإنما كي لا تقوم للشعب الفلسطيني قائمة، وسيقال في تلك الحالة لا سمح الله هذا ما جنيتموه على أنفسكم.
وإذا ما تعمقنا أكثر في المؤثرات المباشرة لتخريب الرأي العام فإننا نلمس ظاهرة مزدوجة تتحمل السلطة الرسمية والشرعية المسؤولية الأولى عنها شقها الأول أنها سلطة كثيرة الأخطاء بالفعل وهذا هو حالها الآن في نظر غالبية الجمهور في كل الوطن أي في غزة والضفة والشتات.
وشقها الثاني أنها تتجاهل وضعها وحين يتولى بعض أهلها الدفاع عنها يكون في نصه ومضمونه ساذجا وأقرب إلى تحقيق نتائج عكسية تضاعف الخطأ ولا تقلل منه.
هنا ولكي نتفادى سطوة المؤثرات السلبية في تشكيل الرأي العام فلا مناص من العمل باتجاهين، الأول الإقلاع عن دفن الأخطاء تحت أخطاء مستجدة دون وضع السياسات المؤدية إلى الحد منها، والثاني وربما يكون هو الأهم أن تقال الحقائق للناس كما هي فهذا وإن كان محرجا إلا أنه أقل أذىً من الإنكار والتكتم.