الحدث- محمد مصطفى
بدا غريباً استمرار وصول السجائر المصرية المهربة إلى قطاع غزة، على الرغم من الإجراءات الصارمة وغير المسبوقة التي تقوم بها السلطات المصرية على طول حدودها مع قطاع غزة، والتي أفضت إلى إغلاق وتدمير معظم الأنفاق، وخلق منطقة عازلة في الجانب المصري من الحدود، لمنع التهريب.
فالسجائر بدت السلعة شبه الوحيدة التي لازالت تصل القطاع، وقد ناضل القائمون على الأنفاق من أجل ضمان استمرار وصولها، وأجروا تحسينات مكثفة على أنفاقهم، فالأخيرة هي مصدرها الوحيد لغزة، بعد تعذر إدخالها من خلال معبر كرم أبو سالم.
إجراءات خاصة
ويقول الشاب "إبراهيم -ج"، إن العاملين في الأنفاق، استسلموا للأمر الواقع، وقبلوا بتوقف إدخال السلع والبضائع للقطاع، بدءاً بالمركبات ومواد البناء ومروراً بالوقود، وليس انتهاءاً بقطع غيار الدراجات والسلع الصغيرة، لكنهم رفضوا منع إدخال السجائر للقطاع، ومن أجل ضمان استمرار تدفقها لغزة، ابتكروا الكثير من الحيل والطرق الخاصة.
وقال إبراهيم لـ"الحدث"، ويعمل في نفق مخصص لإدخال السجائر، ما نجا من آتون الحملة المصرية لا يتجاوز 2-3% من مجموع الأنفاق التي كانت تعمل حتى النصف الأول من العام 2013، وهي اتخذت أشكال جديدة تختلف كلياً عما كان سائداً في الفترة المذكورة.
وأوضح إبراهيم، وهو شاب قصير القامة، نحيف الجسد، سريع الحركة، وهي صفات مطلوبة للعمل في الأنفاق حالياً، أن القائمين على الأمر بدؤوا بحفر أنفاق على أعماق بعيدة، زادت على 25 متر، حتى لا تستطيع الحفارات المصرية التي تعمل على الحدود ليل نهار الوصول إليها.
وتابع: بعد وصول النفق للنقطة المحددة في الأراضي المصرية، في الغالب لا يتم إحداث فتحة للنفق في الجانب الآخر، والأمر لا يتعدى إخراج أنبوب بلاستيكي بقطر صغير، يسمى محلياً "إشارة" بالكاد تكفي فتحتها لرمي السجائر داخلها، ومن ثم يسحب الأنبوب، ويغلق مكانه بطريقة خاصة، وينتهي الأمر في غضون دقائق معدودة، وكأن شيئاً لم يحدث، على أن يبدأ لاحقاً عمال مهرة بسحب السجائر إلى الجانب الفلسطيني.
وأكد أن هذه الطريقة لا تصلح إلا لتهريب السلع "ما خف وزنه وزاد ثمنه"، وهي مكلفة ومرهقة، لكن ارتفاع أسعار السجائر وأرباحها العالية، تحفز القائمين على الأنفاق لفعل المستحيل لإنجاح تهريبها.
كميات وأسعار متذبذبة
وكان تجار وباعة سجائر في أسواق القطاع، أكدوا أنه ومنذ الحملة المصرية بدأت أسعار السجائر ترتفع تدريجياً، ووصلت نسبة الارتفاع ما بين 200-300% في بعض الأحيان.
ويقول التاجر سعيد أبو حماد، إن الكلفة العالية لنقل وتهريب السجائر، وضبط السلطات المصرية نحو نصف الكميات لدى محاولة تهريبها، أسهم في ارتفاع أسعار السلعة المذكورة.
وأوضح أن أسعار السجائر المهربة باتت تخضع لما يشبه "قانون العرض والطلب"، فكلما زادت الكميات المعروضة في السوق انخفضت الأسعار، والعكس صحيح.
وبين أبو حماد، أن ثمة سبب آخر أسهم في ارتفاع الأسعار، وهو دخول بعض المستثمرين ممن يمتلكون رؤوس أموال على خط التجار، بحيث يترقب هؤلاء انخفاض الأسعار، ليقوموا بجمع كميات كبيرة من السجائر من الأسواق، وتخزينها، أملا في ارتفاع الأسعار، وهؤلاء يتحكمون في أسواقها في كثير من الأحيان.
أما المواطن حازم سليم، ويمتلك بقالة شرق مدينة رفح، ويبيع فيها السجائر، فأكد أن أسعار الأخيرة كل يوم في حال، والاتجار بها يحوي الكثير من المجازفة، وقد ينتج عنه خسائر مادية.
وبين سليم انه يفضل شراء حاجته من السجائر كل يوم بيومه، حتى لا يفاجئ بانخفاض أسعارها على نحو مفاجئ، خاصة وأنه تاجر صغير.
يذكر أن الأنفاق التي ربطت مصر بقطاع غزة لسنوات، كانت تهرب كل البضائع، ووفرت السلع للغزين بأسعار رخيصة، وأسهمت في إعادة حركة العمران التي أوقفتها إسرائيل بعد حظر إدخال مواد البناء، إلى أن سقط الرئيس المخلوع محمد مرسي، وأعلن الجيش وحرس الحدود المصري عن حملة غير مسبوقة لوقف التهريب، وتدمير الأنفاق، وقد نجت الحملة في تحقيق غايتها بصورة كبيرة.