الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من هو الألماني الذي كان مفتاح القبض على أيخمان من قبل الموساد؟

2021-08-25 09:53:48 AM
من هو الألماني الذي كان مفتاح القبض على أيخمان من قبل الموساد؟

الحدث الإسرائيلي- عبد الله أبو حسان

كان أدولف أيخمان أحد أهم المسؤولين الكبار في الرايخ الثالث، وضابطاً في القوات الخاصة الألمانية المسماة قوات العاصفة، وتعود إليه مسؤولية الترتيبات اللوجستية كرئيس جهاز البوليس السري الجيستابو في إعداد مستلزمات المحتجزين في معسكرات الاعتقال وإبادتهم فيما يعرف أنذاك بالحل الأخير.

وتسببت محاكمة آيخمان بجدل كبير خاصة بعد أن قامت الفيلسوفة حنا آرندت بكتابة مقالتها في صحيفة نيويوركر عام 1963، والمتمحورة حول السؤال التالي: "هل يمكن للمرء أن يرتكب الشر دون أن يكون شريرًا؟" كان ذلك هو السؤال المحير الذي واجهته آرندت، التي وجدت أن أيخمان كان بيروقراطيًا عاديًا، بل أقل من العادي، وبحسب ما عبّرت، فهو لم يكن “منحرفًا ولا ساديًا”، ولكنه كان “عاديًا بشكل مرعب”. فقد فعل ما فعله دون أي دافع سوى الاجتهاد في تعزيز مساره المهني في البيروقراطية النازية. إذ خلصت حنا في دراستها للقضية، أيخمان في القدس: تقرير عن تفاهة الشر (1963)، إلى أن أيخمان لم يكن وحشًا لا أخلاقيًا.  بل قام بأعمال شريرة دون نوايا شريرة، وهي حقيقة مرتبطة بـ”بلاهته”، وانسلاخه عن حقيقة أفعاله الشريرة. “لم يدرك أيخمان ما كان يفعله” بسبب “افتقاده للقدرة… على التفكير من وجهة نظر شخص آخر”. ونظرًا لافتقاره إلى هذه القدرة المعرفية تحديدًا، فقد “ارتكب جرائم تحت ظروف منعته من أن يعرف أو يشعر أنه كان على خطأ”.

أطلقت حنا على تلك الصفات المجتمعة في أيخمان اسم “تفاهة الشر”: فهو لم يكن شريرًا بطبيعته، ولكنه كان مجرد شخص ضحل وجاهل، “ملتحق”، وعلى حد تعبير أحد المفسرين المعاصرين لأطروحة آرندت: فإن أيخمان هو رجل انجرف إلى الحزب النازي بحثًا عن غاية واتجاه، وليس من باب العقيدة الأيديولوجية العميقة. في رواية آرندت، يذكّرنا أيخمان ببطل رواية “الغريب” (1942) لألبير كامو، إذ قتل هذا البطل رجلًا بشكل عشوائي عارض دون أن يشعر بالندم بعدها. لم يكن هناك نية محددة أو دافع شرير واضح: إذ أن الفعل قد “وقع” فحسب.

مع ذلك، ما زالت قضية آيخمان تثير شره المؤسسة الصهيونية باعتبارها تجسيداً للعدالة في وجه الوحشية التي تعرض لها اليهود إبان الحقبة النازية، وما زالت الصحافة الإسرائيلية تتناول قضيته وتثيرها سنويا، ومؤخراً كشفت صحيفة هآرتس هوية الرجل الذي كشف مكان أيخمان الأخير.

فقد نقلت هآرتس عن صحيفة سود دويتشه تسايتونج الألمانية يوم الجمعة أن الجيولوجي الألماني الذي عمل مع أدولف أيخمان Adolf Eichmann في شركة إنشاءات في الأرجنتين هو الشخص الذي قدم المعلومات الأساسية التي سمحت للموساد بالقبض على أيخمان.

ظلت هوية الرجل سرية طوال 60 عامًا منذ اختطاف أيخمان وإعدامه في إسرائيل. الآن وبعد مرور 32 عامًا على وفاة الرجل، وافقت عائلته على الكشف عن اسمه وقصته. وهو غيرهارد كلامرGerhard Klammer. درس كلامر الجيولوجيا والفلسفة والتاريخ في ألمانيا، وفي عام 1950، هاجر إلى الأرجنتين بحثًا عن عمل. وكان أيخمان، قد وصل إلى الأرجنتين في نفس الوقت تقريبًا، تحت اسم مستعار.

وجد كلامر عملاً في شركة  كابري للأعمال الإنشائية في مقاطعة توكومان بشمال الأرجنتين. بعد ذلك بوقت قصير، انضم أيخمان إلى الشركة تحت اسم ريكاردو كليمنت  Ricardo Klement.

بعد بضع سنوات، عانت الشركة من مشاكل مالية. انتقل أيخمان إلى بوينس آيرس، بينما عاد كلامر إلى ألمانيا.

كان كلامر يعرف جيدًا الهوية الحقيقية للرجل الذي أطلق على نفسه اسم ريكاردو كليمنت، لأنه ​سعى إلى مساعدته وحمايته، وكان عدد غير قليل من النازيين السابقين يعملون في كابري. وكان أيخمان معروفًا جيدًا في المجتمع النازي في الأرجنتين،

وفقًا لعائلته ، اتصل كلامر ، الذي عارض النازيين ، بالسلطات الألمانية في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي في محاولة لإبلاغهم بمكان أيخمان ولكنه لم يتلق أي رد.

في عام 1959، بعد عودته إلى ألمانيا، أخبر كلاممر صديقًا مقربًا، وهو قس خدم في الجيش الألماني، عن أيخمان. نقل الكاهن المعلومات إلى أسقفه، الذي نقلها إلى فريتز باور، المدعي العام اليهودي الألماني الذي كان يبحث عن أيخمان في ذلك الوقت.

كان باور، الذي فر من ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية لكنه عاد بعد انتهاء الحرب، هو أعلى رتبة يهودية في المؤسسة القانونية الألمانية في ذلك الوقت، حيث كان يشغل منصب المدعي العام لولاية هيسن. في الوقت الذي كانت فيه بقية المؤسسة الألمانية لا تحرك ساكنا للقبض على أيخمان، على الرغم من أنه كان معروفا بأنه يختبئ في أمريكا الجنوبية، كان باور هو الوحيد الذي يبذل جهدًا لتعقبه.

كانت المعلومات التي توفرت من كلامر قيمة للغاية، فقد تضمنت عنوان منزل أيخمان وصورة فوتوغرافية من أوائل الخمسينيات من القرن الماضي خلال الفترة التي عمل فيه هو وكلامر معًا في شركة البناء، حيث ظهرا في الصورة وهما يقفان بجوار بعضهما البعض.

التقى باور في إسرائيل مع إيسر هاريل، رئيس الموساد آنذاك، وحاييم كوهن، النائب العام آنذاك، وأعطاهم المعلومات. بناءً على هذه المعلومات، تمكن الموساد من تحديد مكان أيخمان في عام 1960.

اتضح أنه بينما كان أيخمان يعيش بالفعل في العنوان الذي قدمه كلامر،إلا أنه كان قد انتقل إلى مكان آخر بعد ذلك بوقت قصير. لكن الموساد وجد عنوانه الجديد، واختطفته مجموعة من العملاء بقيادة رافي إيتان ووضعته على متن طائرة متجهة إلى إسرائيل. وبمجرد وصوله إلى هناك، حوكم وأدين وشُنق في عام 1962، ثم أحرقت جثته وألقي بالرماد في البحر الأبيض المتوسط.

أوفى باور بوعده بعدم الكشف عن مصدر المعلومات التي أدت إلى القبض على أيخمان. وبقي الموساد صامتا بشأن هذه القضية، ولم يبق أي من الأشخاص المتورطين في القضية على قيد الحياة. لكن الآن، تم الكشف عن قطعة أخرى من هذه القصة.